الوقت- يُعرف الاحتلال العسكري لأفغانستان من قبل الولايات المتحدة وبعض أعضاء الناتو لمدة 20 عامًا، بأنه أطول حرب في التاريخ الأمريكي.
لقد غزت الولايات المتحدة وحلفاؤها أفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر بحجة محاربة الإرهاب وتدمير القاعدة، لكن حتى بعد مقتل أسامة بن لادن في عملية بقيادة الولايات المتحدة في باكستان (2011)، استمر احتلال أفغانستان.
لكن بعد الانسحاب المتسرع للجيش الأمريكي، وتفجير انتحاري في مطار كابول ما أسفر عن مقتل العشرات، والصور المؤلمة لبعض الأفغان المعلقين على طائرات أمريكية لمغادرة البلاد، نشأت أسئلة في الرأي العام الأمريكي والعالمي بأنه لماذا استمرت الولايات المتحدة في وجودها في هذا البلد لمدة عقدين من الزمن؟
هذا في حين أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أوضح منذ بعض الوقت أن الهدف من الوجود الأمريكي في هذا البلد لم يکن بناء دولة، وبالطبع وضع الجيش وقوات الأمن التي دربتها الولايات المتحدة واضح الآن.
ربما للإجابة على هذا السؤال، نحتاج إلى تتبع مسار مليارات الدولارات المتدفقة على هذا البلد المحتل، وننظر من استفاد من استمرار عملية الاحتلال.
الجميع يبحث عن عقود أفغانستان الكبرى
إذا نظرنا إلى أرقام الحرب في أفغانستان، نجد أنه قد تم إنفاق ما يقارب 2.31 تريليون دولار على هذا الصراع في العقدين الماضيين. وهذا يعني إنفاق 300 مليون دولار يوميًا على مدار 20 عامًا. وفي وقت سابق، أشار تقرير إلى أن تكلفة الجيش والشرطة وقوات الأمن الأفغانية بلغت نحو 88 مليار دولار.
تم جمع التكاليف الإجمالية المذكورة أعلاه في أقسام مختلفة، مما أنفقه الجيش الأمريكي في أفغانستان إلى تكاليف أجزاء أخرى من الحكومة الأفغانية. کما تقدر تكلفة العمليات العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها بنحو 800 مليار دولار على مدى العشرين عامًا الماضية.
الشيء المثير للاهتمام هو أنه عندما نضع جانباً التكلفة الإجمالية التي أنفقت لأفغانستان ونخفض التكلفة المنفقة على جيش هذا البلد وقواته الأمنية، بالإضافة إلى تكلفة العمليات القتالية الأمريكية وحلفاءها، مازلنا أمام أرقام هائلة على الورق کان من المقرر أن يستخدم جزء كبير من هذه الأموال لبناء البنية التحتية لأفغانستان. والرقم المعلن لإعادة إعمار أفغانستان حتى الآن يبلغ حوالي 145 مليار دولار.
ما هو تأثير هذه الأموال على حياة الناس في هذا البلد؟ من عام 2003 إلى عام 2012، نما الاقتصاد الأفغاني بما يزيد قليلاً على 9 في المئة، وذلك ليس بفضل تطوير الإنتاج والصادرات أو أي شيء من هذا القبيل، ولكن بفضل ضخ رأس المال الأجنبي فقط.
اليوم وبعد عقدين من الزمن، يعيش الكثير من الناس في هذا البلد على أجر يومي يبلغ دولارين أو أقل. کما بلغ النمو الاقتصادي بين عامي 2015 و 2020 حوالي 2.5 في المئة، ووفقًا للإحصاءات عاد أكثر من 80 إلى 90 في المئة من هذه الأموال إلى الدورة الاقتصادية الأمريكية في النهاية.
والسبب في ذلك يرجع إلى الهيكل العام للعمل الأجنبي القائم على النموذج الأمريكي، والذي يتم فيه، قدر الإمكان، إسناد الأمور إلى الشركات الخاصة، وهذه الشركات تمضي قدمًا بالأعمال بمزيج من قواتها الخاصة والمقاولين المحليين.
