الوقت- تعد الأزمة الأوكرانية، لأسباب عديدة، أخطر أزمة في المنطقة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. هذه الأزمة أكثر حدة بكثير من الحرب الروسية الجورجية التي وقعت في عام 2008، والتي كان لها تأثيراً محدوداً.
ولقد أصبحت أزمة أوكرانيا مواجهة خطيرة بين روسيا والغرب، وفي الوقت نفسه تراقب دول آسيا الوسطى أزمة أوكرانيا عن كثب، خشية أن تتأثر بالتوتر والمواجهة بين روسيا والغرب.
توجّه دول آسيا الوسطى الحذر لحرب أوكرانيا
دخلت الحرب الروسية الأوكرانية يومها السادس، وأعلن الرئيس الأوكراني أن الساعات المقبلة ستكون حاسمة في الحرب ضد روسيا بينما لم تسفر المفاوضات عن نتيجة. وتُعد دول آسيا الوسطى من الدول التي تتأثر بالغزو الروسي لأوكرانيا، هذا لأن روسيا تُعد أقرب صديق للمنطقة من ناحية التعاون الأمني والشراكة الاقتصادية، ولأن التقدم الروسي في أوكرانيا أثار مخاوف جيوسياسية لدى دول المنطقة، كما أن الصراع سيحمل تداعيات بعيدة المدى عليها. رأى تقرير لمؤسسة "فيفيكاناندا" الدولية، وهي مؤسسة فكرية هندية تعمل في مجال السياسة العامة، نُشر على موقعها، 28 فبراير 2022، أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الغربية على روسيا ستؤثر في اقتصادات آسيا الوسطى، لا سيما أنها تواجه مشكلات بسبب التحديات غير المسبوقة التي فرضتها جائحة كوفيد-19.
أفاد التقرير بأن روسيا هي أكبر شريك تجاري لآسيا الوسطى، فكازاخستان وقيرغيزستان أعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تقوده روسيا وتحتفظ أوزبكستان بصفة مراقب.
وبنهاية 2021 ارتفعت التجارة الخارجية للاتحاد الاقتصادي الأوراسي بأكثر من 34% وارتفعت التجارة الداخلية بنسبة 67%، وبلغ إجمالي معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي 4.4%.
وهكذا فإن العقوبات الاقتصادية على روسيا ستؤثر بالسلب في التجارة الخارجية والداخلية للاتحاد. وبالإضافة إلى هذا، أسهم العمال المهاجرون في روسيا في اقتصادات بلادهم. وبحسب التقرير، تمثل التحويلات المالية 30% من الناتج المحلي الإجمالي لطاجيكستان، و28% من الناتج المحلي الإجمالي لقيرغيزستان، و12% من الناتج المحلي لأوزبكستان.
وبعد الإعلان عن العقوبات، بدأ الروبل في الهبوط، وهو ما تسبب في خفض قيمة دخل ومدخرات العمال المهاجرين وخفض قيمة العملات الوطنية لكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان. وقد ذكر موقع "أوارسيا نت" الأمريكي المهتم بشئون دول آسيا الوسطى، في تقرير نُشر 24 فبراير 2022، أن قيمة عملة كازاخستان (التينج) هبطت بنسبة 13% مقابل الدولار بعد ساعات من أنباء الغزو الروسي. وشهدت عملة قيرغيزستان (السوم) انخفاضًا مماثلًا لتصبح 95 مقابل الدولار الواحد. ووفقًا للتقرير، ظلت عملة أوزبكستان صامدة في أول يوم للهجوم الروسي، لكن خبراء الاقتصاد حذروا من فترة غير مستقرة قادمة، وبالنسبة إلى طاجيكستان، فإنها ستكون الأكثر تأثرًا بالأزمة لأن ثُلث اقتصاد الدولة يعتمد على التحويلات المالية للعمال المهاجرين بالروبل. وعلى مدار الأسبوع السابق للغزو، هبطت قيمة السوموني الطاجيكي 15% مقابل الروبل.
