الوقت - انعقد المؤتمر المتخصص لجبهة المقاومة وجيران الجمهورية الإسلامية، الذي استضافه معهد أبحاث علوم وتعاليم الدفاع المقدس، في 5 كانون الثاني في جامعة الدفاع الوطني.
وفي بداية اللقاء، رحب الدكتور سعد الله زارعي رئيس معهد جبهة المقاومة للبحوث بالمشارکين، ووصف الاجتماع بأنه اجتماع تمهيدي للمؤتمر الوطني الأول لإيران وجيرانها.
أبعاد قوة الدول الإسلامية في عالم المستقبل
في هذا اللقاء، شرح اللواء رحيم صفوي، مستشار المرشد الأعلى للشؤون العسكرية ومدير معهد أبحاث علوم الدفاع المقدس، مفهوم المقاومة في كلمة بعنوان "الجغرافيا السياسية للمقاومة وسياسة الجوار"، وتحدث عن أبعاد القوة وتأثير محور المقاومة على المستوى الدولي.
وصرح اللواء صفوي في بداية حديثه: "إن العلاقات الإقليمية والدولية وسياسة الجوار، هي قضايا أساسية وتخضع لعمليات جيوسياسية كلية. وما ساد في الدوائر السياسية والعلمية في العالم في التاريخ المعاصر خلال المائتي عام الماضية في مجال الفكر والعمل الاستراتيجي، هو القراءة والسرد الجيوسياسي والاستراتيجي الغربي عن العالم ومناطقه. يجب علينا إنشاء خطة وتصميم جديدين والاعتماد على "نظريتنا الجيوسياسية المحلية والإسلامية". يجب ألا نكرر كلماتهم بعد الآن. بدلاً من ذلك، يجب أن نتحدث نحن وهم يجب أن يستمعوا!".
وأضاف المستشار الأعلى للمرشد الأعلى: "إن الإطار النظري والفكر الجيوسياسي والاستراتيجي الذي أقدمه مستمد من فكر وتجربة الثورة الإسلامية. في القرن الحالي (القرن الخامس عشر الهجري)، ظهر قطب جديد للقوة، يُدعى "قطب قوة العالم الإسلامي". سيتم تشكيل قطب القوة هذا على أنه "بنية جيوسياسية وجيوستراتيجية وجيواقتصادية وجيوثقافية"، للتنافس ومقاومة قوى الغرب والشرق. وطبيعة هذه القوة ثقافية وحضارية واقتصادية وديموغرافية".
تعريف الجغرافيا السياسية للمقاومة
كما عرّف الدکتور صفوي الجغرافيا السياسية للمقاومة على النحو التالي:
تغيير البنية والعمليات الإنسانية والثقافية(الدينية) والاقتصادية والعسكرية للأمة الإسلامية، لنيل الحرية والاستقلال وتشكيل قوة العالم الإسلامي، لمنافسة القوى المهيمنة في الغرب والشرق على مختلف المستويات(الوطنية والإقليمية والعالمية).
وحسب اللواء صفوي، فإن راية الجيوسياسية الجديدة تحملها أيدي قوى الثورة الإسلامية وحركات الصحوة الإسلامية وجبهة المقاومة بقيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
أبعاد قوة الدول الإسلامية
كما أوضح رئيس معهد أبحاث الدفاع الوطني أبعاد قوة العالم الإسلامي في المستقبل وفق المعايير الجيوسياسية کما يلي:
في عام 2018، اتبع المسيحية 2.2 مليار شخص(المركز الأول: 31٪) والإسلام 1.6 مليار شخص(المركز الثاني: 23٪). أيضًا، بالنظر إلی معدل النمو السريع فوق المتوسط العالمي، فإن حجم البلدان التي يزيد عدد المسلمين فيها على 50٪ من السكان، يغطي أكثر من 22٪ من مساحة اليابسة في العالم. كما أن أهم المناطق الجيوستراتيجية والجيواقتصادية في العالم مثل مضيق هرمز وباب المندب وملقا وجبل طارق والسويس وغيرها، تقع في المناطق الإسلامية. وبالإضافة إلى هذا القطب بلا منازع في الجغرافيا السياسية، تمتلك الدول الإسلامية في مجال الطاقة في العالم، 75٪ من موارد النفط و 57٪ من موارد الغاز.
