الوقت- مع تنصيب الحكومة الثالثة عشرة في إيران وتنفيذ سياسة توسيع التعاون مع الجيران بما يتماشى مع استراتيجية التطلع إلى الشرق، تحاول دول آسيا الوسطى والقوقاز تعزيز مستوى تفاعلها وتعاونها مع إيران. ولقد أدى ذلك إلى القضاء على سوء التفاهم والغموض السياسي بين طهران وبعض جيرانها الإقليميين في منطقة آسيا الوسطى، وأفسح المجال لاتفاقيات لزيادة التعاون وتطوير العلاقات المشتركة. وفي هذا السياق، وبعد الزيارة المهمة للرئيس إمام علي رحمن، رئيس طاجيكستان، والتي حدثت لأول مرة في العقد الماضي، جاء دور وزير خارجية جمهورية أذربيجان هذه المرة لزيارة طهران لفتح فصل جديد في العلاقات بين البلدين الصديقين والمجاورين. وخلال هذه الرحلة، تمت مناقشة العديد من القضايا الاقتصادية والسياسية، وخاصة قضية الطاقة، والتي كانت جزءًا مهماً من التعاون بين البلدين. كما تم التأكيد على دعم إيران لعملية التسوية السلمية لنزاع ناغورنو كاراباخ على أساس مبادئ القانون الدولي المعروفة.
وكما قال حسين أميرعبد االلهيان، وزير الخارجية الإيراني، فإن طهران وباكو قد تجاوزتا مرحلة سوء التفاهم بشكل جيد وهما الآن في مرحلة زيادة تطوير العلاقات الشاملة بما يتماشى مع مصالح البلدين. وتجدر الإشارة إلى أن نزاع كاراباخ في العامين الماضيين قد أصبح معقدا للغاية بسبب تدخل الأجانب، وخاصة النظام الصهيوني، ومحاولات إجراء تغييرات في التنسيق الحدودي مع أرمينيا، وهذه المشاكل الصغيرة قد تم حلها في الآونة الأخيرة، والآن طهران وباكو يحاولان تقوية علاقاتهما.
يمكن لإيران وجمهورية أذربيجان التعاون مع بعضهما البعض في مختلف المجالات الاقتصادية بسبب جوارهما وحدودهما المشتركة ووقوعهما على حافة بحر قزوين. وتأتي زيارة وزير الخارجية الأذربيجاني بعد اجتماع قادة دول بحر قزوين في تركمانستان، حيث ناقش رئيسا البلدين مع بعضهما البعض زيادة التعاون. لطالما كانت قضية الاقتصاد أحد القطاعات المهمة في زيادة التعاون الثنائي. إن الطاقة والعبور فئتان مهمتان في التعاون الاقتصادي بين البلدين، ما ساهم بشكل كبير في زيادة التبادلات الثنائية. ووفقا للجنة الجمارك الحكومية لجمهورية أذربيجان، بلغ حجم التجارة بين جمهورية أذربيجان وجمهورية إيران الإسلامية 390 مليون و 466 ألف دولار من يناير إلى نوفمبر 2021، ما يظهر زيادة بنسبة 28.9٪ مقارنة بنفس الفترة في عام 2020. وخلال هذه الفترة بلغ حجم صادرات جمهورية أذربيجان إلى إيران 39 مليونا و 172 ألف دولار واستيراد جمهورية أذربيجان من إيران 351 مليونا و 295 ألف دولار. وعليه، وبالمقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، فقد زادت الصادرات بنسبة 6.6٪ والواردات بنسبة 32٪.
الطاقة هي محور تنمية التعاون الاقتصادي
قضية الطاقة هي قضية مهمة في العلاقات الإيرانية الأذربيجانية. وتمتلك إيران وأذربيجان حقول طاقة مشتركة في بحر قزوين وتتعاونان في هذا المجال منذ سنوات. وحسب الاتفاقات المبرمة بين سلطات الجانبين في العام الماضي، فقد تقرر استخدام قدرات المقاولين الإيرانيين في تطوير حقول النفط والغاز. ونظرًا لاحتياجات العالم المتزايدة لموارد الطاقة، يمكن للجارين أن يكونا مؤثرين في الأسواق العالمية بسبب احتياطيات الطاقة الهائلة لديهما.
أيضا في الاتفاقات التي تم التوصل إليها، من المفترض أن يتم نقل جزء من غاز تركمانستان إلى أذربيجان عبر إيران، وهذا الإجراء سيخلق تغييرا كبيرا في العلاقات بين باكو وطهران، وهذا الاتفاق سيؤدي إلى تطوير البنية التحتية للطرق في إيران، وهذه الطرق في المستقبل، يمكن أن تلعب دورًا فعالاً في نقل البضائع إلى دول أخرى في المنطقة. ويعد تفعيل دبلوماسية الطاقة والتواصل وتوسيع التعاون مع الدول المختلفة وخاصة الجيران أحد أهداف الحكومة الثالثة عشرة في إيران، وقد تم اتخاذ خطوات كبيرة في هذا المجال.
ومن ناحية أخرى، نظرًا للاتفاقيات التي تم التوصل إليها في اتفاقية النظام القانوني لبحر قزوين، يمكن للبلدين لعب دور فعال في توفير الأمن البحري واستخدام موارد قاع البحر والقيعان. كما تم تكوين تعاون جيد بين البلدين في المنظمات الدولية مثل أوبك بلس. ونظرًا لاحتياطياتها الهائلة من الطاقة، يمكن لإيران توفير احتياجات الغاز لمنطقة ناختشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي، والتي ليس لها اتصال أرضي مع باكو، وبهذا الإجراء، يمكنها القضاء على أحد الشواغل الرئيسية لسلطات باكو.
