الوقت- لاشك بأن الشرق الاوسط شكل الهدف الاستراتيجي الاول للجهاز الدبلوماسي الايراني خلال العقود الاخيرة وسبب ذلك هو التوتر القائم بين ايران وامريكا والحرب الخفية مع الكيان الاسرائيلي وقد سعت ايران الى بسط نفوذها في هذه المنطقة من اجل خلق حالة رادعة امام اعدائها.
وتبذل ايران مساعيها لتوسيع دائرة نشاطاتها في المنطقة من اجل كسب اصدقاء جدد وايجاد مواقع لحماية اهدافها الاستراتيجية كما تلتزم ايران بنظرة مبدئية مبنية على القيم الاسلامية وتنظر بهذا المنظار الى الازمات الجارية في المنطقة بالاضافة الى سعيها لتحسين علاقاتها الاقتصادية مع جيرانها وخاصة تركيا، وقد سجلت ايران نجاحات في تحقيق اهدافها واصبحت طرفا استراتيجيا في المنطقة، ورغم التطورات الجارية في المنطقة والضغوط الكبيرة الناجمة عن العقوبات الاقتصادية استطاعت ايران تكييف نفسها مع الفوضى السائدة في المنطقة.
المحللون يعتقدون ان المسؤولين الايرانيين قد قاموا باداء ممتاز في ادارة الملف النووي الايراني وكذلك في التطورات الجديدة في الشرق الاوسط وخاصة في الملف السوري ولم يتمكن اعداء ايران من اضعاف موقعها في المنطقة بل نرى بان طهران قد سجلت اداء ناجحا في الملف السوري.
ان العلاقات بين اطراف الازمة السورية قد شهدت تقلبات عدة منذ بدء هذه الازمة في عام 2011 وقد تشكلت جبهة من السعودية وقطر وتركيا والاردن وهم الذين كانوا يدعمون الجماعات المسلحة ضد الحكومة السورية وقام هؤلاء بدعم تنظيم داعش الإرهابي منذ بداية ظهوره، وفي المقابل هناك من دعم الحكومة السورية مثل روسيا وايران وحزب الله وعندما اصطف المحوران في مواجهة بعضهما البعض كانت التساؤلات تدور حول مدى نجاح ايران في تطبيق استراتيجيتها لكن الان وبعد مضي 4 سنوات من الأزمة نرى بأن السياسة الايرانية المتبعة تجاه ازمات الشرق الاوسط وخاصة الازمة السورية كانت ناجحة.
وتلعب سوريا دورا حيويا في اتصال ايران الاستراتيجي بمنطقة البحر الابيض المتوسط والشرق الادنى ولذلك نرى ان ايران وخلافا للدول العربية تتعامل مع الازمة السورية بنظرة مختلفة وحسب المصالح الاستراتيجية وهذا يعني ان ايران لم تنسَ التعامل بحذر مع التطورات على الساحة السورية التي كانت امريكا والسعودية والكيان الاسرائيلي يصبون الزيت على النار فيها، كما دعمت ايران المطالب الاصلاحية في سوريا في اطار الحكم القائم الان من دون ان يؤدي ذلك الى اضعاف السلطة والامن القومي السوري في مواجهة الکيان الاسرائيلي وهذا يزيد من شرعية الرئيس الاسد ويحافظ على العلاقات القوية الموجودة بين البلدين.
واضافة الى هذا كله يجب القول ان دمشق كانت حليفة ايران الاستراتيجية طوال الحرب العراقية الايرانية كما دعمت سوريا وايران المقاومة الاسلامية في لبنان وتشاركتا في المواجهة مع الكيان الاسرائيلي وقد تبلور محور المقاومة والممانعة في المنطقة بمشاركة ايران وسوريا وحزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية واصبح هذا المحور الركيزة الاساسية للسياسة الخارجية الايرانية.
ان السياسة الايرانية في دعم حكم الرئيس بشار الاسد سجلت نجاحا مع دخول روسيا الى الازمة السورية وقد اصبح الجيش السوري في موقف الهجوم امام الجماعات المسلحة ومنها تنظيم داعش الإرهابي وهكذا فشلت سياسات تركيا وامريكا والسعودية وقطر الذين كانوا يريدون انهاء حكم الرئيس الاسد، وفي المقابل ادركت الدول الغربية وامريكا ان سياساتها في دعم الجماعات المسلحة المعارضة ضد الحكومة المركزية في سوريا لم تكن خاطئة فحسب بل كانت تؤدي الى سيطرة داعش على كل الاراضي السورية في المستقبل.
وهكذا يمكن القول ان السياسات الاستراتيجية الايرانية حيال الازمة السورية ادت الى زيادة القوة الاستراتيجية الايرانية في المنطقة في مقابل اضعاف مواقف منافسي ايران الاقليميين أي تركيا وقطر.