الوقت - قدم سيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس الليبي الراحل، أمس الأحد، ملف ترشحه في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في 24 ديسمبر/ كانون الأول، بحضوره إلى مقر مفوضية الانتخابات في مدينة سبها جنوبي البلاد.
وكانت مصادر ليبية مقربة من سيف الإسلام القذافي، أكدت في وقت سابق، أنه أعد الأوراق المطلوبة للترشح للانتخابات.
وأشارت إلى أنه سيحسم قرار ترشحه لرئاسة ليبيا بعد انقضاء مؤتمر باريس الذي اختتم أعماله أول أمس الجمعة، وهو ما حدث بإعلانه الترشح.
وبحسب سجل أسماء الناخبين الليبيين، فإن سيف الإسلام القذافي سجل بياناته في وقت سابق، كخطوة أساسية للترشح.
وورد اسم سيف الإسلام معمر القذافي، في الصفحة رقم 16 من كشوفات الناخبين بمدرسة الجمهورية للتعليم الأساسي، ورقم المركز الانتخابي 21021 بمدينة سبها حي الجديد جنوبي البلاد، حيث يتركز مؤيدوه.
ويشترط للترشح سواء للانتخابات الرئاسية أو النيابية الليبية المقبلة، أن يكون المرشح قد سجل بياناته في سجل الناخبين.
وحول كون تقديم طلبات الترشح للرئاسة بالحضور الشخصي، يرى المصدر أن اختيار مدينة سبها للتقدم بطلب الترشح هو الحل الأقرب لأن المدينة يتركز بها مؤيدوه وأبناء قبيلة القذاذفة.
وكان عماد السايح رئيس المفوضية العليا للانتخابات الليبية أكد في تصريحات سابقة، أنه لا يوجد ما يمنع قانونا من ترشح سيف الإسلام القذافي للانتخابات الرئاسية، إن استوفى بقية الشروط، مشيرًا إلى أن كونه مطلوبا للجنائية الدولية، يعد أمرًا لا يتعارض مع القانون الذي ينص على أن لا يكون المترشح محكومًا نهائيا من القضاء الليبي.
وظل سيف الإسلام القذافي مختفيا عن الأنظار لأربع سنوات ثم ظهر في حوار مع صحيفة "نيويورك تايمز" ، وألمح إلى العودة للحياة السياسية، وإلى وجود تقاربات وتحالفات مع أطراف ليبية أخرى خلال الفترة المقبلة.
واختفى سيف الإسلام القذافي عام 2017، بعد أن أطلقت سراحه المجموعات المسلحة في مدينة الزنتان التي ألقت القبض عليه نوفمبر 2011.
ورغم صدور حكم بالإعدام على سيف الإسلام عام 2015 بعد محاكمة سريعة، إلا أن المجموعة المسلحة رفضت تسليمه للسلطات أو للمحكمة الجنائية الدولية التي تبحث عنه بتهمة ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية"، كما قضت المحكمة العليا في ليبيا بإسقاط حكم الإعدام الصادر ضد سيف الإسلام نجل الزعيم الراحل معمر القذافي مارس 2021.
وطلب وكيل النيابة بمكتب المدعي العام العسكري في ليبيا من المفوضية العليا للانتخابات إيقاف أي إجراءات تخص ترشح كل من سيف الإسلام القذافي، وأيضا قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، الذي لم يعلن ترشحه بعد، في الانتخابات الليبية، وذلك لاتهامهما بارتكاب جرائم حرب.
وحمل مكتب المدعي العام العسكري، في رسالته التي تحمل تاريخ 11 نوفمبر وتم الكشف عنها اليوم، المسؤولية لرئيس مجلس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح في حال مخالفة هذا الطلب.
كما طلب المدعي العام التابع للقيادة العامة شرق ليبيا بدوره من المفوضية إيقاق إجراءات ترشح سيف الإسلام القذافي.
وعلق عمر إحرشان، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، على تقديم سيف الإسلام القذافي رسميا، أمس الأحد، أوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية في ليبيا.
ووصف احرشان إلى أن تقدم نجل القذافي بأوراق ترشحه للانتخابات الليبية بـ “الإصرار الغريب على استفزاز الشعوب”.