ولكن في حالة أفغانستان، فإن معدل الانتهاكات والفساد مرتفع للغاية، لدرجة أننا عملياً لا نرى أي تغيير كبير في الحياة الاقتصادية لشعب هذا البلد. ويعتقد الكثيرون أن أحد الأسباب الرئيسة لعدم وجود مقاومة في أجزاء كثيرة من أفغانستان لطالبان، هو عدم الرضا الشديد عن الوضع الاقتصادي والفساد الشديد للحكومة.
لكن إذا أردنا التركيز أكثر على القضية العسكرية في أفغانستان، فيجب أن نقول إنه في المجال العسكري، تحتاج الولايات المتحدة بشدة إلى مقاولين من القطاع الخاص للقيام بأعمالها.
لاحظوا هذا الرقم على سبيل المثال. منذ عام 2002، وقع الجيش الأمريكي وأنفق عقودًا يبلغ مجموعها حوالي 108 مليارات دولار مع متعاقدين من شركات مختلفة، لأداء مهام مختلفة للقوات الأمريكية في أفغانستان.
مثلاً، في يوليو - أوائل صيف هذا العام - كان هناك ثلاثة متعاقدين أمريكيين لكل جندي أمريكي في أفغانستان، ما يعني عددًا يبلغ حوالي 8000 شخص. ويرجى ملاحظة أن هذا الرقم مخصص لمتعاقدي وزارة الدفاع الأمريكية فقط، ولا يشمل أجزاءً أخرى من المتعاقدين والمستشارين الأمريكيين.
مثال آخر مثير للاهتمام هو نمو قيمة شركات الأسلحة في أسواق الأسهم. هناك العديد من شركات الأسلحة والشركات العسكرية في الولايات المتحدة، لكن خمسًا منها أكبر من الشركات الأخرى، بما في ذلك لوكهيد مارتن، بوينغ، رايثيون، جنرال دايناميكس، ونورثروب غرومان.
إذا کنتم اشتريتم بعد أسبوع من أحداث الحادي عشر من سبتمبر حوالي 10 آلاف دولار من واحدة أو كل هذه الشركات المساهمة الخمس، فإن هذا السهم اليوم کان بقيمة 100 ألف دولار.
هذا في حين أنه إذا كنتم قد اشتريتم نفس المبلغ من شركات أخرى في القائمة التي تسمى "إس وبي 500"، والتي لديها أكبر 500 سهم في أسواق الأسهم في نيويورك وناسداك، فإن حصتكم اليوم کانت حوالي 61000 دولار. وهذا يعني أن هذه الشركات الدفاعية الخمس لديها زيادة بنسبة 58٪ على الشركات الأخرى والأسهم في نفس القائمة.
ويعتبر الخبراء أن الصراعات المختلفة في منطقة غرب آسيا، فضلاً عن إطالة أمد وزيادة التكاليف في أفغانستان، من أهم أسباب هذه الزيادة في قيمة شركات السلاح.
من توظيف الأشخاص المؤثرين إلى الاستثمار في مراكز الفكر
السؤال المهم التالي هو، كيف وصلت شركات الأسلحة هذه إلى هذا المستوى من النفوذ في الولايات المتحدة؟
لنبدأ بإدارة جو بايدن ووزير دفاعها. تقاعد وزير الدفاع الأمريکي الحالي، الجنرال أوستن، من الجيش في عام 2016 والتحق بالبنتاغون في عام 2020 كوزير للدفاع. لكن ماذا كان يفعل في هذه الفترة؟
عمل أوستن كأحد مديري شركة رايثيون للأسلحة، وعندما تم انتخابه وزيراً للدفاع، ترك الشركة وببيع أسهم نفس الشركة حصل على مبلغ حوالي مليون و 700 ألف دولار، ثم انتقل إلى وظيفته الجديدة.
