الوقت - أعلن وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، الجمعة، استقالته من الحكومة اللبنانية حيث قال إنه تخلّى عن منصبه الوزاري لأنّ لبنان أهمّ منه ولا يقبل أن يُستخدم كسببٍ لأذية اللبنانيين في دول الخليج الفارسي.
وأوضح في مؤتمر صحافي عقده في الوزارة أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أبلغه بأن الرئيس الفرنسي ماكرون ذاهب إلى السعودية وفهم منه أن باريس ترغب في استقالته قبل زيارة رئيسها للمملكة.
وأكد أنه قرّر التخلّي عن موقعه، متمنيًا للحكومة النجاح وافضل العلاقات بين لبنان ومحيطه العربي وخاصة الخليج الفارسي.
وفي تصريح، فور إعلانه تقديم استقالته من منصبه كوزير للإعلام في لبنان، أكد قرداحي من خلاله أنه مرتاح لخطوة تقديم استقالته، وبات الآن حرا ومتحررا من أي ضغوطات.
وبشأن تلك الضغوطات، أوضح وزير الإعلام اللبناني المستقيل، أنها كانت متعددة، سواء كانت نفسية أو حتى ضغوط من طالبوه بتقديم استقالة، فضلا عن ضغوط من طالبوه بعدم الاستقالة من منصبه.
وذكر جورج قرداحي أنه أقدم على خطوة تقديم استقالته من منصبه كوزير للإعلام في بلاده، بعد تفكير عميق ومشاورات مع كل حلفائه وأصدقائه، ووجد أن الوقت بات مناسبا لمثل هذه الخطوة، خاصة مع اقتراب زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، القادمة إلى السعودية.
وذكر أن الرئيس الفرنسي عرض على القيادة في لبنان التوسط مع السلطات السعودية، بهدف إعادة استئناف علاقات المملكة مع لبنان، مشيرا إلى أن مبادرة ماكرون طيبة، ومن واجب لبنان المساعدة ودعم جهوده، وهو ما دفعه إلى اتخاذ قرار الاستقالة استباقا لزيارته.
واندلعت الأزمة بسبب تصريحات أدلى بها قرداحي قبل توليه مهام منصبه وزيرا للإعلام، اعتبر فيها أن حركة أنصار الله “تدافع عن نفسها في وجه اعتداء خارجي على اليمن منذ سنوات”، وهو ما فجّر غضبا خليجيا انتهى بمقاطعة لبنان دبلوماسيا واقتصاديا، وهو ما زاد الضغط على بلد تعتصره الأزمات.
وأكد قرداحي أنه لم يقصد في كلامه عن حرب اليمن الإساءة لأحد، لافتا إلى أن “حرب اليمن لن تستمر إلى الأبد وسيأتي يوم يجلس فيه المتحاربون على الطاولة للتحاور”.
أحدثت الاستقالة بعدما باتت رسمية إثر قبولها من الرئاسية اللبنانية، انقسامًا حادًا لدى الشارع اللبناني، بين من يراها رضوخًا للضغوط السعودية التي تمارسها على البلاد منذ بداية الأزمة، وآخرين اعتبروها استجابةً للتدخلات الفرنسية وتماشيًا مع الطلب المقدم للإسراع بتلك الخطوة تزامنًا مع جولة ماكرون الخليجية.
ويعتبر البعض الاستقالة في هذا الوقت استجابةً للضغوط الفرنسية، في محاولة لمنح ماكرون ورقة ضغط جيدة تثقل زيارته الخليجية وتعيده للشرق الأوسط بعد تراجع كبير خلال الآونة الماضية، فهي بمثابة "هدية على طبق من ذهب" تمنح للرئيس الفرنسي لتحقيق زيارته أكبر قدر من الأهداف المحددة لها سلفًا، سواء على المستوى الاقتصادي أم السياسي.
واتفق سياسيون ومحللون لبنانيون على ارتباط استقالة وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي بزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المرتقبة غدا إلى السعودية ولقائه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
حيث اعتبر المحلل السياسي سمير الحسن أن تصريحات قرداحي “ليست أساس المشكلة مع السعودية”. وقال “قرداحي لم يمانع الاستقالة لكن كان يبحث عن تحقيق فائدة من ورائها” لافتا إلى “عدم احتضان” الرياض للحكومة اللبنانية الجديدة بشكل عام. وأوضح أن ما جرى “أبعد من تصريح الوزير قرداحي”.
وأشار إلى أن قرداحي كان ذريعة لإظهار موقف سلبي من السعودية تجاه لبنان، معتبرا أن طلب رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي من قرداحي الاستقالة “كان لإسقاط هذه الذريعة” وحتى يمتلك ماكرون ورقة للتباحث مع السعودية.
وكان قرداحي ربط استقالته طيلة أكثر من شهر بـ"ضمانات" تنهي التوتر بين بيروت والرياض، لكن تلك الضمانات لم يتلقاها لبنان، كما أعلن الرجل سابقاً.
وبدل "الضمانات"، وجد قرداحي - وفق المراقبين - ضغوطاً فرنسية تدفعه نحو الاستقالة، وذلك استباقاً لزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى السعودية.
من جهته يقول المحلل السياسي فيصل عبد الساتر، أن استقالة قرداحي "جاءت بطلب من الفرنسيين وليس استجابة لبعض المطالب الداخلية".
وأضاف عبد الساتر ، أن "السؤال اليوم هو: هل استقالة قرداحي ستوقف التصعيد السعودي تجاه لبنان أم أنها ستستمر كما كانت قبل الاستقالة؟".
ورأى أن "الأيام المقبلة ستكشف من كان على حق ومن لا"، في إشارة إلى أن قرداحي كان يصر على أن الإجراءات السعودية تجاه لبنان أبعد من موقف قرداحي من حرب اليمن.
ويرى البعض ان الاستقالة جاءت لأجل إعلاء مصالح الوطن، وهو ما أشار إليه قرداحي في تصريحاته التي قال فيها: "لا أقبل أن استخدم كسبب لأذية اللبنانيين وأن يقع الظلم على أهلي اللبنانيين في الخليج، مصلحة بلدي وأحبائي فوق مصلحتي الشخصية"، وهو الرأي الذي ذهبت إليه مؤسستي الرئاسة والحكومة اللبنانيتين.
ويقول متابعون إن الاستقالة، لا شك، ستشكّل إرباكاً للسعودية لجهة التعامل معها؛ إذا قبلت الرياض الهدية وتراجعت عن إجراءات التصعيد، فسيظهر بأن حجم ردة فعلها على تصريح وزير لا يتناسب وحجمها كدولة. أمّا في حال رفضت المبادرة اللبنانية تجاهها، فيتأكد حينها بأن للمملكة أجندة للانتقام من لبنان، وسيحرِج ذلك أصحاب حملة التهويل على وزير الإعلام والذين سعوا طوال الفترة الماضية إلى تحميله المسؤولية استقالة قرداحي تريح فرنجية محلياً وخارجياً وانتخابياً.