الوقت- بعد إسقاط طائرة السوخوي الروسية من قبل المقاتلات التركية عقد حلف الناتو اجتماعاً طارئاً لبحث تداعيات هذه الأزمة. وكان من المتوقع أن يخرج الحلف ببيان يقف فيه إلى جانب تركيا بإعتبارها عضو في الناتو، إلاّ إنّ ذلك لم يحصل. و أشارت مصادر مقربة من الاجتماع إلى أن خلافات قد حصلت بهذا الشأن بين دول الناتو حالت دون الاتفاق على دعم تركيا.
وترفض موسكو بشدة تبريرات أنقرة بأن الطائرة الروسية قد إخترقت الأجواء التركية و لهذا تم إسقاطها، مؤكدة بأن جميع القرائن و منها تأكيد الطيار الثاني الذي نجا من الموت و تم إنقاده في عملية نوعية داخل الأراضي السورية بأن تركيا لم تطلق أي تحذيرات للطائرة قبل إسقاطها. كما تتهم موسكو حكومة أنقرة بزعامة رجب طيب أردوغان بدعم الجماعات الإرهابية في سوريا و في عموم المنطقة.
وفي وقت سابق أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن عواقب إسقاط طائرة السوخوي ستكون وخيمة على تركيا. و في أول رد فعل عملي على إسقاط الطائرة الذي وصفه الكثير من المراقبين بأنه عمل استفزازي بإمتياز إتخذت موسكو سلسلة من الإجراءات ضد تركيا بينها جملة من العقوبات الاقتصادية. وأكدت أنها ستواصل هجماتها الجوية و الصاروخية ضد مقرات و مواقع الجماعات الإرهابية في سوريا لاسيما تنظيم "داعش".
كما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن بلاده بصدد إعادة النظر بشأن علاقاتها مع تركيا في كافة المجالات، واصفاً عملية إسقاط الطائرة بأنها تمت عن قصد و مع سبق الإصرار في إطار خطة تهدف إلى إقامة منطقة حظر جوي في شمال و شمال شرق سوريا.
وأشار لافروف إلى أن أردوغان أدان بنفسه عندما كان رئيساً للوزراء عملية إسقاط مقاتلة تركية من قبل سوريا بعد إختراقها لأجواء هذا البلد عام 2012، وبيّن بأن مجرد إختراق طائرة لأجواء بلد ما ليس مبرراً كافياً لإسقاطها . و تساءل لافروف: كيف يحق لتركيا أن تقوم بفعل معين و تدينه في نفس الوقت.
في هذا السياق إتهم خبراء عسكريون روس أردوغان بأنه خطط بنفسه لإسقاط الطائرة الروسية بهدف خلق أزمة بين موسكو و الناتو من جهة، وعرقلة جهود موسكو في محاربة الجماعات الإرهابية في سوريا و عموم المنطقة من جهة أخرى، فيما وصف قائد القوات الجوية الفضائية الروسية فيكتور بونداريف، هجوم طائرة "إف-16" التركية على القاذفة الروسية "سو-24" بالغدر غير المسبوق". ولفت إلى أن القاذفة الروسية أسقطت في الأجواء السورية وعلى بعد 5.5 كيلومترات من الحدود التركية.
وبالعودة إلى موقف الناتو و رغم تأكيده على حق أنقرة في الدفاع عن حدودها و أجوائها طالب الحلف الجانبين الروسي و التركي بضبط النفس للحيلولة دون تفاقم الأزمة و إعادة التواصل فيما بينهما من أجل تخفيف التوتر.
وأشارت مصادر غربية إلى أن خلافات جديّة حصلت بين دول الناتو فيما يتعلق بمزاعم تركيا بأن الطائرة الروسية اخترقت أجواءها و لهذا تم إسقاطها. و شكك الكثير من مسؤولي الناتو بصحة هذه المزاعم، و وصفوا الإجراء التركي بأنه إستفزازي و خطير، معربين في الوقت ذاته عن إعتقادهم بضرورة عدم التدخل عسكرياً في هذه الأزمة.
من جانبها و خلال كلمتها أمام برلمان بلادها ألقت المستشارة الالمانية إنجيلا ميركل باللوم على أنقرة لقيامها بإسقاط الطائرة الروسية، محذرة من عواقب هذا التصرف على الأمن الإقليمي و الدولي، و طالبت بعدم تكراره.
في هذا السياق أكد الكثير من وسائل الاعلام الأوروبية والأمريكية بأن المعطيات و القرائن المتوفرة تشير إلى أن الطائرة الروسية لم تخترق أجواء تركيا و تم إسقاطها من قبل مقاتلات هذا البلد في الأجواء السورية.
يستنتج مما ذكر أن الناتو ليس بصدد دعم تركيا عسكرياً في أزمتها مع روسيا لأنه يدرك جيداً إن هذه المجازفة ستكلفه ثمناً باهظاً على كافة الأصعدة. و يعتقد المراقبون أن أنقرة لا تحظى بتأييد الناتو إلى درجة تدع الحلف يتورط بمثل هذه المواجهة مع دولة قوية و ذات إمكانات عسكرية هائلة كروسيا التي أثبتت خلال الأسابيع الماضية قدرتها الكبيرة على المناورة في إستخدام آلتها الحربية لضرب الجماعات الإرهابية و فرض هيمنتها على الأجواء السورية بالتعاون مع سلاح الجو السوري، مؤكدين في الوقت نفسه إن إسقاط تركيا لإحدى الطائرات الروسية لايقلل من أهمية الانتصارات العسكرية التي حققتها موسكو خلال هذه المدة.
وإعتبر هؤلاء المراقبون بأن ما حصل الأسبوع الماضي ساهم في زيادة التأييد الذي حصلت عليه روسيا شعبياً و رسمياً في الكثير من دول العالم لاسيما دول المنطقة و في مقدمتها ايران و العراق بإعتبارهما يأتيان في طليعة البلدان التي تحارب الإرهاب و تسعى للقضاء عليه بأسرع وقت ممكن لإعادة الأمن و الإستقرار إلى عموم المنطقة.