في إدارة ترامب أيضًا، كانت القصة متشابهةً إلى حد ما. كان أول وزير دفاعه هو الجنرال جيمس ماتيس، وهو ضابط كبير في سلاح مشاة البحرية، تقاعد من هذه القوة في عام 2013 وسرعان ما تم تجنيده من قبل شرکة جنرال دايناميكس. ثم ترك الشركة عندما تم انتخابه وزيراً للدفاع، وعندما أطاح به ترامب سرعان ما أعادته الشركة إلى منصبه.
وفي هذا الصدد، يُظهر تقرير صدر عام 2016 أن ما مجموعه 380 من كبار ضباط البنتاغون أو الضباط العسكريين الأمريكيين(جميعهم تقريبًا برتبة جنرال)، غادروا مؤسساتهم للانضمام إلى شركات الأسلحة الأمريكية الكبرى، ولعبوا أدواراً مختلفةً مثل عضو مجلس الإدارة أو فريق الضغط لها.
إذا كنتم مهتمين بالقضايا الغربية، فيجب أن تكونوا على دراية بمراكز الفكر ودورها في مناقشة دور المجتمعات الغربية وحكوماتها أيضًا. هناك تقرير جديد تقريباً يذكر جهود الصناعة العسكرية لجذب هذه المراكز الفكرية. ومن الأمثلة على ذلك شركة CACI International Inc، التي يقع مقرها الرئيسي في فيرجينيا بالولايات المتحدة.
تعمل هذه الشركة في مجالات الرعاية الطبية، وقضايا الدفاع والأمن، والاستخبارات الداخلية. وعقب إعلان انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، أعلنت الشركة لمساهميها أن ربحيتها وقيمة أسهمها ستنخفض.
لكن إذا أردنا إخباركم بالسجل الرائع(!) لهذه الشركة، فيمكننا أن نذكر وجود وكلائها في سجن أبو غريب سيئ السمعة في العراق؛ حيث اشتكى عدة مواطنين عراقيين منذ ذلك الحين لموظفي الشركة من الاعتداءات الجنسية والصدمات الإلكترونية أثناء احتجازهم، ولا تزال القضية مستمرةً.
كما فازت الشركة بعقد مدته خمس سنوات في عام 2019 بقيمة 907 ملايين دولار تقريبًا، للعمليات الاستخباراتية والدعم التحليلي للجيش الأمريكي في أفغانستان، ومع انسحاب الولايات المتحدة من هذا البلد فإن وضع هذا العقد غير واضح.
وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن الشركة المعنية هي إحدى رعاة معهد دراسات الحرب في الولايات المتحدة، والذي انتقد قبل وقت قصير من انسحاب الولايات المتحدة في تقرير من حوالي 20 صفحة، قرار هذا البلد بالانسحاب من أفغانستان، معتبراً أن هذه الخطوة قد أفادت إيران وروسيا والصين وتركيا.
ما ورد أعلاه هو وصف موجز ومختصر لواقع نظام الإدارة وتأثير جماعات الضغط العسكرية في الولايات المتحدة. ولذلك، إن ما يشار إليه بالحرب على الإرهاب منذ ما يقرب من عقدين، هو مجرد غطاء لكسب المال وجني الأموال لشركات الأسلحة.
ولنذكر في نهاية هذا المقال تحذير الجنرال أيزنهاور، رئيس الولايات المتحدة في حينه، والذي خلال فترة إدارته بدأ فعليًا سباق التسلح والحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، وبدأت شركات الأسلحة الصغيرة والكبيرة في النمو في الولايات المتحدة.
في ذلك الوقت، حذر أيزنهاور من أن الحكومة يجب ألا تسمح بالنمو، والأهم من ذلك، التأثير المفرط للمجمع الصناعي العسكري، لأن هذا التأثير سيجعل هذه المجموعة أكثر نفوذاً في سياسات الحكومة الأمريكية، لكن النتيجة أظهرت مدى تأثير هذه الشركات على مسارات الحرب والسلام في العالم.