الوقت - التصريحات الأخيرة للرئيس قيس سعيد والتي تزامنت مع زيارات دبلوماسية مكثفة و”غير معلنة” بين تونس والجزائر، أثارت جدلا واسعا دفع عددا من المراقبين للحديث عن استعانة سعيد بخبرة نظيره الجزائري عبد المجيد تبون في إدارة علاقاته الدولية، وخاصة مع تزايد الانتقادات للأداء الدبلوماسي “المتواضع” للرئيس سعيد.
بعض المراقبين أشاروا إلى أن ثمة تحولا نوعيا في الخطاب الدبلوماسي لتونس، تجلى أخيرا في استدعاء السفير التركي عقب انتقاد الرئيس رجب طيب أردوغان لقرار حل البرلمان، وتبع ذلك تصريحات شديدة اللهجة من قبل الرئيس سعيد، أكد فيها أن بلاده ليست “ولاية عثمانية”، وهو ما دفع البعض للحديث عن بوادر أزمة دبلوماسية بين الطرفين.
و تزامن الخطاب الدبلوماسي الجديد مع الكشف عن زيارات دبلوماسية متبادلة لمسؤولين تونسيين وجزائريين، كان آخرها زيارة غير معلنة لوزير الخارجية عثمان الجرندي إلى العاصمة الجزائرية وعلى متن “طائرة جزائرية”.
وأثارت الزيارة الأخيرة جدلا، حيث كتب الخبير الأممي السابق عبد الوهاب الهاني تحت عنوان “فضيحة دولة”: “سافر الجرندي على عجل إلى الجزائر الشَّقيقة على متن طائرة رئاسيَّة أرسلتها له الجزائر من طراز “غولفستريم 4 بي سي” وهي الطَّائرة الَّتي عادة ما يستعملها وزير الخارجيَّة الجزائري.
وبيَّنت مواقع رصد حركات الطَّائرات أنَّ الطَّائرة حطَّت بمطار قريب من الجزائر العاصمة وليس مطار هواري بومدين (المدني) الدُّولي، والأقرب أن يكون مطار القاعدة العسكريَّة بوفاريك في أحواز العاصمة الجزائر. فما هو المغزى؟
وتساءل بقوله “لماذا أصرَّ الوزير على السَّفر بمفرده للجزائر، دون مرافقة دبلوماسيَّة، في غياب مدير العلاقات التُّونسيَّة الجزائريَّة وفي غياب سفيرنا لدى الجزائر، ولماذا لم تنشر وزارة الخارجيَّة، مشكورة، الصُّورة المُهينة لوزير خارجيَّة تونس يستعد لركوب طائرة وزير الخارجيَّة الجزائري، ولماذا تكتَّم وزير التَّدابير الخارجيَّة عن حقيقة الدَّعوة الجزائريَّة وعن الرِّسالة الَّتي حمَّله إيَّاها الرَّئيس تبُّون للرئيس سعيِّد، وعن الأسباب الَّتي دفعته لخرق السِّيادة الوطنيَّة وهو وزير سيادة بل رمز سيادة الدَّولة في الخارج مع رئيس الجمهوريَّة؟”.
وعلق السفير السابق إلياس القصري بقوله “انتهازية واستخفاف بالسيادة الوطنية و الأمر من مأتاه لا يستغرب”.
وكانت صفحات اجتماعية تداولت قبل أيام “وثيقة مزعومة” تتحدث عن رسالة من الرئيس سعيد (بخط يده) إلى نظيره تبّون يشكو فيها الضغط الأمريكي، ويوجه انتقادات لاذعة لواشنطن وصندوق النقد الدولي، كما يكشف عن تحالف جديد مع موسكو، التي تجمعها علاقات وثيقة بالجزائر.
ويصف سعيد في الرسالة الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي بـ”عصابة لصوص تدير مصرفا لقطاع الطرق، وصندوق نصب يمارس كل أنواع البلطجة والابتزاز لإجبارنا على قبول جميع شروطهم”.
ويضيف “كانت لنا محادثات إيجابية جدا مع الجانب الروسي، بعد أن عقدنا العزم على مد جسور التعاون مع دولة روسيا، غير أن القرار المفاجئ للرئيس الروسي بإعلان الحرب على أوكرانيا أجل لقاء محتملا (مع بوتين) على المدى القريب”.
وسرعان ما استدعى الرئيس سعيد وزير الداخلية توفيق شرف الدين ليدعوه للتحقيق في “تدليس وثائق رسمية تهمّ الأمن القومي لتونس ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي”، مؤكدا “ضرورة تتبع الجناة لأن مسك مسدس واستعماله لا يدخل إطلاقا في إطار حرية التعبير”، وفق بيان للرئاسة التونسية.
وكان تبون زار تونس في كانون الأول/ك الماضي، وتزامنت زيارته مع تقديم الجزائر قرضا بقيمة 300 مليون دولار لدعم ميزانية تونس التي تجد صعوبة في الاقتراض من الخارج بعد تعثر مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي.
وكشف موقع “أفريكا إنتلجنس”، المختص في الشؤون الإفريقية، أن تبون اشترط على سعيد، خلال الزيارة، التوقف عن التقارب مع مصر مقابل وعود بدعم ميزانية بلاده المتعثرة.
ويأتي ذلك في ظل الحديث عن “استعانة” سعيد بخبرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في اتخاذ “تدابيره الاستثنائية” التي قام من خلالها بحل البرلمان وتعطيل مؤسسات الدولة وأغلب فصول الدستور.
حيث تحرص الرئاسة المصرية على التقارب مع نظيرتها التونسية والتشاور في أهم الملفات والقضايا الكبرى بما يخدم مصالح البلدين.
فقد جمعت المصالح السياسية بين النظامين المصري والتونسي، وتعززت العلاقات بينهما منذ أن اتخذ الرئيس قيس سعيّد خطوته الكبيرة والاستثنائية حيال قصقصة أجنحة حركة النهضة التونسية في يوليو الماضي، ولا تمر مناسبة هنا أو هناك إلا ويهاتف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي نظيره التونسي، والعكس صحيح، وهو ما يعكس المتانة التي وصلتها العلاقات.