الوقت_ منذ تولي ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان الحكم في السعودية، تضاعف عدد الصحفيين المعتقلين في البلاد ثلاثة أضعاف، وفقاً لأوساط حقوقيّة أشارت إلى أنّ الكثير من الصحفيين المعتقلين في السعودية تعرضوا للتعذيب النفسيّ أو الجسديّ، أو للاحتجاز المستمر في العزل الانفراديّ، في أسلوب يجسد طبيعة النظام الحاكم في مملكة آل سعود ويعكس حجم ظلمه واستبداده، وما أظهر مجدداً بن سلمان على صورته الحقيقيّة، قيام السلطات السعودية بالحكم على الصحفي اليمنيّ، علي أبو لحوم بالسجن 15 عاماً، حيث جعل ابن سلمان السعودية تتفوق على كامل جيرانها في القمع والحكم الاستبداديّ، ناهيك عن حظر التنظيمات السياسيّة والحريات العامة.
اتهامات باطلة
بتهمة "الردة و الترويج للفكر الالحاديّ والإساءة للذات الإلهية"، حكمت السلطات السعودية بالسجن على الصحفي اليمني المقيم في المملكة لسنوات طويلة، وقد تم سجن الصحفي اليمنيّ قبل شهرين أي قبل إصدار الحكم ضده بمزاعم "الإلحاد"، تحذر أوساط حقوقيّة أن السلطات السعوديّة تمارس ضد الصحفيين التعذيب الجسدي والإهمال الصحي ومنع الاتصالات أو مراقبتها، كحال بقية معتقلي الرأي في سجونها، حيث إنّ المصير الوحيد لمن يُعبر عن آرائه هو إقامة دائمة خلف القضبان، لمجرد ممارسة حقهم المشروع في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، ما يجعلهم يخسرون سنوات طويلة من حياتهم لمجرد انتقادات أو دعوات إلى التغيير والإصلاح في بلد لا تعرف من الحرية حتى اسمها.
في الوقت الذي استنكر ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعيّ الحكم السعوديّ الظالم، وطالبوا بالإفراج عن أبو لحوم الذي سبق أن عمل في إحدى المؤسسات الإعلاميّة التجاريّة بمنطقة "نجران" جنوب غرب السعودية، وقبلها كان يعمل مديراً تنفيذياً لقناة الوادي السعودية، اعتبر محللون أنّ الأمر طبيعيّ للغاية في ما أسموها "مملكة الطغاة" حيث يحاكم النشطاء والإعلاميون في السعوديّة عادة بمحاكمات معيبة، وتزجهم السلطات داخل السجون لفترات طويلة، بتهم غامضة تتعلق بالممارسة السلميّة لحرية التعبير، وقد أظهرت الرياض من خلال اعتقال دعاة السلميّة والمطالبين بالحد الأدنى من حقوقهم أنّه لا نية لها بالسماح لأفضل وألمع المواطنين السعوديين بالتعبير عن آرائهم ذات التوجهات الإصلاحيّة، أو التوجه ببلادهم نحو التسامح والتقدم، فيما يخدم الملك سلمان وابنه ولي العهد هذا الاعتداء المستمر على حرية التعبير، حيث تتزايد أعداد النشطاء السلميين والكتّاب المعتقلين، في الوقت الذي تحتاجهم البلاد بشدة للسير نحو التقدم والتطور، فكيف إذا كانت الشخص أجنبيّاً وبالأخص إعلاميّاً ويقطن هناك.
وفي هذا الخصوص، أثارت محاكمة الصحفيّ اليمنيّ المقيم في المملكة منذ العام 2015 قلق المنظمات الحقوقيّة، لأن السجناء يحرمون حتى من حق توكيل محامين ويتعرضون لعقد محاكمات سريّة فضلاً عن الحبس الانفراديّ والاحتجاز دون توجيه تهم أو محاكمة وتشديد العقوبات، وإنّ مستبدي الرياض انتهجوا سياسة "إرهاب الدولة" ضد مواطنيهم والمقيمين في البلاد وبالأخص من الإعلاميين والمفكرين والحقوقيين والنشطاء السياسيين في الداخل، وكذلك ضد شعوب المنطقة ولقد استفحل هذا النهج بشكل كبير منذ تولي محمد بن سلمان زمام السلطة في البلاد وقيامه بتطبيق نظامه الأمنيّ الجديد، ويشير مصطلح إرهاب الدولة إلى أعمال الإرهاب التي تقوم بها الدولة ضد شعبها أو أهداف أجنبيّة، كما يمكن الإشارة بذلك إلى وصف انتشار أعمال العنف من جانب دولة ضد شعبها.
