الوقت- بينما تجاوز كل دولار أمريكي حدود 9 ليرات و 20 قرش في تركيا، يتحدث الرئيس رجب طيب أردوغان مرةً أخرى عن الحرب. وبعد صلاة الجمعة، رداً على أسئلة من الصحفيين، كرر أن صبره على تحركات حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا قد نفد.
يعتقد الخبراء السياسيون والأمنيون أن كلام أردوغان إشارة إلی الهجوم والحرب، ونقلت رويترز عن اثنين من مسؤولي الدفاع والأمن في تركيا قولهما، إن نشر العديد من الكوماندوز ونقل العديد من ناقلات الأفراد والمعدات العسكرية إلى الحدود السورية، علامة على خطورة تهديدات أردوغان.
کما قال أردوغان يوم الجمعة الماضي، إن "تركيا ستقاتل بطريقة مختلفة في شمال سوريا، وسنتخذ الاجراءات اللازمة لحل هذه المشاكل بأسرع ما يمكن".
تشير الدلائل إلى أن الرئيس التركي يسعى للتفاوض مع الولايات المتحدة وروسيا والحصول على تنازلات، لعدم دعم المسلحين الأكراد المقربين من حزب العمال الكردستاني.
لقد انتقدت تركيا الولايات المتحدة مرارًا، بحجة أن دعم واشنطن للمسلحين الأكراد في شمال سوريا هو مثال على دعم الإرهاب والتعاون مع أعداء الولايات المتحدة.
لكن المشكلة تكمن في أنه في جغرافيا شرق الفرات في شمال سوريا، لا تواجه تركيا مشكلةً مع الولايات المتحدة فحسب، بل تشكو أيضًا من مواقف روسيا.
لأن حزب الاتحاد الديمقراطي لأكراد سوريا، المعروف بأهم منظمة سياسية تابعة لحزب العمال الكردستاني في شمال سوريا، له مكتب في موسكو، وسافر قادته إلى روسيا في عدة مناسبات رسمية، واجتمعوا مع وزير الخارجية لافروف ومستشار بوتين بوغدانوف.
حزب العدالة والتنمية بحثاً عن بطولات
في كثير من الحالات التي قاتلت فيها تركيا خارج حدودها في السنوات القليلة الماضية، تساءلت وسائل الإعلام التركية: هل للقضايا الداخلية أي دور في القضية؟
الجواب نعم. لأن حزب العدالة والتنمية، وبالتالي حكومة أردوغان، ليسوا في موقف مواتٍ الآن، ويتسع نطاق الانتقادات ضدهم يومًا بعد يوم لعدم الكفاءة السياسية والاقتصادية والتنفيذية.
وفي مثل هذه الظروف، بالإضافة إلى تلبية مطالب المؤيدين وإسكات المعارضين، تزداد أهمية الاستجابة لتوصيات الشريك القومي للحزب الحاكم.
في السنوات القليلة الماضية، تصاعدت عواطف وأفكار اليمين المتطرف مرةً أخرى في تركيا. والسبب في ذلك هو تحالف حزب العدالة والتنمية مع التيار القومي اليميني المتطرف في تركيا، أي حزب الحركة القومية.
زعيم هذا الحزب، دولت بهجلي، دافع دائماً عن خطاب حاجة تركيا إلى دعم إخوانها الأتراك، وفي الوقت نفسه فهو من أشد المؤيدين للعمليات الخارجية واستخدام القوة الصلبة والقوة العسكرية.
ويعتقد بهجلي أن الولايات المتحدة تؤسس حكومةً كرديةً تابعةً لحزب العمال الكردستاني في شمال سوريا، وأن على تركيا أن تفعل كل ما في وسعها لإحباط هذه الخطة. والآن، بالإضافة إلى هذه القضية، برزت قضية داخلية أخرى، وهي الحاجة إلى إبراز دور بطل قومي.
