الوقت - بعد الإطاحة المثيرة للجدل بعمران خان من منصب رئيس وزراء باكستان في 9 أبريل 2022 من قبل مجلس الأُمة الباكستاني، ينتظر المراقبون السياسيون أكثر من نظرائهم الباكستانيين ليروا تأثير هذا التغيير على السياسة الخارجية لإسلام أباد.
في الواقع، فإن وصول محمد شهباز شريف، زعيم حزب الرابطة الإسلامية – نواز، إلى السلطة بانتخابه من قبل البرلمان الباكستاني في 11 أبريل 2022، والذي يرتبط أيضًا بعلاقات وثيقة مع الجيش، يمهد الطريق لمراجعة السياسة الخارجية لباكستان أكثر من أي شيء آخر. في سياق متصل، كانت المملكة العربية السعودية إحدى الجهات التي كانت لديها نظرة إيجابية للتغيير في هيكل السلطة في باكستان؛ إذ وصلت العلاقات بين الرياض وإسلام أباد إلى مستوى غير مسبوق من البرودة بعد أن تولى عمران خان منصبه في 18 أغسطس 2018. لكن بعد الإطاحة ببطل الكريكيت السابق، يبدو أن السعوديين هم أسعد من اللاعبين السياسيين الباكستانيين بهذا الحدث. يشار إلى أنه فور انتخاب شهباز شريف رئيساً للوزراء، عين الرياض وجهة أولى لرحلاته الخارجية. وحسب مصادر إخبارية، فإن رئيس وزراء باكستان الجديد سيغادر إلى السعودية في 27 أبريل 2022 للقاء قادة المملكة. وتأتي هذه الرحلة بشكل أساسي في وضع شهدت فيه السنوات القليلة الماضية مستوى كبيراً من البرودة والاختلاف في الرأي حول مختلف القضايا بين قادة البلدين. لكن السؤال الذي يطرح نفسه حول ما إذا كانت العلاقات المتوترة بين باكستان والسعودية في السنوات الأخيرة، والتي وصلت إلى ذروة برودتها مع تعيين عمران خان رئيسًا للوزراء، ستعود إلى الدفء السابق.
رضا المملكة العربية السعودية واستجابتها السريعة للإطاحة بعمران خان
على مدى السنوات القليلة الماضية، اتخذ عمران خان مواقف حازمة لمحاولة رسم سياسة خارجية مستقلة لإسلام أباد؛ والتي تمثلت بتبني سياسات تتعارض مع رغبات الولايات المتحدة وبعض الدول العربية في مختلف القضايا، كان أهمها خلال زيارة عمران خان لموسكو للقاء فلاديمير بوتين في خضم العملية العسكرية الروسية الخاصة ضد أوكرانيا. وعقب هذه الرحلة، بدأت مؤامرة الولايات المتحدة وحلفائها وبالتنسيق مع أحزاب المعارضة وعدد كبير من قادة الجيش للإطاحة بعمران خان. أخيرًا، في 3 أبريل 2022، في جلسة البرلمان، بدأ نقاش كبير حول التصويت على سحب الثقة من الوزير عمران خان. في النهاية، بعد أسبوع تقريبًا، وبحكم من المحكمة العليا الباكستانية تمت إقالة رئيس الوزراء. وفي خضم تلك الأحداث، كانت المملكة العربية السعودية أحد الفاعلين الرئيسيين في دعم إزاحة عمران خان. وقد لعبت علاقات الرياض الوثيقة بالجيش الباكستاني، فضلاً عن تشجيع الأطراف السعودية لأحزاب المعارضة على الإطاحة برئيس الوزراء، دورًا من وراء الكواليس في إيصال محمد شهباز شريف إلى السلطة. بعد انتخاب رئيس الوزراء الجديد في إسلام أباد، رحبت المملكة العربية السعودية، إلى جانب بعض حلفائها العرب الآخرين مثل الإمارات والبحرين ومصر، بشاهباز شريف أكثر من غيرهم. كما أجرى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اتصالاً هاتفياً بمحمد شهباز شريف لدعوته لزيارة الرياض، والتي يبدو أنها لفتت انتباه رئيس الوزراء الباكستاني الجديد بسرعة.
