الوقت- بات عام 2021 في وجهة نظر الجزائريين عام التغيير الناعم لما تبقى من واجهة نظام بوتفليقة السابق عبر تجديد المجالس المنتخبة ومعها قوانين اللعبة السياسية.
هذا التغيير الكلي انطلقت شرارته في عام 2020 ولكنها شهدت تعثرات كبيرة بسبب جائحة كورونا، ولكن الجزائر في عام 2021 شهدت ما يعرف بـ"شوط التغيير السياسي" ومعه تفكيك ما يعرف بـ"ألغام النظام السابق".
هذه الألغام هي ألغام سياسية بالمجمل وتتضمن برلماناً ومجالس محلية، ليتبقى الشوط الثاني والمتمثل في "التغيير الاقتصادي" الذي سيكون عنوان المرحلة المقبلة اعتباراً من 2022، كما وعد رئيس البلاد عبدالمجيد تبون.
ولم يتوقف اجتثاث إرث النظام السابق في 2021 عند قلاعه وخارطته السياسية، بل رحل رئيسه عبد العزيز بوتفليقة بعد صراع طويل مع المرض، تاركاً وراءه تساؤلات أقربها لـ "الألغاز المعقدة" عن مرحلة دقيقة ومفصلية في تاريخ الجزائر، كما يرى كثير من المراقبين.
من هو قائد التغيير في الجزائر؟
عبد المجيد تبون سياسي جزائري يبلغ من العمر 74 عاماً ولد في مدينة المشرية بالجنوب الغربي للجزائر. درس الاقتصاد والمال وتخرج من المدرسة الوطنية للإدارة عام 1965.
شغل تبون عدة مناصب وزارية في عدة حكومات مختلفة بالجزائر بدأت بتقلده عام 1996 منصب وزير السكن والعمران. ثم ابتعد قرابة عشر سنوات عن السياسة ليتم بعدها تعيينه وزيراً أولا للحكومة في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عام 2017 خلفاً لعبد المالك سلال، قبل أن يقال بعد فترة وجيزة.
وكان تبون قد أعلن عند توليه رئاسة الحكومة آنذاك عن تبنيه توجها يقضي بفصل المال عن السياسة، ما أثار مشكلات مع رجال أعمال مقربين من بوتفليقة.
كذلك تولى تبون عدة مناصب على مستوى الجماعات المحلية بين عامي 1978 و1992، ثم عمل والٍ للمحافظات، وتم تعيينه وزيراً منتدبا بالجماعات المحلية بين عامي 1991 و1992.
تولى تبون حقيبة السكن والعمران عام 1999، ثم حقيبة الاتصال عام 2000، ثم وزيرا للإسكان والعمران للمرة الثانية بين عامي 2001 و2002، ثم عاد وزيراً للسكن والمدينة بين عامي 2013 و2014، ليتولى رئاسة الحكومة لمدة شهرين فقط منذ يونيو حتى أغسطس 2017، خلال عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لتسجل لأنها أقصر حكومة في التاريخ السياسي الجزائري.
كما تولى تبون عدة حقائب وزارية من أهمها الثقافة والجماعات المحلية والتجارة والسكن، حيث ارتبط اسمه بحقيبة السكن، والتي هى الأهم بالنسبة إلى لشعب الجزائري، حيث أداره لأكثر من سبع سنوات في مختلف الحكومات.
التغيير السياسي في الجزائر
كان العام 2021 عام الانتخابات البارزة في الجزائر، حيث كان أولها الانتخابات التشريعية في 12 يونيو/حزيران، ثم أعقبتها بعد 5 أشهر انتخابات تجديد المجالس المحلية في 27 نوفمبر/تشرين الثاني.
ولم تُجر تلك الانتخابات إلا بعد ثورة كبيرة في مجال الانتخابات والتي تتمثل في تغيير القانون المنظم لها والموروث عن عهد النظام السابق الذي أنهى قواعد اللعبة القديمة بـ"حذف أوراق" المحاصصة السرية وتدخل المال الفاسد في السياسة وشراء الذمم والقوائم الانتخابية.
وبعد حل البرلمان للمرة الثانية في تاريخ البلاد، جرت انتخابات نيابية مبكرة أفرزت خارطة سياسية جديدة مليئة بالمفاجآت وإن أبقت الأحزاب الداعمة للنظام السابق في المشهد الجديد، مع بروز متغيرات "ثقيلة" بالمعادلة السياسية أبرزها "المستقلون" الذين باتوا "القوة السياسية الثانية" بالبلاد، وهي نتيجة تاريخية لم تحدث من قبل.
التغيير الاقتصادي في الجزائر
تزامن عام 2021 مع طفرة في صادرات الجزائر غير النفطية التي حققت رقماً تاريخياً ببلوغها 4 مليارات دولار خلال 10 أشهر، بحسب ما صرح به رئيس الوزراء أيمن بن عبد الرحمن، مطلع نوفمبر الماضي.
الاقتصاد الجزائري عانى لعشرات السنوات من تبعية مفرطة لإيرادات النفط والغاز، إذ تمثل نحو 93 بالمئة من دخل البلاد من النقد الأجنبي، وفق بيانات رسمية.
كما شهدت الصادرات وبحسب وزارة التجارة، منتجات من خارج قطاع المحروقات وهي: الحديد والصلب، والإسمنت، والأسمدة والمخصبات الزراعية، ومنتجات زراعية (خضر وفواكه) ومواد غذائية.
