الوقت - في ظل الظروف التي حددتها الجلسة الأولى لمجلس النواب العراقي في 9 كانون الثاني 2022، كان من المقرر انتخاب الرئيس العراقي الجديد بشكل نهائي بحلول 8 شباط 2022، بعد انتخابات 10 تشرين الأول 2020.
ومع ذلك، تم تغيير الاجتماع الذي عقد في 7 و8 نوفمبر إلى اجتماع استشاري بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، حيث من بين 329 عضوًا في البرلمان، 58 منهم فقط حضروا. وذلك بالرغم من أن عقد جلسة عادية لمجلس النواب العراقي يتطلب حضور ما لا يقل عن 165 عضوا (نصف عدد النواب) ووفقا للتفسير الجديد للمحكمة الاتحادية، فإن ما لا يقل عن 220 عضوا من أعضاء مجلس النواب لم يحضروا جلسة مجلس النواب لانتخاب الرئيس.
لا يمكن اعتبار حالة انتخاب الرئيس مجرد نزاع على انتخاب رئيس جديد أو الاحتفاظ بالرئيس الحالي؛ لكن المهم هو أن عدم انتخاب رئيس جديد لقصر السلام يعني أن العراق يدخل فترة تعليق الحكم وفراغ قانوني. من ناحية أخرى، تم تأجيل موعد الاجتماع لانتخاب رئيس جديد إلى أجل غير مسمى. من جهة أخرى، من الضروري الانتباه إلى أن انتخاب رئيس جديد سيكون المرحلة الثانية من تشكيل الحكومة الجديدة بعد انتخاب رئيس مجلس النواب، لأنه وفقا للمادة 76 من الدستور العراقي، يلتزم الرئيس المنتخب بترشيح مرشح فصيل الأغلبية في غضون 15 يوما. بشكل عام، يمكن النظر إلى الوضع الجديد في اتجاه فشل مشروع تشكيل الحكومة الجديدة وتعليق الحكم في العراق. لكن السؤال المهم الآن هو ما هي التحديات التي تواجه انتخاب رئيس جديد، أو بمعنى آخر، ما هو سبب الوضع المعقد لانتخاب رئيس جديد في العراق؟ وما هو تأثير ذلك على مستقبل الحكم في العراق؟
عدم التوافق الكردي (الصراع بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني)
لا شك أن التحدي الأول والأهم في انتخاب الرئيس الجديد لقصر السلام هو الخلاف بين الحزبين الرئيسيين في السلطة في إقليم كردستان العراق. في كل السنوات منذ 2005، عندما تم تشكيل أول حكومة وطنية عراقية، تم إعطاء حق رئاسة البلد للمكون الكردي، وأصبح ذلك تقليداً عاما. في عامي 2006 و2010، انتخب جلال طالباني رئيسا لقصر السلام دون أي عقبات جدية، ووفق اتفاق استراتيجي بين الحزبين، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي لكردستان العراق.
في عام 2014، وفقًا للاتفاق بين الطرفين، تم تعيين فؤاد معصوم في المنصب، لكن في عام 2018، بعد وفاة الطالباني، حدثت كبيرة بين الجانبين، والتي بعد جدل سياسي كبير، تمكّن أحمد صالح أخيرًا للتصويت في التصويت البرلماني، ونائب الحزب الديمقراطي فؤاد حسين يفوز بأغلبية الأصوات. في عملية ما بعد الانتخابات في 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، ونظراً للاجتماعات بين قادة الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق، بدا أن الطرفين سيتفقان على تسمية مرشح مشترك. لكن خلافا للتوقعات، خاصة بعد الجلسة البرلمانية الأولى التي رفض فيها ممثلو الاتحاد الوطني الكردستاني التوجه إلى البرلمان للتصويت لشهوان عبد الله كنائب ثان لرئيس مجلس النواب، دخل الحزبان الديمقراطي، بقيادة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني في صراع كبير. فمن جهة، يصر حزب الاتحاد الوطني على إعادة انتخاب برهم صالح، وفي الوقت نفسه رشح لطيف رشيد نفسه من هذا الحزب. على صعيد آخر، أكد الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي ترشيح هوشيار زيباري، عم مسعود بارزاني، ووزير الخارجية والمالية العراقي الأسبق، لرئاسة قصر السلام. إجمالاً، حولت هذه المبارزة الخاصة انتخاب رئيس جديد إلى قصة معقدة، امتد تكميلها إلى المشهد السياسي العراقي بأكمله، ما وضع العراق في حالة أزمة غير متوقعة.
ائتلاف الصدر ثنائي القطب وإطار التنسيق
على الرغم من أن موضوع انتخاب رئيس جديد للعراق كان دائمًا قضية كردية داخلية، إلا أنه في الوضع الجديد أصبح نقطة حاسمة في الصراع على السلطة في هذا البلد. أساس القصة هو أنه في الوضع الحالي وبالنظر إلى التوترات القائمة، فإن انتخاب الرئيس سيكون النقطة الأخيرة أو المركز الرئيسي لانتصار أحد قطبي الحكم مقتدى الصدر أو إطار التنسيق الشيعي على الآخر. ائتلاف "الإنقاذ الوطني" الذي يتألف من التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر والحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي بقيادة مسعود بارزاني وائتلاف تقدم بزعامة محمد الحلبوسي وائتلاف عزم بزعامة خميس خنجر. وأثناء انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه أظهروا تحالفهم الشامل وانتخبوا ممثليهم بغض النظر عن إرادة التيارات السياسية الأخرى. والآن يعتزم الائتلاف نفسه بزعامة مقتدى الصدر اختيار مرشح مسعود بارزاني، هوشيار زيباري، رئيسا جديدا للبلاد. تلقائيًا، ستكون النتيجة ترشيح رئيس وزراء مكلف بموافقة مقتدى الصدر وتكرار نتيجة الاقتراع المحددة مسبقًا. لذلك، يمكن اعتبار مسألة انتخاب رئيس - وليس انتخاب رئيس وزراء وتشكيل حكومة - من أهم محاور الصراع بين إطار التنسيق الشيعي ومقتدى الصدر. الواقع أن خطة مقتدى الصدر لتشكيل حكومة أغلبية وطنية، والتي تقوم على معارضة وجود ائتلاف دولة القانون ونوري المالكي في الحكومة الجديدة، تضع العراق على شفا أزمة سياسية كبيرة، وقد يصل موضوع الحكم في العراق الى طريق مسدود بالتزامن مع انتخاب رئيس جديد، وتجدر الإشارة إلى أن عقد جلسة برلمانية بحضور 220 نائباً سيكون صعباً للغاية، رغم أنه قد لا يكون مستحيلاً.