وأضاف الدكتور صفوي: "الأمر الأساسي الآخر هو المفهوم الجيوسياسي للمقاومة في روايتها الإسلامية. لكن مفهوم "الجغرافيا السياسية للمقاومة" له خلفية نظرية وعلمية في الدوائر الغربية. ومع ذلك، تم إعادة تعريف هذا المفهوم بعد الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1978، في مواجهة القوى المهيمنة في الغرب والشرق. لدرجة أننا إذا فصلنا عنه المفاهيم الثورية والشيعية؛ فلن يكون معروفاً في أي مكان في العالم. كذلك، فإن المقاومة كمحور هي: حشد الموارد والسلطة والقوة والتحالف والوحدة، أو تنسيق مواقف الدول أو الجماعات أو المجتمعات الإسلامية، ضد نظام الهيمنة وسلطاته الرئيسية، وخاصةً بعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية على المستوى الإقليمي، مع التركيز على قضية فلسطين ومقاومة عدوان واحتلال وتوسع الكيان الصهيوني. إلا أن وجود حكومات فاسدة وقمعية في الدول الإسلامية، والتي تعتبر عملاء لنظام الهيمنة، جعل النضال ضد هذه الحكومات أحد أهداف محور المقاومة".
كما ذكر اللواء الصفوي: "بإحياء الإسلام السياسي وإعادة تعريف هوية المسلمين بعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، في دول المنطقة وتأثيراتها السياسية والأيديولوجية والجيوسياسية على هيكل القوة والأمن الإقليمي، حدثت تطورات وتغيرات جديدة في التفاعلات الجيوسياسية والجيواستراتيجية لغرب آسيا. وقد تم التأكيد على هذه القضية من قبل العديد من المسؤولين في الدول الإقليمية وعبر الإقليمية، باعتبارها التكوين الجيوسياسي للمقاومة في غرب آسيا، وأصبحت الخطاب السائد على المستوى الاجتماعي لدول المنطقة. ومع ذلك، فإنه يواجه العديد من العقبات على مستوى الحكم في المنطقة".
إنشاء وتوسيع محور المقاومة
وحسب الدكتور صفوي، فإن سر إنشاء وتوسيع محور المقاومة هو: "الطريق إلى القدس يمر بكربلاء". إن ما يُعرف اليوم بمحور المقاومة نابع من تجربة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لما يقرب من نصف قرن، منذ إنشائها وحتى اليوم، فيما يتعلق بالنظام الدولي وقضايا غرب آسيا. فعلى الرغم من أن المقاومة بمعناها العابر للإسلام(المضطهدون غير المسلمين) قد انتشرت إلى أمريكا اللاتينية اليوم، إلا أن كتلةً جديدةً تتشكل الآن، تجمع بين مفهوم النظام متعدد الأقطاب ومواجهة الهيمنة الأمريكية، وهو ما لا يزال يشكل تحديات خطيرة للترتيبات الدولية السابقة، مثل احتكار حق النقض والعضوية في مجلس الأمن، شرعية العقوبات كأداة في السياسة الخارجية، احتكار العلم والتكنولوجيا مثل احتكار المعرفة النووية السلمية، وهيمنة الدولار كعملة دولية وغيرها".
وقال اللواء صفوي أيضاً: "بالنظر إلى دور إيران في تقديم مفهوم المقاومة وإضفاء الطابع المؤسسي عليه، لذلك فقد تم شرح هذا الموضوع وعرضه مع التركيز على النهج الإيراني. مع انتهاء حرب الثماني سنوات، تم النظر في توسيع العلاقات مع الدول والمجتمعات الواقعة على الحدود الشرقية لإيران إلى البحر المتوسط مع التركيز على مواجهة الکيان الصهيوني. وكانت الحاجة إلى تعزيز الأعضاء وإيجاد حلفاء في هذا المجال، على أجندة الجهاز الدبلوماسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية والمؤسسات الثورية. وعليه، أصبح شيعة جنوب لبنان محط الأنظار والاهتمام. وهکذا، فإن تعزيز المساعدات العسكرية والتكنولوجية والمالية والتدريب والتجنيد، قد أدخل فاعلاً ناشطاً اسمه "حزب الله اللبناني" في جبهة المواجهة مع الكيان الصهيوني غير الشرعي في محور المقاومة".
