الوقت- على مدى عقود بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، سعت الولايات المتحدة إلى ترسيخ نفسها كقائدة للعالم الرأسمالي، أو بعبارة أخرى، العالم النيوليبرالي.
ومن خلال بناء الاستقطاب الرمزي، رسخت واشنطن نفسها دائمًا كقائدة لجبهة الخير والحرية والديمقراطية والرعاية الاجتماعية.
وفي هذا السياق، يسعى السياسيون والمعاهد البحثية الأمريكية، بمساعدة وسائل الإعلام والسينما في هوليوود، إلى تقديم صورة إيجابية وإنسانية للثقافة الأمريكية في العالم، وبناءً عليه فإن القرب من هذا البلد سيمهد الطريق للاستقرار والازدهار والأمن، وسيؤدي الغياب في الجبهة العالمية الرأسمالية والليبرالية إلى أنظمة مغلقة واقتصادات تعاني من الأزمات.
في غضون ذلك، فإن النقطة التي يجب الانتباه إليها هي أن الأمريكيين لا يتحدثون أبدًا عن دورهم المدمر في خلق المجاعة والأزمات في أجزاء أخرى من العالم، بينما كانت واشنطن على مدار العقود الماضية السبب الرئيسي للأزمة والتفكك الاقتصادي في مختلف البلدان، ولإثبات هذا الادعاء يمكن الإشارة إلی دور الولايات المتحدة في انتشار المجاعة والأزمات في اليمن وأفغانستان وكوريا الشمالية.
المجاعة والأزمة الإنسانية في أفغانستان والدور المباشر للولايات المتحدة
في الأشهر القليلة الماضية بعد سيطرة طالبان على كابول، في 15 أغسطس 2021، أصبحت قضية تدهور الأوضاع الاقتصادية والمجاعة في هذا البلد قضيةً مهمةً للمراقبين السياسيين.
ونتيجةً لسياسة الولايات المتحدة تجاه أفغانستان، فإن الوضع هو بحيث أن منظمة الأمم المتحدة للطفولة(اليونيسف) تحذر الآن من أن 14 مليون طفل أفغاني معرضون لخطر المجاعة، وقد يموت مليون منهم جوعاً.
كما أنه من النتائج الأخرى للوجود الأمريكي في أفغانستان، زيادة الميل إلى زراعة المخدرات، وهو الأمر الذي أثار مخاوف دولية. في غضون ذلك، يجب الإشارة إلى السبب الرئيسي لهذا الوضع وهو الدور المباشر للولايات المتحدة في الوضع الحالي المؤلم في أفغانستان، ويجب اعتبار واشنطن على أنها السبب الرئيسي للوضع المعقد في هذا البلد.
في الواقع، لم يؤد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان في عام 2001 إلى نظام بيروقراطي مستقر فحسب، بل شهدنا أيضًا التشرذم والفساد والفوضى في مختلف المستويات الإدارية في هذا البلد.
وفي ظل الوضع الجديد الذي سيطرت فيه طالبان على كابول، تواصل واشنطن لعب دور مدمر في إضعاف الحكومة الأفغانية وهيكلها البيروقراطي. وفي هذا الصدد، يمكن القول إن الاتفاقات خلف الكواليس بين زلماي خليل زاد وباكستان وشبكة حقاني جعلت من المستحيل تشكيل حكومة شاملة بعد الإطاحة بحكومة أشرف غني والنظام السياسي والبيروقراطية والجيش المنهار بالکامل.
وفي مثل هذه الحالة، يبدو من الضروري أن يعمل الحكام الأفغان لسنوات عديدة لتأسيس بيروقراطية منهجية.
والعامل الآخر الذي أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والمجاعة في أفغانستان، هو تجميد الأصول الأجنبية للبلاد بعد سيطرة طالبان على كابول. وفي الوضع الحالي، يواجه النظام المالي في أفغانستان انخفاضًا في قيمة العملة الوطنية، فضلاً عن نضوب احتياطيات البنوك.
ومن أجل الحفاظ على قيمة العملة الأفغانية، حظرت طالبان التعامل بالعملات الأجنبية. ووفقًا لصندوق النقد الدولي، فإن احتياطيات الدولارات للبنوك الأفغانية آخذة في الانخفاض، وإذا فشلت إدارة طالبان في إدخال "النقد" إلى السوق، فقد تضطر بنوك البلاد إلى إغلاق أبوابها.
ولا شك في أن سياق الأزمة المالية والنقدية في أفغانستان في ظل الوضع الجديد، يمكن أن يعزى إلى المسؤولية الرئيسية لسياسات الولايات المتحدة.
