الوقت - أمريكا التي تستخدم دائمًا كل فرصة لزيادة الضغوط السياسية والقانونية على إيران، استغلت مرةً أخرى الاحتجاجات المتفرقة في بعض المدن الإيرانية كأداة سياسية لتكثيف الهجوم الإعلامي والاستخباراتي على طهران.
وفي هذا الإطار، في خطاب تدخلي، ادعى الرئيس الأمريكي جو بايدن "أننا نقف إلى جانب المواطنين الإيرانيين الشجعان، والنساء اللاتي يناضلن من أجل حقوقهن الأساسية."
وذهب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين إلى أبعد من ذلك، وكتب على تويتر: "يجب أن تكون مهسا أميني على قيد الحياة اليوم، لكن بدلاً من ذلك، الولايات المتحدة والشعب الإيراني حزينون عليها. على إيران أن تسمح بقيام احتجاجات سلمية." كما ادعى مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان، أن بلاده ستدعم المحتجين الإيرانيين.
في السنوات الماضية، ومن خلال استغلال الاحتجاجات داخل إيران، حاولت سلطات واشنطن إظهار أن الجمهورية الإسلامية تنتهك حقوق الإنسان ولا تحترم حقوق مواطنيها.
والآن أيضًا، وبينما تجري المفاوضات النووية، يحاول مسؤولو البيت الأبيض الاستفادة من احتجاجات إيران، وكسب المزيد من التنازلات على طاولة المفاوضات بسلاح حقوق الإنسان. لكن هذه التكتيكات لم تحقق أي شيء مطلقاً، وستفشل هذه المرة أيضًا.
تدخل الأمريكيين في الشؤون السياسية لإيران، أثار رد فعل مسؤولي وزارة الخارجية. وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، رداً على ادعاء وزير الخارجية الأمريكي، إن الولايات المتحدة، بتاريخها المشين في مجال حقوق الإنسان داخل وخارج البلاد، كيف تجرؤ وترى نفسها في وضع أخلاقي أسمى وتعظ العالم.
وشدد کنعاني على أن بلينكين يجب أن يتذكر أنه وزير خارجية دولة أطلقت شرطتها النار وقتلت 730 شخصاً، كثير منهم من السود، في تسعة أشهر فقط.
کما انتقد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في لقاء مع نظيره البلجيكي في نيويورك، أثناء إعلانه استعداد إيران لوضع اللمسات الأخيرة على بعض الوثائق الأساسية للتعاون الثنائي، النهج المزدوج للدول الغربية تجاه حقوق الإنسان وممارساتها الانتقائية.
سجل أمريكا الأسود في مجال حقوق الإنسان
إن المسؤولين الأمريكيين، الذين يقدمون أنفسهم على أنهم قادة الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم، هم أنفسهم أكبر منتهكي حقوق الإنسان في العالم، وإإضافة إلى احتلالهم وجرائمهم في بلدان أخرى في العقود الماضية، فقد تركوا وراءهم سجلاً أسود حتى داخل الولايات المتحدة أيضًا.
في السنوات الأخيرة، شهد العالم أجمع جرائم وعنف الشرطة الأمريكية ضد السود في هذا البلد، وفي كل عام يُقتل مئات الأمريكيين على يد قوات الشرطة دون أي جريمة، وحكومة هذا البلد لا تفعل شيئًا لإدانة الشرطة، الذين معظمهم من البيض.
السلطات الأمريكية تكتفي دائماً بالتعبير عن أسفها على هذه الجرائم اليومية، وتغمض أعينها عنها وتتجاوزها بسهولة. وحشية الشرطة الأمريكية انتشرت إلى درجة أنها أثارت رد فعل الأمم المتحدة أيضًا، حيث أعربت هذه المنظمة الدولية عن قلقها بشأن هذه القضية.
وفقًا لقاعدة بيانات رسم خرائط عنف الشرطة الأمريكية، قتل الضباط الأمريكيون أكثر من 700 شخص في الأشهر السبعة الأولى من عام 2022. وحسب هذا التقرير، منذ عام 2013، عندما بدأ جمع الإحصاءات المتعلقة بجرائم القتل هذه، يعتبر هذا الرقم غير مسبوق.
بناءً علی هذا التقرير، اعتبارًا من عام 2013، يكون الشخص الأسود أكثر عرضةً للقتل على يد الشرطة بثلاث مرات من الشخص الأبيض. ففي 48 من أكبر 50 مدينة أمريكية، كان عدد السود الذين قتلتهم الشرطة أعلى بكثير من عدد البيض.
أيضًا، في السنوات الأخيرة، أكثر من 98٪ من جرائم القتل التي ارتكبتها الشرطة الأمريكية، لم تسفر عن اتهام الضابط المذنب أو إدانته. وهکذا، فإن قوات الشرطة تقتل السود بسهولة لأنهم يعرفون أنه لا توجد عقوبة على جرائمهم في المحكمة.
هذه العنصرية متجذرة في الشرطة الأمريكية البيضاء وقد تزايدت في العقود الأخيرة، لدرجة أن باراك أوباما، الرئيس السابق للولايات المتحدة، اعترف بهذه القضية خلال فترة عمله في البيت الأبيض، وقال إن العنصرية في "الحمض النووي" للأميركيين.