والقضية الأخرى في مجال علاقات الطاقة بين البلدين هي قضية الكهرباء. وتشتري إيران حوالي 600 ميغاواط من الكهرباء من أذربيجان لتزويد مدنها الحدودية بجزء من الكهرباء، وبناءً على الاتفاقات التي تم التوصل إليها، من المفترض أن تزداد هذه الكمية. وفي هذا الصدد، غادر وزير الطاقة الإيراني إلى جمهورية أذربيجان لمناقشة تطوير التعاون بين البلدين، وخاصة في قطاع الطاقة، وكذلك التوصيل الكهربائي لإيران وأذربيجان وروسيا، ووثائق مهمة من المتوقع أن يتم التوقيع عليها بين الطرفين. ووفقًا لمسؤولين في وزارة الطاقة، يمكن لإيران حتى تصدير بعض هذه الطاقة إلى تركيا من خلال شراء حوالي 2000 ميغاواط من الكهرباء من باكو في الأشهر المقبلة. وبالنظر إلى حاجة إيران القوية للكهرباء في فصل الصيف، يمكن لجمهورية أذربيجان أن توفر جزءًا من احتياجات إيران، وفي المستقبل، سيتم تعويض مشاكل نقص الكهرباء. ومن ناحية أخرى، تتم متابعة ومراجعة خطة ربط شبكات الكهرباء في إيران وأذربيجان وروسيا من خلال دراسات الخبراء بناءً على الاجتماع الأخير الذي عقد في مارس من العام الماضي بحضور نواب وزراء مجلس الوزراء للدول الثلاث، وسيتم تعزيز العلاقات بين البلدين في مجال الطاقة بشكل أكبر.
ربط ممرات العبور بين البلدين
إضافة إلى التعاون في مجال الطاقة، لعبت أهمية ربط شبكات السكك الحديدية بين إيران وأذربيجان دورًا مهمًا في بداية الموسم الجديد للعلاقات بين البلدين. ويوفر تطوير طرق العبور والسكك الحديدية في البلدين الأساس للنقل السريع للمواطنين والبضائع من البلدين ويجعل إيران قادرة على الوصول إلى أرمينيا وجورجيا عبر ناختشفان في أقرب وقت ممكن. وسيساعد خط سكة حديد رشت - أستارا، الذي تم العمل عليه منذ عامين، بشكل كبير في نقل البضائع الإيرانية إلى جمهورية أذربيجان. وبالنظر إلى أن الممر بين الشمال والجنوب الإيراني قد دخل حيز التشغيل مؤخرًا، يمكن لأذربيجان، مثل دول أخرى في المنطقة، الاستفادة من طريق السكك الحديدية هذا ونقل بضائعها التصديرية إلى المحيط الهندي وبحر عمان في أقصر وقت ممكن وبتكلفة أقل. وبسبب الموقع الجغرافي السياسي لإيران والقدرات الهائلة الكامنة في مجال العبور والطاقة، تميل جمهورية أذربيجان أيضًا نحو إيران حتى تتمكن من الاستفادة من مزايا إيران في مختلف المجالات من خلال تطوير التعاون الثنائي.
وبالنظر إلى أنه بسبب العقوبات على إيران، فإن بعض المشاريع نصف المكتملة في البلدين في مجال النقل والعبور ظلت نصف مكتملة، وإذا تم التوصل إلى اتفاق نووي ورفع العقوبات، سيتم تنفيذ هذه المشاريع وسيتم استئناف التعاون في هذا المجال أيضا وسيتم تطويره. ومنذ حرب ناغورنو كاراباخ الأخيرة، تم تحرير جزء كبير من المناطق من قبل جمهورية أذربيجان، ويمكن لإيران أن تلعب دورًا نشطًا في إعادة إعمار المدن المحررة وتوفير مواد البناء اللازمة في هذه المناطق.
التعاون لتعزيز السلام والاستقرار الإقليميين
سيكون لزيادة التعاون الاقتصادي تأثير كبير على التفاعلات السياسية بين البلدين. ولقد تسببت علاقات أذربيجان الوثيقة مع النظام الصهيوني في العقد الماضي في انتقاد إيران لسياسات باكو، لكن طهران لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع باكو وحاولت دائمًا استعادة هذه العلاقات. لذلك، كلما كانت العلاقات الاقتصادية على مسار أفضل، ستقلل سلطات باكو أيضًا من تهديدات النظام الصهيوني للأمن القومي لإيران كجار، وستكون هذه المسألة فعالة في تأمين حدود البلدين. كما يمكن لإيران أن تلعب دور الوسيط وتكون مفيدة في تخفيف التوترات بين أذربيجان وأرمينيا بالمقترحات التي قدمتها لحل نزاع كاراباخ، مما سيساعد على زيادة الاستقرار في حدود الدول الثلاث.
وعلى الرغم من أن العلاقات بين إيران وجمهورية أذربيجان شهدت صعودًا وهبوطًا في السنوات الأخيرة، إلا أن التطورات الأخيرة في الساحة العالمية بعد حرب أوكرانيا وتعزيز موقع إيران الجيوسياسي دفعت جمهورية أذربيجان، مثل البلدان الأخرى، إلى الاعتماد على قدرات إيران في مختلف المجالات. وبدون أدنى شك، مع السياسة الإستراتيجية المتمثلة في التطلع إلى الشرق، والتي وضعت على جدول أعمال الحكومة الـ13 الإيرانية، ستتحسن العلاقات بين الجانبين إلى مستوى كبير في المستقبل.