الوقت- في صبيحة 25 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، فوجئ السودانيون بانتشار كثيف للجيش وقوات الدعم السريع على طرقات العاصمة الخرطوم، وقطع شبكتي الاتصالات الهاتفية وخدمات الإنترنت، واحتلال أجهزة الإعلام الحكومية والخاصة، مع بث موسيقى عسكرية والإعلان عن بيان مرتقب من الجيش.
يومها خرج قائد الجيش السوداني، الجنرال عبد الفتاح البرهان، بعد أن سبقته موجات الرفض والتظاهرات في كل مكان، ببيانه الأول، وأعلن عن استيلاء الجيش على السلطة، وحل مجلسي السيادة والوزراء، والتعهد بعدم تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة. وعزا كل قراراته التي وضعها تحت مسمى "تصحيح مسار الثورة"، إلى صراعات المكونات المدنية الحاكمة، و"الانقسامات التي أنذرت بخطر وشيك على أمن الوطن".
كذلك قرر البرهان فرض حالة الطوارئ في البلاد، وتجميد 8 من بنود الوثيقة الدستورية الحاكمة (معظمها يرتبط بالشراكة مع القوى المدنية)، وإنهاء تكليف الولاة، وتجميد عمل لجنة إزالة تمكين نظام الثلاثين من يونيو/حزيران، وهي اللجنة المعنية بتفكيك النظام من مفاصل السلطة التي سيطر نظام الرئيس المخلوع عمر البشير عليها لثلاثين عاماً.
وزاد البرهان على قراراته باعتقال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، وعدد من أعضاء مجلسي السيادة والوزراء، ومعهم قيادات أحزاب سياسية.
وفي مؤتمر صحفي بعد يومين من الانقلاب، وعد البرهان بإعادة تشكيل مجلس السيادة ومجلس الوزراء، وتشكيل مفوضية الانتخابات ومجلس القضاء العالي والمحكمة الدستورية ومجلس النيابة، وذلك في غضون أسبوع واحد.
منذ اليوم الأول، لم يجد الانقلاب أي ترحيب من الشارع الثوري، وساندته فقط مجموعة من الحركات المسلحة الموقّعة على اتفاق سلام مع الحكومة. وعمّت الاحتجاجات معظم المدن السودانية، التي ظلت تخرج في الأشهر الأولى بصورة شبة يومية للضغط من أجل تنحي العسكر عن السلطة.
في موازاة ذلك، حاصر العالم الانقلاب سياسياً ودبلوماسياً، وأوقفت الدول الغربية ومؤسسات التمويل كافة أشكال الدعم التي كانت تقدمها لحكومة حمدوك، وحتى الدول التي ساندت الانقلاب، مثل مصر والإمارات وروسيا والكيان الاسرائيلي والسعودية، وجدت نفسها غير قادرة على مساندة النظام الجديد تحت ضغط من المجتمع الدولي.
مرّ الأسبوع الذي وعد به البرهان، ولم يستطع فعل تنفيذ أي من وعوده. ومرّ الأسبوع الثاني والثالث، وكل ما فعله البرهان هو إعادة تشكيل مجلس السيادة ووضع نفسه من جديد رئيساً للمجلس، وقائد قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو (المعروف بحميدتي)، نائباً له في المجلس. كما احتفظ بقية العسكر الثلاثة بمناصبهم كأعضاء في المجلس، وهم الفريق شمس الدين الكباشي، والفريق ياسر العطا، والفريق إبراهيم جابر. كما احتفظ 3 من قادة التمرد بعضويتهم في المجلس، وأضيف لهم 5 آخرون من المدنيين المؤيدين للانقلاب.
بعد نحو شهر على الانقلاب، ومع استمرار العزلة الداخلية والخارجية، حاول الانقلاب الخروج من ورطته بالتفاوض مع رئيس الوزراء المعزول عبدالله حمدوك بغرض إعادته إلى منصبه وحده من دون أحزاب قوى "إعلان الحرية والتغيير" الحاكمة. ونجح في ذلك بالتوقيع معه على اتفاق في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ألغى بموجبه البرهان قرار إقالة حمدوك، وأعاد العمل بالوثيقة الدستورية.
كما نصّ الاتفاق على تشكيل حكومة مدنية من الكفاءات الوطنية المستقلة، وأن يكون مجلس السيادة الانتقالي مشرفاً على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية من دون التدخّل المباشر في العمل التنفيذي. ونصّ أيضاً على الإسراع في استكمال جميع مؤسسات الحكم الانتقالي، ومنها المجلس التشريعي، والأجهزة العدلية من محكمة دستورية وتعيين رئيس القضاء والنائب العام، والمفوضيات المستقلة.
وعلى الرغم من الدعم الدولي الذي حظي به الاتفاق مع حمدوك، إلا أن موجات الرفض الشعبي للانقلاب لم تنطفئ كما لم يتوقف القتل اليومي للمناهضين للعسكر، حتى اضطر حمدوك للاستقالة في 2 يناير/كانون الثاني الماضي، ليترك فراغاً دستورياً لم يستطع العسكر ملأه بحكومة جديدة حتى تاريخ اليوم.
في الفترة الممتدة من يناير وحتى يونيو/حزيران الماضيين، فشلت جهود محلية ودولية قادتها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة التنمية الحكومية "إيغاد"، في إقناع العسكر والمدنيين بالجلوس معاً لإخراج البلاد من أزمتها. وجاء الرفض في أغلبه من جانب قوى "إعلان الحرية والتغيير"، والقوى الثورية الأخرى المتمسكة بشعار ما بعد الانقلاب: "لا تفاوض، لا مشاركة، لا شرعية".