وأضاف الأستاذ في العلوم السياسية، إلى أن “ابن القدافي يصر على الترشح وبلباس والده الذي كان يحتقر به الشعب أو بلباس ظاهره الانتصار لطابع قبلي”.
وأشار احرشان إلى أن “هناك حرص شديد في جل دول الربيع العربي على إعادة الزمن إلى ما قبل 2011 وأن يدفع الشعب ثمنا باهظا لأنه قام بنصف ثورة”.
ويقول المحلل السياسي الليبي إبراهيم الفيتوري: "بالتأكيد ترشح سيف الإسلام سيبعثر ويربك كثير من الملفات، والملف الخارجي قد يواجه المعضلة الكبرى، حيث سيعيد قائمة التحالفات الدولية".
واعتبر أن فوز نجل القذافي سيفتح مجالا لروسيا والصين للتدخل بقوة، وتحقيق الحلم الروسي بامتلاك موانئ دافئة على البحر المتوسط، خاصة أن ليبيا ذات موقع استراتيجي جيد يخدم الأفكار الروسية والطموح الصيني في العمق الإفريقي.
تبدو حظوظ سيف الإسلام في الوصول إلى السلطة لا يستهان بها، بعدما نجح في إعادة صياغة علاقته بالقبائل الليبية في الجنوب والشرق، كما استعادت قبيلته "القذاذفة"، وهي أكبر القبائل الليبية وأكثرها تسليحا، نفوذها على المنطقة الجنوبية كافة، واستعاد أبناؤها الوظائف الحكومية التي فقدوها عقب سقوط القذافي.
وفي أعقاب حرب طرابلس، انشقت قبيلة القذاذفة عن قوات حفتر، وشكلت جزءا مهما من سردية هزائمه، وهي أزمة كبيرة يواجهها حفتر، لا سيما أن قاعدة أنصاره في الشرق هم أنصار النظام السابق. وإلى جانب "القذاذفة"، يتمتع نجل القذافي بدعم قبيلة "البراعصة" التي تنحدر منها والدته في شرق ليبيا أيضا، والتي توسطت سابقا في مساعي إطلاق سراحه وتأمين تحركاته وإجراء اتصالاته مع القبائل الأخرى.
وبخلاف الدعم الذي يتلقاه سيف الإسلام في الداخل، يحظى القذافي بدعم محتمل من قوى دولية وإقليمية في مقدمتها روسيا وإيطاليا وفرنسا ومصر. فقد بذلت دائرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أكبر الخاسرين من سقوط القذافي، تحركات علنية لإعادة نجله مجددا إلى الحياة السياسية.
وظهر اتساع دائرة نفوذ سيف الإسلام في الوفد الذي أرسله عام 2018 لبحث تسوية سياسية للخروج من الأزمة، والذي روجت له روسيا عبر استضافة الوفد على شاشات قناة "روسيا اليوم" باعتبارهم يمثلون نجل القذافي، أحد أطراف المصالحة الليبية. وإلى جانب روسيا، فاجأت إيطاليا الجميع بتصريحها بأنها لا تُمانع وصول نجل القذافي إلى رئاسة ليبيا عبر الانتخابات، في وقت كشفت فيه تقارير عن تواصل المخابرات المصرية مع سيف الإسلام.
لا يعرف بعدُ إلى أي مدى سينجح سيف الإسلام في العودة إلى المشهد أمام الاتفاق النادر لبرلمان الشرق وحكومة الغرب على رفضه، وإلى أي درجة يمكن لدعم مصري وإيطالي وقبول غربي أن يقلب الموازين في ليبيا. بيد أن قطاعات من الشعب الليبي ليست بالقليلة تبدو في طريقها للانحياز إلى وجه قديم بدلا من الوجوه الجديدة التي أخفقت شرقا وغربا في تلبية مطالب ثورتها، حتى ولو كان ذلك الوجه ابنا لرئيس أطاحت به قبل عقد كامل وقطعت أصابعه ومرَّغت أنفه في التراب. بل لعله لذلك السبب دون غيره يجعل بعض الناس مستعدين لقبول عودته، إذ إنه ذاق بالفعل ما يمكن أن يفعله الليبيون حين يغضبون، فلن يسعه بسهولة أن يرفع إصبعه مهددا إياهم من جديد.