قرب نواز شريف التقليدي من المملكة العربية السعودية
تتمتع المملكة العربية السعودية وباكستان تقليديًا بعلاقات جيدة؛ حيث كانت حاجة باكستان المالية والاقتصادية إلى دولارات النفط السعودية، وحاجة الرياض إلى الدعم العسكري والأمني الباكستاني، القوة الدافعة الرئيسية للعلاقات بين البلدين. في غضون ذلك، كان حكام السعودية أقرب إلى زعماء الرابطة الإسلامية التي يرأسها نواز شريف؛ وقد حافظ الحزب على علاقات جيدة مع السعوديين في أوقات مختلفة، وحاول دائمًا ضمان أن يكون هذا التعاون بين الجانبين على أعلى مستوى ممكن. قبل وصول عمران خان إلى السلطة، شهدنا الدفء الخاص للعلاقات بين البلدين في حكومة نواز شريف، الزعيم السابق لرابطة المسلمين - حزب نواز. وعلى الرغم من أن نواز شريف لم يُشرك الجيش الباكستاني في حرب السعودية ضد اليمن خلال هذه الفترة، إلا أن القادة السعوديين كانوا مقتنعين بأن ذلك كان بسبب معارضة الجمهور والبرلمانيين وجنرالات الجيش. ولو كان نواز شريف قد اتخذ قرارًا مستقلاً، لكان من المحتمل أن يقود الجيش الباكستاني للتعاون مع العدوان العربي ضد اليمن. في المرحلة الحالية يأمل محمد شهباز شريف إقناع محمد بن سلمان كخطوة أولى خلال زيارته للرياض بزيادة الدعم المالي لإسلام أباد الذي كان محدودًا للغاية خلال العامين الماضيين. بالإضافة إلى المساعدات المالية، يسعى رئيس الوزراء الباكستاني الجديد أيضًا إلى الحصول على دعم سياسي ودبلوماسي من دول الخليج الفارسي. على المستوى الثالث، سيبذل جهداً للدفع بالتعاون المشترك بين البلدين لتطوير العلاقات الثنائية وخلق فرص الاستثمار والتوظيف.
شهباز شريف والعلاقات المضطربة بين الرياض وإسلام أباد
أثار صعود شهباز شريف إلى السلطة موجة من التفاؤل بين السعوديين والحكومة الباكستانية لتحسين العلاقات بين البلدين. ومع ذلك يبدو أن حل المسائل العالقة بشكل أساسي سيكون صعبا نظراً لحجم الخلافات بين البلدين في العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية. لذلك، يمكن القول أنه لن يكون من الممكن العودة إلى فترة شهر العسل السابقة، على الأقل في المدى القصير. في عهد عمران خان، الذي كان تربطه أيضًا علاقات وثيقة جدًا مع الجيش واتبع وجهات نظر الجيش في قضايا السياسة الخارجية، خالفت إسلام أباد عمليا السعوديين في قضايا السياسة الخارجية السعودية الكبرى، مثل الحرب اليمنية وحصار قطر والخلاف مع جماعة الإخوان المسلمين في تركيا. من ناحية أخرى، رفضت الرياض دعم باكستان في قضية كشمير الأمنية الفائقة الأهمية لباكستان أمام تحرك الحكومة الهندية لإلغاء حكمها الذاتي في عام 2019، بل وعززت موطئ قدم الهنود في الخليج الفارسي مما أشار إلى نهاية التحالف الاستراتيجي بين البلدين. رفض حكام الرياض الدخول في قضية الصراع الكشميري بسبب علاقاتها الاقتصادية البالغة 27 مليار دولار مع الهند، مما يجعلها رابع أكبر شريك تجاري لنيودلهي. لكن إلى جانب قضية التبادلات الاقتصادية، انتقم السعوديون بهذه الطريقة لعدم مشاركة باكستان في الحرب اليمنية في إسلام أباد. في الوضع الجديد، السؤال هو كيف تريد الرياض وإسلام أباد إدارة هاتين المسألتين الكبيرتين في علاقاتهما مع بعضهما البعض. هل ستمتثل باكستان لمطالب الرياض بالتعاون العسكري، وهل توافق الرياض على تقديم المساعدة المالية لإسلام أباد مرة أخرى كما فعلت في الماضي؟ سؤال سيستغرق وقتًا للإجابة عليه.