الوقت_ في ظل الأثر السلبيّ لما تُسمى "جامعة الدول العربيّة" في القضايا العربية وعلى وجه الخصوص الحرب على اليمن، وتحولها بالمال الخليجيّ إلى عراب للتدمير والقتل والتجويع والتطبيع في أكثر من دولة عربيّة مؤسسة لها، لتمرير صفقات التقسيم والتفتيت التي تهدف إلى محو السياسات المخالفة لبعض الانبطاحيين العرب وبالأخص في منطقة الخليج، تقرر عقد دورة استثنائيّة لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين الدائمين برئاسة الكويت اليوم، لمناقشة الضربات التي لقنها المقاومون في اليمن للإمارات مؤخراً، عقب التصعيد الذي قامت به قوات تابعة لأبو ظبي على أكثر من جبهة.
لم تكفِ الإمارات والتحالف العربيّ الذي تُشكل السعوديّة رأس حربته من قتل عشرات الأبرياء من اليمنيين في الأسبوع الماضي وحده، بزعم قصف معاقل ومعسكرات "الحوثيين" في العاصمة اليمنيّة، بل إنّها طلبت في مذكرة رسميّة، الجمعة الفائت، عقد دورة غير عادية على مستوى المندوبين لمناقشة ما وصفتها "الأحداث الإرهابيّة التي تعرضت لها" جراء الرد اليمنيّ على الإجرام الإماراتيّ بقصف منشآت هامة عبر طائرات مسيرة.
وفي الوقت الذي دعت فيه جماعة "أنصار الله" المدنيين والشركات الأجنبيّة للابتعاد عن المنشآت الحيوية في الإمارات التي ربما تكون أهدافاً مستقبلية لهجمات المقاومين في اليمن، وتهديدهم بالمزيد من الغارات الجويّة على الأراضي الإماراتيّة في حال استمرت دول الخليج في عدوانها على اليمنيين، قامت الأمانة العامة للجامعة العربية بتعميم الطلب الإماراتيّ على الدول العربيّة، فيما أيدته دولة الكويت وعدد من الدول العربية الأخرى، رغم فشل الجامعة المشلولة في إيجاد أصغر الحلول لمآسي العرب وويلاتهم بدءاً من اليمن ومروراً بسوريا وليبيا وفلسطين وليس انتهاءاً عند العراق لبنان، وغياب أيّ دور إيجابيّ لها على الساحة العربيّة، واكتفائها بالتنديد والاستنكار والشجب، والوقوف مع مستبدي ومتخلفي الحكام العرب.
والغريب في الأمر أنّ الشارع العربيّ لا يسمع جعجعة "جامعة الدول العربيّة"، إلا عند مناداة العواصم النفطية التي كانت رأس حربة في دمار دول عربيّة عدة، باعتبار أنّ المال الخليجيّ يوقظها من سباتها المعهود كل فترة، دون أيّ نتائج تذكر على الأرض العربيّة التي أصبحت مرتعاً للمؤامرات والتقسيمات والأطماع والحروب، ناهيك عن استمرار مواقف الجامعة بالتراجعٌ تجاه أهم القضايا العربيّة حتى أصبحت مخجلة للغاية، ولا يخفى على أحد أنّ الجامعة العربيّة أعطت بموقفها الرخيص والمُذل، ضوءاً أخضر لبعض العواصم الخليجيّة والإدارة الأمريكيّة والصهاينة، لتمزيق أراضي العرب وقتلهم كُرمى عيون الملوك والأمراء.
ولم تأبه جامعة النفط الخليجيّ من قتل الأبرياء في اليمن بشتى الطرق يوماً، بل فتحت باب الموت والتدمير على مصراعيه في العالم العربيّ بأمر من صغار السياسة العرب، لتصبح باعتراف العرب أنفسهم أداة طيعة في يد بعض الحكومات التي أحثت صراعات ودمار كبيرين على التراب العربيّ، وهل يذكر عربيّ واحد تصريحاً للجامعة يتعلق بجرائم العدوان السعوديّ على الشعب اليمني، والذي دخل عام السابع بكل ما يحمله من حصار وجرائم ومجازر بشعة لم تستثن الأطفال والنساء والشيوخ وكوارث يندى لها جبين الإنسانية وتجاوزات خطيرة للقوانين الدوليّة ما تسبب بأكبر كارثة إنسانيّة بحسب توصيف الأمم المتحدة.
