الوقت - رفعت الجزائر منذ استقلالها شعار مع فلسطين ظالمة او مظلومة و قد عززت الجزائر موقع القضية الفلسطينية ليكون على راس الاولويات خلال قمة الجزائر، وقد راهنت الجزائر وبعد اكثر من تاجيل بسبب جائحة كورونا على نجاح هذه القمة و استثمرت كما يبدو في كل الشروط التنظيمية لاستقبال الوفود المشاركة, و هو ما بدا واضحا للزائر منذ الوصول الى مطار هواري بومدين و في مختلف شوارع العاصمة الجزائرية التي تجملت باعلام الدول العربية و بالشعارات الترحيبية بالضيوف.
وقمة "لم الشمل" تاتي كذلك بالتزامن مع ذكرى وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917 و المظلمة التاريخية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني .
وأعاد إلغاء الملك المغربي محمد السادس لمشاركته في القمة العربية التي تحتضنها الجزائر، النقاش حول مستقبل العلاقات بين المغرب والجزائر، حيث رأى الكثيرون أن زيارته الجزائر كانت ستمثل "فرصة ذهبية" لإعادة فتح قنوات التواصل مع الرئيس الجزائري، في ظل القطيعة الدبلوماسية والخلافات التي تعيش على وقعها علاقات الرباط والجزائر منذ سنوات.
وأنهى وزير الخارجية المغرب، ناصر بوريطة، في تصريحات تلفزيونية مع قناة "العربية" جدل مشاركة العاهل المغربي للقمة العربية من عدمها، بإعلانه الأحد، تعذر حضور محمد السادس للقمة التي تحتضنها الجزائر لـ"اعتبارات إقليمية"، مشيرا إلى أن العاهل المغربي أعطى تعليماته للوفد الدبلوماسي المشارك من أجل "العمل البناء" رغم عدم حضوره شخصيا.
من جانبه، قال وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، الإثنين، إن بلاده تلقت رسميا بلاغا بغياب ملك المغرب محمد السادس عن قمة الجزائر، موضحا "بناء على ما أعلن من رسائل ومذكرات كنا نعتقد أن الملك محمد السادس سيشارك شخصيا في القمة، وأبلغنا صبيحة اليوم بغيابه".
وقبل تأكيد ذلك رسميا في تصريحاته التلفزيونية، كانت مجلة "جون أفريك" الناطقة بالفرنسية قالت إن وزير الخارجية المغربي أبلغ رسميا الأمين العام لجامعة الدول العربية، مساء الأحد، بـ"إلغاء الملك المغربي زيارته إلى الجزائر للمشاركة في القمة العربية"، مشيرة إلى أن الوفد المغربي الذي كان من المفترض أن يحضر لزيارة الملك غادر الجزائر، يوم الإثنين.
وأبرزت المجلة، التي سبق لها تأكيد خبر حضور محمد السادس برفقة ولي عهده أكثر من مرة، أن الملك المغربي ألغى مشاركته في القمة العربية بالجزائر "بعد أن كان من أوائل القادة الذين أكدوا مشاركتهم".
وتعود أسباب التراجع عن المشاركة، حسبما نقلت "جون أفريك" إلى عدة عوامل، في مقدمتها أن الرباط تعتبر "أن السلطات الجزائرية قامت بمعاملة غير دبلوماسية لناصر بوريطة والوفد المرافق له، الأمر الذي لن يسمح للملك بإقامة هادئة وسلمية". كما أن المغرب "لم يتقبل استمرار الاعتداءات عليه في وسائل الإعلام الجزائرية".
وإضافة إلى ما سبق، تنقل الصحيفة عن مصادرها التي لم تسمها، أن غياب قادة الدول الذين تعتبرهم الرباط مقربين منها عن هذه القمة (مثل، السعودية، الإمارات العربية المتحدة، الكويت، الأردن ومصر.. ) لعب دورا كذلك في غياب الملك.
وفي رده على الانتقادات الموجهة للإجراءات التنظيمية المرافقة للقمة، يقول المحلل السياسي الجزائري، إن بلاده قدمت كل الضمانات لمشاركة كل القادة العرب، وأسمتها قمة "لم الشمل"، موفرة "كل الأدوات التنظيمية والإجرائية للترحيب بالجميع بما في ذلك لوزير الخارجية المغربي، رغم محاولة بعض الأوساط الترويج لعدم احترام البروتوكولات وهذا ما تم نفيه".
وفيما يخص التأثيرات المرتقبة لغياب الملك المغربي عن قمة الجزائر على مستقبل العلاقات بين البلدين، يقول الجامعي الجزائري، إن من شأنها أن "تزيد من حالة الشحن على مستوى وسائل الإعلام في البلدين مع محاولة كل طرف تقديم حجج لإدانة الطرف الآخر".