وتابع اللواء صفوي: "كما تم تطبيق هذه التجربة على المجموعات الفلسطينية أيضًا. وتدريجيًا، حققت فصائل المقاومة الفلسطينية، بالتدريب اللازم حتى الآن، ردعًا نسبيًا في مواجهة الكيان الصهيوني. ومع سقوط صدام ووصول الحكومة الشيعية إلى السلطة في العراق، أضيف لاعب رسمي آخر إلى هذا المحور أو الكتلة إلى جانب إيران وسوريا. كانت سوريا على خط المواجهة ضد الكيان الصهيوني منذ نشأتها. لكن بعد تعزيز علاقاتها مع إيران خلال الحرب المفروضة وزيادة مستوى العلاقات بين البلدين بعد الحرب، تبنت تدريجياً مقاربةً تنسيقيةً في شكل كتلة جديدة مع الأعضاء الآخرين. تتجه هذه الكتلة أو المحور اليوم مع ولادة حركة أنصار الله في اليمن، لتشهد عضوًا رسميًا آخر بين أعضائها. والقوة الدافعة لمحور المقاومة ووكيلها العملياتي هو فيلق القدس، الذي يعدّ أحد عوامل تحقيق السياسة المقتدرة للجمهورية الإسلامية في المنطقة، والذي قال عنه المرشد الأعلى(مد ظله العالي) في خطاب متلفز للشعب الإيراني في 2 مايو 2021: "فيلق القدس هو العامل الأكبر في تجنب الدبلوماسية السلبية".
وحسب الدکتور صفوي، فإن "فيلق القدس هو العامل الأكبر في تجنب الدبلوماسية السلبية في منطقة غرب آسيا. لأن فيلق القدس في منطقة غرب آسيا حقق السياسة المستقلة للجمهورية الإسلامية والسياسة المشرفة للجمهورية الإسلامية ...". في الواقع، ما أثار غضب الولايات المتحدة من جمهورية إيران الإسلامية، هو عملية توليد القوة في السياسة الإقليمية لإيران. وهي القوة التي نشأت في الطبقة الأولى في غرب آسيا، مع القيادة الحكيمة والشجاعة للقائد العظيم للثورة الإسلامية والقيادة الميدانية لفيلق القدس بقيادة اللواء الحاج قاسم سليماني. وبالتوازي مع تبلور المقاومة كترتيب أو نظام جديد يتمحور حول جمهورية إيران الإسلامية في غرب آسيا، على أساس مواجهة الهيمنة الأمريكية، عززت دول أمريكا اللاتينية، بما في ذلك فنزويلا وكوبا وبيرو، علاقاتها مع محور المقاومة".
واختتم اللواء صفوي کلمته قائلاً: "في العقود الأربعة الماضية، قدَّم فيلق القدس نموذجًا جديدًا للمبادرة العسكرية، بدوره الاستراتيجي في انسحاب الجيش الأحمر من أفغانستان(1979-1989)، ثم الهروب الفاضح للجيش الأمريكي وحلفائه من أفغانستان المضطهدة، بعد عشرين عاماً من الاحتلال وقتل ونهب للشعب الأفغاني وموارده، ثم الإدارة الميدانية على مدى العقد الماضي للحرب ضد تحالف داعش الإرهابي في سوريا والعراق، الذي أنشأته أجهزة المخابرات الأمريكية والکيان الصهيوني والدعم الاقتصادي لبعض الدول العربية(السعودية)؛ وهي مبادرة لم تنه هيمنة داعش فحسب، بل شجعت أيضًا المنافس التقليدي للولايات المتحدة، أي روسيا، على تشكيل تحالف وتکتل جديدين علی المستوی العالمي، وأوجدت توازنًا جديدًا في هندسة القوى في غرب آسيا".