المسؤولون في واشنطن لا يهتمون بشعبهم وقد غضوا الطرف عن هذه الجرائم، ومع ذلك، في تعاملهم مع الاحتجاجات في البلدان الأخرى، فهم يعتبرون أنفسهم مؤيدين لحقوق الإنسان والدفاع عن الأشخاص الذين تعرضوا للقمع والقهر، حسب مزاعمهم.
من ناحية أخرى، في الاحتجاجات السلمية الأمريكية، الموجودة دائمًا في هذا البلد، تقوم قوات الشرطة بقمع المحتجين بشدة واستخدام جميع الأدوات والأسلحة النارية لتفريقهم، وهذه الفظائع هي أكبر مثال على انتهاكات حقوق الإنسان.
يتحدث المسؤولون الأمريكيون عن حقوق الإنسان في العالم، فيما يُقتل عشرات الأشخاص بإطلاق النار في هذا البلد كل يوم بسبب قانون حرية حمل السلاح، وعلى الرغم من هذه الجرائم، فإن قادة البيت الأبيض لم يتخذوا أي إجراء للحد من حرية حمل السلاح.
الإحصائيات المنشورة عن عدد القتلى الأمريكيين جراء إطلاق النار من قبل مدنيين في الولايات المتحدة مرعبة. وفقاً لهذه الإحصائيات، كل يوم هناك حوادث إطلاق نار مميتة من قبل المراهقين في هذا البلد، ومعظم مرتكبيها من البيض.
البيانات المأخوذة من أرشيف عنف الأسلحة النارية في أمريكا، تُظهر أن المعدل اليومي لإطلاق النار الجماعي في الولايات المتحدة قد وصل إلى أكثر من 2.4 حادثة يوميًا.
كما تشير التقارير إلى أنه منذ بداية عام 2022 قُتل أكثر من 12 ألف شخص، وأصيب أكثر من 20 ألفًا بسبب العنف المسلح في الولايات المتحدة، وبعض هذه الجرائم لم يتم نشرها في وسائل الإعلام.
إضافة إلى عنف الشرطة الأمريكية الذي يحدث كل يوم في هذا البلد، تتصرف الحكومة الأمريكية بشكل غير إنساني حتى في التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين الذين يدخلون هذا البلد.
في السنوات الأخيرة، عندما حدّ مسؤولو البيت الأبيض من دخول المهاجرين غير الشرعيين إلى الأراضي الأمريكية، اتخذوا سياسات أكثر قسوةً لمنعهم من الدخول.
والصور ومقاطع الفيديو التي تم نشرها في السنوات الأخيرة عن أوضاع المهاجرين في أمريكا مؤسفة للغاية، وتظهر أن الأطفال كانوا منفصلين عن والديهم، بل ويقال إن العديد من هؤلاء الأطفال فقدوا أسرهم وتركوا دون ولي أمر.
حتى في عهد دونالد ترامب، الرئيس السابق للولايات المتحدة، كان المهاجرون يُحتجزون في أقفاص حديدية لمعاقبتهم، ليکونوا عبرةً للمهاجرين الآخرين حتى لا يجرؤوا على دخول الولايات المتحدة. كما تم اعتقال آلاف المهاجرين غير الشرعيين من قبل قوات الأمن، وحكم عليهم بالسجن لمدد طويلة.
ازدواجية المعايير تجاه حقوق الإنسان
لم تكن أمريكا أبدًا داعمةً لحقوق الإنسان في أي مكان في العالم، وتظهر هذه الغيرة تجاه حقوق الإنسان في البلدان التي لا تخضع لسياساتها فقط.
وقد أظهرت تجربة السنوات الأخيرة، أن مسؤولي واشنطن يلتزمون الصمت تجاه انتهاكات حقوق الإنسان في الدول الحليفة لهم، بل ويدعمون ضمنيًا السياسات الحكومية في قمع المحتجين.
ورأينا مثالاً واضحًا على هذه المعايير المزدوجة في احتجاجات "السترات الصفراء" في فرنسا، حيث أنه على الرغم من مطالبة المحتجين الفرنسيين باستعادة حقوقهم الأساسية خلال عامين من الاحتجاجات، إلا أن واشنطن لم تتخذ أي إجراء لدعم هؤلاء المعارضين، بل على العكس من ذلك وقفت إلى جانب الحكومة الفرنسية.
ويمكن رؤية نوع آخر من هذا السلوك، في جرائم كندا ضد السكان الأصليين في هذا البلد. فبالنظر إلى أنه في العقد الماضي، تم اكتشاف مقابر جماعية للسكان الأصليين الكنديين عدة مرات في الماضي، وقد تفاعلت جميع منظمات حقوق الإنسان بشكل حاد مع هذه القضية، لكن البيت الأبيض التزم الصمت تجاه هذه الجرائم، ولم يطلب حتى من الحكومة الكندية معالجة هذه القضية للحفاظ على مظهر حقوق الإنسان.
سياسات حقوق الإنسان هذه تتشابه في البلدان الأخرى المتحالفة مع أمريكا أيضًا، والمعايير المزدوجة موجودة دائمًا في سياسات واشنطن.
وفي الختام يمكن القول إن ادعاء الأمريكيين دفاعهم عن حقوق الإنسان في إيران وروسيا والصين، يأتي فقط بهدف التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول، لأن الذين يلتزمون الصمت تجاه العنف ضد مواطنيهم ويغضون الطرف عن انتهاك حقوقهم الإنسانية، لا يمكنهم الادعاء بالدفاع عن حقوق الشعوب الأخرى.