الوقت- ليست هي المرة الأولى التي يزور بها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، تركيا إلا أنها جاءت بظروف سياسية متناقضة مع حالة التوترات التي تعيشها المنطقة وبالذات بعد التصريحات التركية التي أكدت أن خطوات التطبيع التي تقدم عليها تركيا مع الكيان الإسرائيلي لن تقلل من دعمها للقضية الفلسطينية، ما أثار ضجة كبيرة في الأوساط الشعبية والسياسية وفي هذا الصدد أجری موقع الوقت الإخباري التحليلي مقابلة مع الدكتور "محمد البحيصي" رئيس جمعية الصداقة الفلسطينية الإيرانية وقد تركزت على الأسئلة التالية:
الوقت: كيف يمكن لتركيا التطبيع مع الكيان الإسرائيلي والدفاع عن فلسطين في الوقت نفسه؟
البحيصي : في السابع عشر من آب أعلنت كل من تركيا وإسرائيل عن قرار إعادة السفراء والقناصل وتطبيع كامل للعلاقات بينهما وبعدها بأيام جاءت زيارة الرئيس محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية لتركيا والظاهر أن تركيا هي التي بادرت إلى مثل هذه الخطوة في إعادة التطبيع مع الكيان الصهيوني وإن كانت العلاقات بين البلدين في حالة حسنة ومتطورة ولا شك أن البلدين لهما دوافعهما وأهدافهما من وراء هذه الخطوة وهي دوافع داخلية متعلقة بالانتخابات القادمة في اسرائيل في الأول من تشرين القادم أو في تركيا المقررة في حزيران 2023 .
وهناك دوافع خارجية تلعب الولايات المتحدة الأمريكية فيها دوراً مركزياً وخاصة تلك التي تتعلق بتوثيق العلاقات معها تركياً عبر اسرائيل كما يعتقد الأتراك.
وفي السياق الإقليمي يندمج التطبيع مع إسرائيل مع عمليات التطبيع التي تدفع بها تركيا مع دول أخرى في المنطقة ومنها الإمارات والسعودية ومصر وما تشهده العلاقات السورية التركية من تحولات وإن كانت لا تزال باردة ولكنها ترسل إشارات إيجابية بمقارنتها بمواقف تركيا من الوضع في سوريا وهذا كله فضلاً عن البعد الأمني لتركيا فآن العين تبقى على الاقتصاد والطاقة وطرقها وكذلك الاستفادة وتوظيف العلاقات الإسرائيلية الكردية في توفير حل المسألة الكردية بالنسبة للجانب التركي.
الوقت: لماذا باع أردوغان علاقاته المتينة مع حماس مقابل التطبيع مع "إسرائيل"؟
البحيصي: تبقى فلسطين رغم كل محاولات التهميش حاضرة في كل الحراكات في المنطقة وذلك باعتبار أن الكيان الغاصب هو القاسم المشترك في العلاقات التركية السعودية الإماراتية المصرية كما هو القاسم المشترك في العلاقات الأمريكية مع تركيا ومن هنا فإن تركيا التي لا يمكن المراهنة على مواقفها وهي التي عارضت اتفاقات ابراهام على سبيل المثال بينما هي الآن تسعى لترميم العلاقات مع أطراف هذه الاتفاقية وسواها من المحطات التي جمعت دولاً عربية مع إسرائيل مثل منتدى النقب ولربما في مرحلة لاحقة تسعى إلى ضم الفلسطينيين لمثل هكذا منتديات وأمام خيارات في الساحة الفلسطينية ممثلة في السلطة في رام الله وسلطة حماس في غزة.
وهي في الواقع تقيم علاقة متوازنة مع هذا الفريق وذاك كما أنها حريصة على الظهور بموقف المتوازن بين علاقاتها مع إسرائيل ومع الفلسطينيين ولاسيما أن أردوغان حاول في العقد الأخير وضع نفسه على اعتبار أنه الزعيم الإسلامي الذي يدافع عن حقوق الفلسطينيين وعن القدس وحسب أقوال أردوغان ومؤيديه فإن التطبيع مع إسرائيل لا يعتبر تنازلاً عن موقف تركيا من المسألة الفلسطينية وأن علاقات جيدة مع إسرائيل تسمح لتركيا بطرح موقفها بشكل مباشر ويمكنها بذلك خدمة الفلسطينيين وحماية حقوقهم ولا سيما في القدس.
وهذا بالمناسبة هو موقف كل دول التطبيع التي زعمت أن علاقاتها مع العدو الصهيوني هي مصلحة للفلسطينيين ورغم وجود إشارات على تغير محدود في سلوك تركيا إزاء حماس التي يقيم عدد غير قليل من قياداتها وكوادرها على أراضيها فإن سياسة الاحتواء والترويض التي تمارسها تركيا على حماس ستبقى هي المفضلة لدى تركيا والتي يراهن الأتراك عليها لدفع حماس إلى مزيد من التفاهمات مع إسرائيل .
الوقت: ما هي أبرز مكتسبات زيارة محمود عباس إلى تركيا؟
البحيصي: في سياق توازن العلاقات التركية مع سلطة رام الله ومع سلطة غزة حماس وفي إطار احتواء الموقف الفلسطيني تأتي زيارة محمود عباس لتركيا لامتصاص الموقف الشعبي التركي بعد إعلان التطبيع مع إسرائيل وهو موقف رافض لسياسات إسرائيل من منطلق إسلامي وللضغط على حماس لمزيد من احتوائها تركياً خوفاً من مزيد من التقارب بين تركيا ومحمود عباس وسلطة رام الله .
كما أن زيارة محمود عباس لتركيا مع وجود حماس واستبعاد الطرفين يمكّن تركيا من القيام بمبادرات في أوساط الفلسطينيين وداخل إسرائيل وفي القدس وهذا كله يخدم شعبية أردوغان وحزب التنمية والعدالة في تركيا وأما محمود عباس رئيس السلطة فإنه يمكن أن يزاحم حماس في العلاقات مع تركيا ويمكنه أن يحصل على بعض المساعدات والمشاريع التي تعزز وجوده في السلطة وخاصة في ظل أزمتها المالية الراهنة ومع كل هذا تبقى إسرائيل تشعر بالارتياح من زيارة عباس ومن العلاقات التركية الفلسطينية ولا سيما أنها مطمئنة للدور التركي في تطبيع الموقف الفلسطيني وتطبيعه أكثر باتجاه التهدئة مع اسرائيل في الضفة وغزة وهذا هو ما تريده اسرائيل على صعيد أمنها ومنحها فرصة إضافية للتوغل في الأراضي الفلسطينية وفي الاستيطان وإحكام القبضة الإسرائيلية على الضفة الفلسطينية والقدس.