تفسير المحكمة الاتحادية ودخول العراق فترة فراغ قانوني
ما لا شك فيه أن المحرك الأكبر في طريق المنافسة وتعقيدات انتخاب رئيس جديد للعراق يمكن أن يكون التفسير الجديد للمحكمة الفيدرالية للمادة 70 من الدستور. في الآونة الأخيرة، كانت المادة 70 من الدستور العراقي موضع جدل بين التيارات السياسية في البلاد، وتم السعي للحصول على رأي المحكمة الاتحادية العليا. وبحسب هذه المادة من القانون، ينتخب مجلس النواب رئيسه من بين مرشحي الرئاسة بأغلبية ثلثي الأصوات، وإذا لم يحصل أي من المرشحين على الأغلبية المرغوبة من الأصوات، فستكون هناك منافسة بين المرشحين اللذين حصلا على أكبر عدد من الأصوات، وسيصبح المرشح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات رئيسًا. ولكن يبدو الآن أن تفسير المحكمة الفيدرالية العراقية للمادة 70 من الدستور فيما يتعلق بعقد جلسة برلمانية لانتخاب رئيس جديد له، سيعطي القدرة للفصيلين المتنافسين الرئيسيين على تعليق تشكيل الحكومة بسهولة. في الواقع، وفقًا لحكم المحكمة الاتحادية العراقية بشأن تفسير المادة 70 من الدستور الدائم للعراق (2005)، "سينتخب مجلس النواب رئيسًا جديدًا بأغلبية ثلثي الأصوات المدلى بها".
كما أن العدد القانوني للنواب الحاضرين في البرلمان لانتخاب رئيس جديد سيكون على الأقل ثلثي العدد الإجمالي للنواب في البرلمان. يعني هذا التفسير بشكل صريح أنه سيُطلب من 220 على الأقل من أعضاء البرلمان البالغ عددهم 329 عقد جلسة برلمانية لانتخاب رئيس جديد، وهذه نقطة يجب مراعاتها. وهذا التفسير الجديد يعني الآن ضغوطا كبيرة وهزيمة لتحالف "الإنقاذ الوطني" الذي يتألف من التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي وائتلافي تقدم وعزم، لأنهم يدركون بوضوح أنه سيكون من الصعب للغاية جمع 220 ممثلاً للاجتماع لانتخاب رئيس جديد. في الوضع الحالي، يتألف إطار التنسيق الشيعي من 85 إلى 88 ممثلاً، وسيضم الاتحاد الوطني الكردستاني 19 عضوا في حين يضم الحلبوسي وخميس الخنجر نحو 10 أعضاء. إضافة إلى ذلك، غاب عدد من النواب، ما بين 10 و 20 نائبًا، نسبيًا عن جميع الجلسات البرلمانية تحت ذرائع مختلفة. إذا تم جمع هذا العدد من النواب، 220، فيمكن القول بوضوح أن إطار التنسيق الشيعي يمكن أن يأخذ اجتماع انتخاب الرئيس الجديد بسهولة إلى خارج الدائرة القانونية. مثل هذا الوضع سوف يترك العراق مع نوع من الفراغ القانوني الكبير. لأنه من ناحية، فإن وجود ثلثي النواب، أو 220 نائبًا، ضروري، ومن ناحية أخرى، يتمتع كلا الفصيلين المتنافسين بالقدرة على تعطيل الجلسة البرلمانية لانتخاب رئيس جديد. إذا لم يتم انتخاب رئيس جديد، فسيكون من المستحيل عمليا انتخاب رئيس وزراء جديد وتعيين حكومة جديدة، مما يعني دخول العراق في فترة من الجمود السياسي قد يكون لها عواقب وخيمة على البلاد.
في الواقع، بنهاية 8 شباط كموعد نهائي لانتخاب رئيس عراقي جديد، دخل العراق في مرحلة الفراغ القانوني. ووفقًا للمادة 72 من الدستور، يجب أن يتولى الرئيس الحالي برهم صالح منصبه لـ 30 يومًا فقط من الجلسة الأولى للبرلمان الجديد، والآن وبسبب غياب جلسة البرلمان دخل العراق رسمياً فترة فراغ قانوني. ومن أهم آثار هذا الفراغ القانوني استمرار الرئيس والحكومة السابقة في منصبهما دون رقابة برلمانية، لأن البرلمان الجديد لا يستطيع الإشراف على الحكومة السابقة. في الوقت نفسه، سيتم إيقاف قضايا مفصلية مثل اعتماد قوانين جديدة، والموافقة على الميزانية السنوية لتنفيذ برامج الإصلاح على المستوى الوطني. إذا تحقق السيناريو الأخير، يمكن توقع تعليق تشكيل الحكومة لعدة أشهر بأدنى حد.