ومنتصف ديسمبر/ كانون الأول الجاري، صرح رئيس الوزراء، وزير المالية أيمن بن عبد الرحمن، أن بلاده حققت فائضا في الميزان التجاري بلغ 1.04 مليار دولار بنهاية نوفمبر الماضي.
وبحسب أرقام البنك المركزي، حققت الجزائر آخر فائض في الميزان التجاري عام 2014، بقيمة 0.59 مليار دولار فقط، بعد انهيار أسعار النفط، مقابل 9.73 مليار دولار في 2013، واعتبر ذلك أضعف فائض تجاري منذ 1998.
ولفت بن عبد الرحمن، إلى أن فائض التجارة الخارجية تحقق أيضاً بفعل التحكم في الواردات وترشيد النفقات.
وسبق للرئيس تبون، أن تعهد عقب انتخابه بإطلاق خطة إنعاش اقتصادي، ومن ورائها صادرات غير نفطية ما بين 4.5 إلى 5 مليارات دولار في 2021.
الجزائر كانت قد أنهت عام 2020، محققةً عجزاً في الميزان التجاري (الفرق بين قيمة الصادرات والواردات) بـ 10.6 مليارات دولار ، وفي 2019 بلغ العجز التجاري 6.11 مليار دولار.
في هذا السياق، يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة الجزائر أحمد سواهلية، أن ولاية الرئيس تبون، تعتبر اقتصادية بامتياز، وذلك بسبب الظرف الذي تولى فيه الحكم، وتأثر الاقتصاد بالارتباط المفرط بقطاع المحروقات (نفط وغاز)، إضافة لتبعات جائحة كورونا.
وأوضح الخبير الاقتصادي سواهلية، أن الإصلاحات الاقتصادية التي تحظى بالأولوية هي التشريعات والتنظيمات التي وجب تبسيطها.
وتابع هذا الأمر كان قد حدث بالفعل من خلال إلغاء قانون 51/49 للشراكة مع الأجانب، مباشرة بعد تولي الرئيس تبون مقاليد الحكم.
وشدد سواهلية، على أن إصلاحات تبون، وجب أن تبعد تسيير القطاع الاقتصادي عبر قرارات إدارية.
وأشار إلى أن تبون، أعلن عن إجراءات لإعادة الثقة للمسيرين العموميين (مدراء المؤسسات الحكومية)، ورجال المال والأعمال (وعد برفع التجريم عن فعل التسيير، ما عدا ملفات الفساد، ووقف العمل بالرسائل المجهولة).
وعلق سواهلية، بالقول “قانون الاستثمار لم يفرج عنه بعد، والتشريعات والتنظيمات غير مستقرة، ويجب أن تستقر لجلب الاستثمارات الأجنبية”.
كما يبقى قطاع البنوك والمصارف والضرائب أحد أهم ورشات الإصلاحات، حسب سواهلية، وخصوصا البنوك الحكومية.
وعلق بالقول “البنوك وخصوصاً العمومية بقيت مجرد دكاكين لإيداع وسحب الأموال، وتفتقر لهندسة وصناعة مالية وقروض استثمارية.. كما أنها لم تستطع استقطاب الكتل المالية المتداولة في السوق الموازية”.
وأضاف “حتى قطاع الضرائب، ورغم ورشات الإصلاح، التي فتحت إلا أنها ما زالت تسير وفق إدارة ثقيلة”.
ومن إصلاحات تبون الاقتصادية، يؤكد سواهلية، على ضرورة مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، مثلما أعلن عنه مؤخراً رئيس البلاد.
ولفت إلى أن اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي أنهك الاقتصاد الجزائري في ظل عدم وجود تنافسية، وغياب مبدأ “رابح-رابح”.
ومن أولويات تبون الاقتصادية، يشير سواهلية، إلى أن الترويج أكثر لتسويق المنتجات المحلية في الدول الإفريقية.
وأضاف أن السلطات بدأت في العمل على هذا الملف، خصوصاً بعد توقيع الجزائر على قرار الانضمام إلى منطقة التبادل الحر للقارة الإفريقية.
وقال، “القطاع الزراعي ما زال متخلفاً، ولا يساهم بالشكل المأمول في التصدير، في ظل نقص صناعات تحويلية مرافقة له”.
وتابع إن القطاع الزراعي يمكن أن يسهم في زيادة الصادرات غير النفطية، والتي حققت رقماً لافتاً هذا العام، لكنه يبقى بعيداً عن القدرات الحقيقية التي يمكن أن تصل إلى 40 مليار دولار.
وفي سياق آخر، لفت سواهلية، إلى أن الرئيس تبون، يحاول الخروج من النظرة القائلة أن الجزائر تعاني تبعية لفرنسا.
وبيّن بأن هناك مساعي “لربط شراكات ثنائية وجماعية مع عدة دول، وفك الارتباط مع شركات فرنسية كانت تسير قطاعات اقتصادية”.
إذاً تبون يعمل بكل جد من أجل أن يكون الجزائر مستقلاً بقراره السياسي وكذلك مستقلاً اقتصادياً وباعتباره رجلاً اقتصادياً قبل أن يكون سياسياً فهو يسير بخطوات ثابتة من أجل إحداث تغيير اقتصادي وتحول كبير في الاقتصاد الجزائري وهذا ما يعول عليه الجزائريين.