المجاعة في اليمن والدور الأمريكي الخفي
على الرغم من ادعاء الولايات المتحدة لعقود من الزمن أنها لعبت دورًا ضئيلًا في التطورات السياسية في اليمن، إلا أن سياساتها الكلية في منطقة غرب آسيا والخليج الفارسي كانت السبب الأكثر أهميةً للمجاعة والبؤس للمواطنين اليمنيين.
ويشار في هذا الصدد إلى أنه بعد اندلاع الأزمة الداخلية في اليمن، أوقفت الولايات المتحدة الأمريكية حزمة مساعداتها البالغة مليار دولار لهذا البلد.
کذلك، بعد ظهور وصعود "حركة أنصار الله" في المناطق الشمالية وسيطرتهم على صنعاء، شن التحالف العربي بقيادة السعودية، منذ مارس 2015، وبدعم كامل ومباشر من الولايات المتحدة، ضربات عسكرية واسعة النطاق وعقوبات وحالات حصار ضد مدن شمالية مختلفة.
هذا التحالف الذي تقوده السعودية، وبدعم سياسي وعسكري كامل من الولايات المتحدة، شن حربًا طويلة الأمد ضد الشعب اليمني، كانت نتيجتها الرئيسية تهجير 3 ملايين مواطن يمني، والمجاعة، وحدوث الأزمة الإنسانية في هذا البلد.
كما تسببت الأزمة الناجمة عن الغزو السعودي لليمن، وفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة، في حاجة حوالي 80٪ من اليمنيين إلى المساعدة، ومعاناة 400 ألف طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد.
حتى أن الوضع في هذا البلد يتدهور لدرجة أن الأمم المتحدة تصف الوضع في اليمن بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وكان برنامج الغذاء العالمي قد أعلن أن الوضع في اليمن كارثي، وأن 16 مليون شخص في أزمة.
وفي السنوات التي تلت عام 2015، كان الدعم السياسي والعسكري والقانوني الأمريكي للسعوديين عاملاً رئيسياً في استمرار الحصار اللاإنساني وتدمير البنية التحتية الاقتصادية اليمنية الحيوية، عبر الضربات الجوية.
واستمر هذا الدعم حتى في عهد جو بايدن الذي انتقد الحرب اليمنية خلال حملته الانتخابية؛ كما أن تورط الولايات المتحدة في الضربات الجوية الأخيرة للتحالف على مواقع الحكومة اليمنية في محافظة مأرب، أعطى الرياض حافزًا لمواصلة الحرب وقتل المدنيين.
بشكل عام، الموقف الأمريكي من التطورات في اليمن في السنوات التي تلت عام 2015، دفع المسؤولين اليمنيين للتأكيد مرارًا وتكرارًا على الطبيعة الأمريكية لهذه الحرب، وتحميل هذه الدولة المسؤولية عن جرائم السعودية والإمارات في اليمن.
على سبيل المثال، بحسب العميد "شرف غالب لقمان" المتحدث باسم الجيش اليمني: "الولايات المتحدة مسؤولة عن كل الجرائم التي ارتكبت في اليمن وانتهاك سيادتها، وإعلان البنتاغون أن الجيش الأمريكي يدعم المعتدين ويشارك في قتل الشعب اليمني، يثبت کلام المسؤولين اليمنيين أن العدوان أميركي".
العقوبات الأمريكية وحدوث المجاعة في كوريا الشمالية
بالإضافة إلى أفغانستان واليمن، تسببت السياسات الأمريكية القسرية في شكل عقوبات وضغوط على دولة مستقلة في النظام الدولي، أي کوريا الشمالية، في حدوث مجاعة وأزمة في هذا البلد.
حيث، كان للعقوبات القاسية التي فرضتها واشنطن على بيونغ يانغ، بحجة مواجهة برنامجها النووي، عواقب وخيمة على مواطني هذا البلد الواقع في شرق آسيا. ووفقًا لتقارير مختلفة، نتيجةً للضغوط والعقوبات الأمريكية، يحتاج حوالي نصف الكوريين الشماليين إلى مساعدات إنسانية.
حتى بعد تفشي وباء كورونا على مستوى العالم، استمرت السياسات الأمريكية في إحداث مزيد من التصعيد والعزلة لهذا البلد. بحيث أنه في العامين الماضيين، أصبح حصول الناس على الغذاء مصدر قلق خطير، وعدد كبير من الأطفال وكبار السن معرضون لخطر المجاعة.
حتى تحت ضغط واشنطن، لم تتمكن المنظمات الإنسانية من توصيل الأدوية والمواد الأساسية الأخرى إلى شعب كوريا الشمالية، واستبعدت الأمم المتحدة كوريا الشمالية من خطتها للمساعدات الإنسانية العالمية لعام 2022.