وتتحدث تقارير إعلاميّة أنّ السبب الحقيقيّ لاعتقال أبو لحوم هو وشاية من قبل رجال أعمال سعوديين، اختلف معهم لأسباب مجهولة، ومن ثم نسبوا له تهمة "الإلحاد والاساءة للذات الإلهيّة"، وقد تراجع ترتيب مملكة آل سعود في حرية الصحافة على مستوى العالم (بحسب مراسلون بلا حدود الدولية)، واحتلت المرتبة 170 من أصل 180 دولة في تراجع غير مسبوق في مؤشر حرية الصحافة، وبالأخص بعد أن شهد العالم أبشع جريمة قتل للصحفي جمال خاشقجي داخل قنصليّة بلاده، إضافة لجريمة تسميم الصحفي صالح الشيحي، داخل المعتقل ليفارق الحياة بعدها.
رقم قياسيّ
لم يكن القرار السعوديّ بحق الصحفيّ اليمنيّ مستغرباً، خاصة أنّ السلطات السعوديّة تنفذ حملات قمعيّة وإلكترونية ضخمة للنيل من المعارضين على أرض الواقع وعلى وسائل التواصل الاجتماعيّ مستخدمة في ذلك جيوش من "الذباب الإلكترونيّ" أو الحسابات الوهميّة المسيسة، وبالإضافة إلى الرقابة المكثفة على مستخدمي الشبكة العنكبوتيّة ومحاولات الاختراق التي لا تتوقف هذا إلى جانب قرارات حجب المواقع الالكترونيّة التابعة لجهات وهيئات تتخذ موقفاً معارضاً من النظام السعودي وتنتقد انتهاكاته المتزايدة ضد حقوق الإنسان.
وقبل مدّة، اعتقلت السلطات السعوديّة 31 صحفيّاً سعوديّاً في سجونها وضمت الصحفيين التالية أسمائهم: فاضل المناسف، رائف بدوي، جاسم الصفار، وجدي الغزاوي، وليد أبو الخير، طراد العمري، نذير الماجد، مساعد بن حمد الكثيري، علي العمري، فهد السنيدي، عادي باناعمة، خالد الألكمي، وليد الهويريني، سامي الثبيتي، أحمد الصويان، مالك الأحمد، جميل فارسي، محمد سعود البشير، تركي الجاسر، مروان المريسي، نسيمة السادة، وكذلك سلطان الجميري، زهير كتبي، عبد الرحمن فرحانه، يزيد الفيفي، محمد الصادق، نايف الهنداس، بدر الإبراهيم، ثمار المرزوقي، عبد الله الدحيلان، مها الرفيدي القحطاني.
وقبل أيام، اتهمت المنظمة الأوروبيّة السعودية لحقوق الإنسان، النظام السعوديّ بالاستمرار في سياسة التهديد والقمع بحق الصحفيين بالفصل أو السجن أو حتى القتل، وأشارت إلى أنّ السلطات السعودية سجلت أرقاماً قياسية على مستوى العالم باعتقال 31 صحفيّاً في السجون، وقالت المنظمة الحقوقية الدوليّة أن النظام السعوديّ يستمر في التعتيم على الأخبار ومنع الأفراد والصحفيين من الوصول إلى المعلومات وهو ما يعد عائقا أساسيا أمامهم لإجراء مهامهم في نقل المعلومات وصناعة الرأي العام، مؤكّدة أنّ التعتيم وانعدام الشفافيّة في تعامل الرياض، يضاف إلى الانتهاكات المباشرة ضد الصحفيين والمدونين، في ظل غياب المسائلة حول ما يتعرض له الصحفيون وتعميم سياسة الإفلات من العقاب.