وفي 28 فبراير، حظر البنك المركزي الروسي تصدير المواطنين الأجانب للدولار من روسيا. وبحسب تقرير لمعهد الولايات المتحدة للسلام، سيكون للضغط على الروبل والقيود المصرفية المفروضة على الأجانب، وعلى المدى الطويل انهيار سوق العمل في روسيا، تأثير اقتصادي فوري وعميق على آسيا الوسطى. ولفت التقرير إلى أنه سيتعين إلغاء مشروعات الاستثمار الروسية في المنطقة التي تموّلها البنوك الخاضعة للعقوبات. وعلاوة على هذا، ربما تتأثر الصادرات إلى أوروبا التي تمر عبر روسيا ومبيعات النفط والغاز إذا ضربت العقوبات قطاع الطاقة.
كيف تحركت آسيا الوسطى لمواجهة العقوبات؟
في 25 فبراير 2022، استضاف الرئيس الكازاخي، "قاسم جومارت توكاييف"، اجتماعًا مع رؤساء حكومات الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. وحسب تقرير مؤسسة فيفيكاناندا الدولية، كان هذا الاجتماع يهدف إلى بحث تداعيات العقوبات الغربية على روسيا واقتراح بعض الحلول. وبسبب الترابط الكبير في الأنظمة الاقتصادية والمالية والصناعية، قرر الاتحاد الأوراسي تشكيل مجموعة عمل. لتقيِّم المخاطر وتستحدث حلولًا اقتصادية للتخفيف من الآثار السلبية للعقوبات المفروضة على روسيا التي ستؤثر في الاقتصاد الأوراسي. ذكر تقرير معهد الولايات المتحدة للسلام أن ردود الأفعال الرسمية من آسيا الوسطى على الغزو الروسي لأوكرانيا كانت متباينة، حيث أظهرت غيابًا واضحًا في الدعم لأفعال روسيا وخوفًا من إغضاب الزعيم الروسي الذي يتصرف بتهور.
عقب مكالمة هاتفية في 25 فبراير 2022، أعلن المكتب الصحفي لبوتين أن الرئيس الأوزبكي شوكت ميرضيايف “أعرب عن تفهمه لأفعال روسيا”. إلا أن المكتب الصحفي لميرضيايف أوضح أن أوزبكستان تتخذ “موقفًا محايدًا ومتوازنًا”. كما أعلن الكرملين أيضًا عن شيء مشابه بعد حوار مع رئيس قيرغيزستان، "صدير جاباروف"، وقال، إن جاباروف “أعرب عن دعمه للتحركات الحاسمة التي يقوم بها الجانب الروسي”. وعلى الجانب الآخر، أشار التقرير إلى أن كازاخستان رفضت طلبًا روسيًا محتملاً لنشر قوات في أوكرانيا بموجب منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا، وهي تحالف عسكري حكومي دولي في أوراسيا يضم دول سوفيتية سابقة، كما ورد أيضًا أن كازاخستان رفضت طلب الاعتراف بالمناطق الانفصالية في أوكرانيا.
ذكرت صحيفة "ذا هيل" الأمريكية، 25 فبراير 2022، أن "العقوبات الأمريكية على روسيا لن تكون كافية لوقف عدوان بوتين على أوكرانيا". ولفتت الصحيفة إلى أن العقوبات يجب أن تكون مصحوبة بدبلوماسية أمريكية صارمة وأكثر إبداعًا لبناء ائتلاف دولي أقوى وتعزيز الدعم للنظام الدولي القائم على القوانين، لا سيما في آسيا الوسطى والقوقاز. وقالت الصحيفة في تقريرها، إن الولايات المتحدة تحتاج إلى تنشيط نهجها الدبلوماسي تجاه دول آسيا الوسطى والقوقاز، مع الأخذ في الحسبان الضغوط التي تمارسها روسيا على تلك الدول. ختاما، إن التغييرات الجيوسياسية والاقتصادية التي تحملها الحرب الروسية على أوكرانيا بمقدار ما تحمل من انعكاسات سلبية على دول منطقة اسيا الوسطى فإنها في الآن ذاته وفي ظل عزل روسيا اقتصاديا ما سيؤثر عليها سلبا على المدى المتوسط والبعيد قد تجعل دول اسيا الوسطى منفذا لها لتجنب التبعات المباشرة لإستراتيجية الردع الاقتصادي.