يعتقد بعض المحللين السياسيين الأتراك أن تراجع شعبية أردوغان وحزب العدالة والتنمية وصل إلى نقطة سيخسر فيها أردوغان الانتخابات المقبلة، ولا سبيل لزيادة أصواته والاحتفاظ بالسلطة.
فما هو الحل؟ الحل هو أن يدخل أردوغان التاريخ بطريقة مشرفة، وألا يتم تسجيل اسمه كرئيس خسر أمام مرشح تحالف المعارضين الواسع. بل يلعب دور المخضرم الذي لم يتم ترشيحه من قبل حزبه، ويرسل شخصًا آخر إلى الميدان.
من هو هذا الشخص؟ إنه وزير الدفاع التركي الجنرال خلوصي أكار. الرجل الذي كان رئيس أركان القوات المسلحة التركية ليلة 15 يوليو 2016، أثناء الانقلاب الفاشل لأنصار فتح الله غولن، وعلى الرغم من تهديده بالقتل، رفض الذهاب أمام الكاميرات ودعم مدبري الانقلاب.
ونتيجةً لذلك، احتل خلوصي أكار مكانةً خاصةً في الدائرة الأولى لأنصار أردوغان، ويقال إنه يحتاج إلى شرف جديد من أجل أن يكون له حضور أقوى في الانتخابات المقبلة.
شرفٌ يمكن تحقيقه في ساحة المعركة مع المؤسسات التابعة لحزب العمال الكردستاني في شمال سوريا، الأمر الذي من شأنه رفع مکانة خلوصي أكار بين الناس أکثر فأکثر.
المعارضة السورية والاصطياد في الماء العکر
اللواء أحمد عدنان هو أحد القادة الرئيسيين لمقر المعارضة السورية المسلحة المدعومة من أنقرة، ويشار إليه باسم نائب رئيس ما يسمی بهيئة أركان الجيش الوطني السوري. أي نفس المؤسسة غير الشرعية التي كانت تُعرف سابقًا باسم الجيش السوري الحر، وخلال هذه السنوات، تم توفير تكاليفها وأسلحتها ومرافقها التدريبية من قبل تركيا.
حضور أحمد عدنان بين قادة المعارضة السورية المتمركزة في الباب، أثار احتمال أن تركيا تريد شن هجوم في غرب الفرات أولاً. ومن المتوقع أنه إذا شنت تركيا هجومًا واسع النطاق غرب الفرات، فإن المعارضة المسلحة ستنتهز الفرصة وتستولي على مزيد من الأراضي.
ماذا تقول الولايات المتحدة؟
إتخذ المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس مؤخرًا موقفًا معتدلاً من تهديدات أردوغان باجتياح شمال سوريا، قائلاً: "تركيا حليفتنا في الناتو ونقدم تعازينا لمقتل شرطيين تركيين في سوريا. نريد الحفاظ على وقف إطلاق النار هناك، وأن يكون الجميع في سلام".
لقد أظهر الموقف الأمريكي أنه من المهم لواشنطن أن تدعم الميليشيات الكردية والعربية المنضوية فيما يسمى بـ "قوات سوريا الديمقراطية"، ولا تريد أن تغزو تركيا المناطق الواقعة تحت سيطرة هذه القوات.
في النهاية يجب القول إن الوضع السياسي والاقتصادي الهش والحساس في تركيا، فضلاً عن التوترات والخلافات الخطيرة في العلاقات بين أنقرة وواشنطن، جعل قرار إعادة نشر القوات التركية في سوريا أكثر صعوبةً وتعقيدًا.
من المقرر أن يجتمع أردوغان وجو بايدن نهاية هذا الشهر في روما بإيطاليا، على هامش قمة مجموعة العشرين. وخلال الاجتماع، سيقدم أردوغان مقترحات لسحب قوات وحدات حماية الشعب الكردية من تل رفعت ومناطق أخرى، ثم يشارك نتائج محادثاته مع جو بايدن مع فلاديمير بوتين، وسيكون قرار أردوغان النهائي بعد هذين الاجتماعين مهمًا.