الوقت- بينما تأثر المشهد السياسي التركي في الأيام الأخيرة بتوترات غير مسبوقة مع القوى الغربية بعد رسالة مشتركة من السفراء الغربيين ضد أوضاع حقوق الإنسان في تركيا وبيان المفوضية الأوروبية بتعليق محادثات انضمام أنقرة، تم التغاضي عن نبأ اعتقال جهاز المخابرات الأمنية التركي (MIT) لعصابة تجسس تابعة للنظام الصهيوني مكونة من 15 فردًا. وبحسب صحيفة "ديلي صباح"، فإن أعضاء الجماعة يتجسسون على الطلاب الأجانب الذين يدرسون في تركيا. وذكر نفس المصدر الإخباري أن جميع المعتقلين من أعضاء هذه المجموعة من العرب. يقال إن MIT كان يراقب أنشطة أعضاء المجموعة لمدة عام.
لماذا لم يول الإعلام المقرب من الحكومة التركية بشكل عام سوى القليل من الاهتمام لهذه القضية المهمة؟ هذا سؤال يمكن اعتباره السبب الرئيسي لفضح فشل سياسة الانفراج والتوجه نحو الغرب، لأن العمل الحاسم في إعادة بناء العلاقات مع الكيان الصهيوني كان جزءًا من هذه السياسة.
فشل استراتيجية أردوغان لخفض التصعيد
كان تعامل أردوغان مع الدول الغربية حادًا للغاية في العقدين الماضيين. في السنوات التي أعقبت عام 2005، عندما عزز حزب العدالة والتنمية تدريجياً قوته في تركيا، تأثر أردوغان بأفكار واستراتيجيات رئيس الوزراء التركي السابق ووزير الخارجية أحمد داود أوغلو، الذي كان مستشار السياسة الخارجية لرئيس الوزراء آنذاك (أردوغان). واعتبر أنه اتخذ مقاربة بناءة تجاه أوروبا والولايات المتحدة، بل إنه وضع سياسة حل القضايا الكردية والإسلامية على جدول الأعمال في محاولة لكسب القبول كعضو في الاتحاد الأوروبي.
لكن في السنوات التي أعقبت عام 2011، عندما اجتاحت موجة من الثورات الشعبية غرب آسيا وشمال إفريقيا، اندلعت الخلافات الاستراتيجية بين تركيا والغرب تدريجيًا، وفي عام 2016، بعد الانقلاب الفاشل في 15 يوليو 2016، توترت علاقات أنقرة بالولايات المتحدة، وتدهورت مع أوروبا، وكانت تصبح أكثر قتامة. في ظل هذه الظروف، وضع أردوغان، في تحول كبير في موقفه، تدريجياً استراتيجية القرب من الشرق على جدول الأعمال. في هذا الصدد، شهدنا تقاربًا متزايدًا لتركيا مع روسيا والصين. أدى نفس النهج إلى تصعيد التوترات بين أنقرة والغرب بحلول عام 2020، حتى أن تركيا تواجه توترات كبيرة مع الحلفاء العرب الغربيين مثل الإمارات والسعودية.
ومع ذلك، في العام الماضي، ونتيجة للأزمة الاقتصادية المتصاعدة الناجمة عن وباء كورونا وافتقار أنقرة للإرادة الحقيقية للانضمام إلى الكتلة الشرقية، رأينا أردوغان يعيد التكيف من التطلع إلى الشرق إلى محاولة الاقتراب من الغرب، وتهدئة التوترات مع العرب، ووضع التقارب مع الكيان الصهيوني على جدول الأعمال. في ظل هذه الظروف، كان اعتقال 15 من جواسيس الموساد مؤخرًا في تركيا يظهر بوضوح أن أنقرة وأردوغان قد فشلا عمليًا في استراتيجية الانفراج.
التهديد الصهيوني لأمن تركيا القومي ومعارضة محور الإخوان
من الواضح أن اعتقال 15 جاسوسًا إسرائيليًا من قبل جهاز الأمن التركي كان يمثل تهديدًا كبيرًا لأمن تركيا القومي. بادئ ذي بدء، من المهم الإشارة إلى أن التجسس الصهيوني في تركيا يثبت أن هذا الكيان، مثل الورم السرطاني في المنطقة، يسبب الفوضى والأزمات والفتنة، ويثبت ادعاء إيران المستمر بأن وجود إسرائيل لا يؤدي إلا إلى زعزعة الاستقرار والتوتر في علاقات الجوار.
ثانيًا، يعكس استخدام العناصر العربية تكتيكات الموساد للتأثير على أمن تركيا من خلال الرعايا الأجانب. والأهم من ذلك أن الكيان الصهيوني ربما استخدم العديد من الطلاب الأجانب لإخلاء المعلومات الأمنية والسرية في تركيا، حتى يتمكن من نقل الكثير من المعلومات والبيانات السرية إلى الخارج، بالإضافة إلى السيطرة على الأوساط الأكاديمية.
ثالثًا، كان تجسس الكيان الصهيوني على تركيا مصدرًا للمعلومات للدول الغربية والعربية المناهضة للإخوان المسلمين في المنطقة. لابد أن جواسيس الكيان قد كلفوا بإرسال المعلومات وخلق توترات داخل تركيا. في الواقع، فإن استخدام الموساد للعملاء العرب تم بالتأكيد بدعم مالي واستخباراتي من الدول العربية ضد جماعة الإخوان، بقيادة المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، بهدف نهائي يتمثل في تقويض الأمن القومي والاقتصادي والاجتماعي للبلد.