وعلى هذا الأساس، وبمجرد أن رد اليمنيون على أراضي الجلادين وقتلة الأطفال بعد أن ارتفعت قوة الردع اليمنيّة ضد دول العدوان، لمع اسم جامعة الدول العربيّة التي أصبحت عبئاً على العرب ومسؤوليهم في آن واحد، ليحتل اسمها الشاشات الإخباريّة بعد غياب طويل، لتقدم الدعم للعواصم التي أشبعت اليمن قتلاً ودماراً، والتي لم تكف أيضاً عن جرائمها المتزايدة بحق الأبرياء رغم الظروف العصيبة التي يعيشونها نتيجة عدوان ما يسمى التحالف العربيّ بقيادة الرياض، مع تفاقم الكارثة الإنسانيّة الناتجة عنه والتي أصبحت الأسوأ في القرن الحادي والعشرين.
وتستند الإمارات التي قتلت وذبحت اليمنيين على الجامعة العربية التي تحولت إلى وزر كبير على من يرأسها، في ظل الخلافات والأزمات الكثيرة التي يعاني منها الوطن العربيّ في مختلف اتجاهاته، مع تهرب العوام من ترأس دوراتها بعد أن أصبحت "جُثة" بأعينهم، فما الذي ستقوم به الجامعة إلا تأييد تصعيد العدوان على اليمن، لتعطي للإمارات والسعوديّة أدواتهما دعماً فارغاً لممارسة أبشع الجرائم بحق اليمنيّين، عقب مساهمتها في منع وصول السفن المحمّلة بالمواد الغذائيّة والنفطيّة، رغم حصولها على تراخيص من قبل منظمة الأمم المتحدة، لخنق الشعب اليمني والتضييق عليه، ضمن سياسة التجويع والإفقار التي ينتهجها التحالف دون أيّ صوت مُندد أو مساند منها.
ومن الجدير بالذكر، أنّ اليمن من الأعضاء المؤسسين لجامعة الدول العربيّة التي تأسست في 22 مارس/ آذار 1945، تحت مسمى الدفاع عن مصالح الدول العربية وزيادة تضامنها وتعاونها في مختلف المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، بالإضافة إلى التحرر من السيطرة الأجنبيّة وتحقيق الوحدة بين الدول الأعضاء، وليس لتقديم العون للمجرمين الذين شنّوا حرباً ضروساً على اليمن وحولوا حياة شعبه إلى جحيم ومأساة لا تنتهي، حيث تنازلت تلك الجامعة عن أدنى معايير احترام الذات، ما يضيف تأكّيداً آخر بأنّها لم تمثل في يوم من الأيام أحلام الشعب العربيّ ولا تطلعاته.
إضافة إلى ذلك، غيب جامعة الدول العربيّة الأصوات الصادحة بصوت الحق كسوريا واليمن رغم أنّهما من الدول المؤسسة لها، لإفراغ الساحة أمام بعض الدول العميلة التي تتبع أساليب شراء الضمائر، للانخراط في عملية صناعة القرار داخل الجامعة وجعله رهينة بيدها فقط، مستفيدة من أموالها نفطها، ما جرد الجامعة من مكانتها التي أُسست من أجلها لتتحول إلى أداة طيعة لإضفاء الشرعيّة على القرارات الهدامة في المنطقة العربيّة.
خلاصة القول، مهما يكن رد فعل الجامعة العربيّة، فقد غير الرد اليمنيّ على المنشآت النفطية في أبوظبي معادلات الحرب بأكملها ضد التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، ما من شأنه أن يعدل حسابات تلك الدول تجاه جرائمها الشنيعة بحق الأبرياء، حيث تبدو جماعة "أنصار الله" جادة في رسائلها التحذيريّة للإمارات فهي التي أسقطت نظريات ومشاريع محمد بن زايد ومحمد بن سلمان التخريبيّة، خاصة أنّ اليمن يعيش حرباً وحشيّة، وحصاراً خانقاً، وتدميراً ممنهجاً منذ سنوات، ولا يمكن لأيّ لغة في العالم أن توصف المشهد هناك بعد أن كان هذا البلد يوصف بالسعيد يوماً، لكن الآلة العسكريّة لدول العدوان قصفت بنيته التحتية بشكل شبه كامل، واليوم يعول الجميع على شجاعة ومقاومة اليمنيين التي تستند إلى أخلاقهم الإنسانيّة والعربيّة والإسلاميّة في كل الميادين، والدليل هو الضربات الأخيرة التي أثارت جام غضب المسؤولين الإماراتيين وأرعبت جدران "برج خليفة".