ويورد المتحدث ذاته أن "الجزائر تأمل في علاقاتها مع المغرب العودة إلى مبدأ تحييد الصحراء الغربية وجعلها قضية أممية، دون أن تؤثر في الروابط بين البلدين"، مبرزا، أنه "على العكس، سعت الرباط خلال السنوات الأخيرة إلى إقحام الصحراء في علاقاتها البينية مع الدول الأخرى، وليس فقط الجزائر، وجعلت القضية محل مساومة لهذه الدولة، تطبيقا لمبدأ من ليس معنا ضدنا".
ربما لم يتسع أفق القمة في الجزائر للمغرب لأن مياه كثيرة جرت في النهر منذ القمة العربية الأخيرة في تونس، فالتطبيع نخر جدران البيت المغربي ، والقضية الفلسطينية لم تعد من أولياته.
فالمغرب حوّل التطبيع مع إسرائيل إلى تحالف سياسي ضد فلسطين، وعسكري ضد من يقف مع نصرة الفلسطينيين، وكان أول الموجودين في القمة لو كانت لأجل لم الشمل مع إسرائيل” حسب رأي بعض المحللين.
ان المغرب بتطبيعه العلاقات مع إسرائيل، خان قضية الشعب الفلسطيني وانتهك حقوق شعب الصحراء الغربية ولم يحترم معايير حقوق الإنسان والحكم العادل في البلاد. ومن أجل حماية نفسه مازال يقدم تنازلات للدول الاجنبية خلافاً للمصالح الوطنية.
فالاتّفاق المغربي الإسرائيلي جاء على أساس نظريّة الأرض مُقابل السّلام، ولكنّ الصّحراء الغربيّة وليس الأرض الفِلسطينيّة، حيث اعترف حينذاك الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في تغريدةٍ له بالسّيادة المغربيّة الكاملة على الصّحراء، وتعهّد بتقديم الدعم المالي لمشاريع التنمية في المغرب والصحراء معًا، وأعلنت حينها شركة الطيران الإسرائيليّة الرسميّة عن تنظيم 20 رحلة أُسبوعيًّا إلى المطارات المغربيّة.
لذلك سعى المغرب ومعه دول التطبيع إلى إفشال قمة الجزائر، ثم غابوا عنها تجنبا للإحراج، وخوفا على مشاعر سادتهم في أمريكا وإسرائيل”.
إنّ أخطر ما يواجه الجامعةَ العربية الآن، هو وقوعها تحت هيمنة دول تطبِّع مع الكيان الصهيوني، وتعادي القضية الفلسطينية، وتفجُر في خصومتها مع سوريا، وتنحاز إلى المغرب في خلافه مع الجزائر، وإذا أفشلت هذه الدولُ القمةَ المقبلة بذرائعها المختلَقة، فليس للجزائر إلا أن تنسحب من الجامعة العربية، وهي أصلا ستتحوَّل في السنوات القادمة، وبمباركة دول التطبيع والهرولة، إلى “جامعة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” وتضمّ إليها الكيانَ الصهيوني وتركيا، طبقا لمخطط “الشرق الأوسط الجديد” الذي تعمل أمريكا على تجسيده منذ غزو العراق في 2003 إلى الآن، وليس للجزائر ما تفعله في مثل هذه الجامعة.
فأمام هذا الشَّعْثِ المتناثر للأمة العربية عقدت الجزائر آمالها للمِّ الشمل العربي، بعد النكسات والانكسارات التي تلت موجة التطبيع التي لم تكن سوى صفقة مفلسة لبيع قضية الأمة في سوق النخاسة الدولية، غير أن المساعي الجزائرية تصطدم بميراث مثقل بالصراعات العميقة والأزمات المتجذرة والمتشابكة، التي تتحكم في خيوطها أطراف غير عربية، وخاصة بعد اختراق الكيان الصهيوني لجسم العالم العربي.
وبناء عليه ومن منظور موضوعي براغماتي لبعض الكتاب والباحثين أنه حتى وإن لم تنجح الرئاسة الجزائرية للقمة في تحقيق كل الأهداف المأمولة منها، فيكفيها في ذلك شرف المحاولة، لأن الكثير من أزمات العرب الزمنُ وحده هو الكفيل بعلاجها في ظل سيادة منطق التعنت والإِنِّيَّةِ المتعالية، وغياب الروح الجماعية وتمزق الهوى السياسي للقادة العرب، وخاصة بعد اختراق بعض الأنظمة العربية من طرف اللوبي الصهيوني والقوى الدولية المستفيدة من استمرار حالة الانقسام والاستنكاف.