ويعاني الصحفيون المعتقلون في مملكة آل سعود، من سوء المعاملة في الزنازين، مع تعنت حكوميّ يمنع عمل أيّ وسيلة إعلاميّة لا تتبع بشكل مباشر له في الداخل، وتفرض قيوداً صارمة على المواقع الإلكترونيّة، حيث جعلت السلطات السعوديّة هذا الوضع المُستبد أمراً واقعاً، ولجأت إلى قوانين وأحكام فضفاضة ومعقدة الصياغة، خاصة في قوانين العقوبات والإجراءات الجنائيّة وجرائم الإنترنت وغيرها من القوانين لاحتجاز الأفراد بشكل تعسفيّ ومحاكمتهم ومعاقبتهم، وساوت بين الأنشطة السياسية السلميّة والتهديدات لأمن الدولة، وفرضت قيوداً شديدة على التجمعات العامة والمظاهرات، وحظرت وحلّت المنظمات غير الحكوميّة المستقلة وحبست مؤسسيها، وجماعات المعارضة السياسيّة.
لهذا، لم تترك المنظمات الدوليّة المعنية بحقوق الإنسان كلمة تنديد واحدة إلا واستخدمتها في التعبير عن غضبها من النهج السعوديّ الاستبداديّ، دون أيّ تحرك إصلاحيّ حقيقيّ من قبل حكام آل سعود لاحترام الحقوق والحريات الأساسيّة للمواطنين السعوديين والصحفيين داخل البلاد، ورغم المطالبات المتكررة بضرورة الإفراج الفوريّ عن جميع سجناء الكلمة والرأي المحتجزين حاليّاً وإسقاط جميع التهم الموجهة إليهم ورفع الشروط التقييديّة وحظر السفر المفروض على المفرج عنهم بشروط، لم تستجب الرياض أبداً، بعد صعّدت من حملاتها القمعيّة والإخضاعيّة.
وما ينبغي ذكره، أنّه لا يوجد أيّ قانون يحمي المواطنين السعوديين أو العمالة أو أصحاب المهن التي تتطلب حرية رأيّ وتعبير كالصحافة في السعودية، فيما تُغيّب الإحصائيّات الرسميّة حولَ عدد السجناء السياسيين في سجون المملكة، في ظل إنكار وزارة الداخليّة السعودية وجود أيّ سجينٍ من هذا النوع، وتشير تقارير حقوقيّة إلى وجود عشرات الآلاف من السجناء السياسيين في السعودية، وتضيف أنّ السجناء السياسيين عادةً ما يتم احتجازهم بشكل تعسفيّ دون تهمة أو محاكمة، وتصفُ السجن السياسيّ في المملكة بالـ "وباء" بحيثُ يشمل الإصلاحيين، ونشطاء حقوق الإنسان، والإعلاميين والمحامين، والناشطين في الأحزاب السياسيّة، وعلماء الدين، والمدونين، والمحتجين الفرديين، فضلًا عن مؤيدي الحكومة القُدَامى الذين عبَّروا عن انتقادات بسيطة وجزئيّة لإحدى السياسات الحكوميّة.
أيضاً، إنّ أسلوب "القبضة الحديديّة" الذي يتبعه محمد بن سلمان زاد من سيل الغضب الشعبيّ المتصاعد في البلاد، وإنّ الأخير لو كان بإمكانه سجن أو إبادة جميع النقاد والإعلاميين والنشطاء السلميين في الداخل والخارج لفعل لكن الظروف لا تساعده للوصول في إجرامه لهذا الحد، رغم أنّ معظم النشطاء السلميين في السعودية هم إما في المنفى أو مكمّمي الأفواه داخل وطنهم أي "جمر تحت الرماد"، ومن غير المستغرب أن تستمر السلطات السعودية في نهجها المعادي لحرية الصحافة والصحفيين الأجانب إذا كانت في الأساس تعادي شعبها ومواطنيها.
بناء على كل ما ذُكر، لا تخاف السعودية وحكامها من شيء أكثر من حرية الرأي والتعبير، لأنّها تدرك جيداً حجم تأثير الحقيقة في البلاد ومستقبل العائلة الجاثمة على قلوب السعوديين، وهذا ما يدفعها للتعامل بإجرام غير مسبوق مع الإعلاميين وقضيّة التعبير عن الرأي وإظهار أيّ نقد أو معارضة سلمية، وهذا ما كرسه ولي العهد السعوديّ من خلال البطش والقمع الممنهج الذي وصل حد اعتبار أي تعبير عن الرأيّ يمس النظام العام، وجريمة قصوى تستوجب أشد العقاب، بتهم أصبحت مكشوفة بالنسبة للجميع.