الوقت - بعد انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان والتراجع السريع للقوات الحكومية الذي أدی إلى سيطرة طالبان علی كابول، فإن مستقبل أفغانستان في هالة من الغموض. في غضون ذلك، فإن القلق الأكبر يتعلق بالأمن والاستقرار في أفغانستان في ظل عودة طالبان إلى السلطة.
وفي حين أن الوضع في أفغانستان هادئ نسبيًا منذ الاستيلاء على كابول، وأعلنت طالبان أنه لا داعي للقلق بشأن انعدام الأمن بين المواطنين الأفغان، توجد حاليًا دلائل على أن جزءًا من المجتمع يشعر بالقلق بشأن المستقبل، بل إن البعض يستعد لإرساء أسس حركة مقاومة مسلحة.
من ناحية أخرى، تبعث طالبان برسائل مفادها أنها لا تحاول الاستيلاء على السلطة. وفي الوقت الراهن، يقول العديد من الشخصيات السياسية الأفغانية الرئيسية - بما في ذلك الرئيس السابق حامد كرزاي وعبد الله عبد الله وآخرين - إنهم يشكلون مجموعةً لإدارة عملية نقل السلطة إلى الحكومة الجديدة ومناقشة طبيعة النظام السياسي المستقبلي.
في الواقع، في مجال الادعاءات والمزاعم على الأقل، أبدت طالبان اهتمامًا بالتفاعل مع الجماعات الأخرى لتشكيل حكومة شاملة.
وبالتالي، هناك أسئلة مهمة الآن حول الشكل الذي ستبدو عليه حكومة طالبان في أفغانستان. كيف يريدون الحفاظ على كل الأراضي التي حصلوا عليها؟ وهل اختفت المقاومة تماماً، أم ستكون هناك مقاومة بما في ذلك المقاومة المسلحة ضد حكمهم؟
الآن وبعد خروج القوات الغربية من أفغانستان بعد 20 عامًا من الاحتلال العسكري بذريعة محاربة الإرهاب وإعادة الاستقرار والتقدم لأفغانستان، أصبح من الواضح للجميع أنه لا يمكن حل مشكلة الاستقرار في أفغانستان إلا من خلال العمليات السياسية، وليس الحرب والنزعة العسكرية.
ومع ذلك، فإن الوضع الحالي هو فترة زمنية غير مستقرة للغاية ويمكن أن تستمر بطريقتين. أحد السيناريوهات هو التحرك نحو تشكيل نوع من حكومة الوحدة الوطنية التي تقرب الأحزاب الداخلية المتنافسة في السلطة من بعضها البعض، وتنطوي إلى حد ما على حل وسط. لكن هذا يمنح طالبان بطبيعة الحال حصةً غير متكافئة من السلطة، لأنهم المنتصرون العسكريون في الحرب.
وعليه، فإن السيناريو العام الثاني هو أن التسوية السياسية قد فشلت كما في الماضي، والاستيلاء على السلطة يأتي بالاعتماد على القوة العسكرية، وهو ما سيؤدي إلى انهيار حكومة الوحدة في وقت قصير، وستسقط أفغانستان في هاوية عدم الاستقرار أو حتى الحرب الأهلية.
وفي هذا الصدد، يمكن اعتبار منع عدم الاستقرار في أفغانستان أمراً ضرورياً على ثلاثة مستويات، المحلية والإقليمية والدولية.
المستوی الداخلي
من المؤكد أن مستقبل أفغانستان يعتمد أكثر على قدرة قادتها السياسيين والعسكريين الجدد على الحكم كدولة مستقلة جديدة، بالقياس إلی الاعتماد على تصرفات القوى الأجنبية مثل الولايات المتحدة.
يعود المجال الأول الذي يجب معالجته إلى تقسيم السلطة داخل طالبان، وهو أمر غامض إلى حد ما. يسيطر البشتون السنة على حركة طالبان الأفغانية، ومن المحتمل أن يخلقوا كتلةً اجتماعيةً متجانسةً في قلب النظام السياسي الجديد والجيش الجديد في أفغانستان.
ومع ذلك، فإن طالبان لم تسيطر علی أفغانستان لوحدها. حيث ربما قاتلت العشرات من الجماعات المسلحة الأخرى - بما في ذلك الجهاديون الأجانب والميليشيات العرقية المحلية - إلى جانب طالبان ضد الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، أنه بعد هزيمة أعدائهم المشتركين، إلى متى سيبقون على ولائهم لقيادة طالبان المركزية؟ وإلى متى يمكن أن تظل هذه الجماعات مواليةً للسلطة السياسية والعسكرية في أفغانستان، إذا لم يتم تلبية مطالبها؟
الإتجاه المعتاد بين دراسات الحرب الأهلية هو أنه بعد انتصار المتمردين، مثل طالبان أو الجبهة الوطنية الرواندية(RPF) أو الجبهة الشعبية للتحرير في إثيوبيا(TPLF) أو الانتفاضات الشيوعية في الصين وفيتنام، يتحرك هؤلاء في اتجاه نشر الاستقرار. وهذه كلها أمثلة على الجماعات المسلحة غير الحكومية التي انتصرت في الحروب، وأنشأت جيوشًا وطنيةً قويةً وحكومات مرنة.
في هذه الحالات، عيَّن المتمردون حكامًا فعالين لأن قدراتهم التنظيمية سمحت لهم باحتكار القوة العسكرية وبناء هيكل من قوات الأمن عالية الولاء. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يستولي المتمردون المنتصرون على السلطة، لأنهم يحظون بدعم عدد كبير من الجماهير غير الراضية عن الوضع الراهن ويوفرون قاعدة دعم شعبية لنظامهم الجديد.
طالبان، التي بدأت تمرداً طويلاً ودموياً ضد المحتلين الغربيين منذ ما يقرب من 20 عاماً، كان لديها متسع من الوقت لبناء انضباط داخلي قوي، وقوات مسلحة وتضامن في جميع أنحاء تنظيمها. وأمضى العديد من قادة طالبان الحاليين عقودًا معًا في ساحة المعركة أو في السجن، مما يساعدهم في الحفاظ على ولاء المقاتلين والقادة الميدانيين.
والعامل الثاني المهم هو ما إذا كانت المجموعة المتمردة المنتصرة تمثل ائتلافًا عرقيًا متجانسًا أو متنوعًا.
في الوقت الحالي، على الرغم من أن غالبية المجتمع الأفغاني تتكون من البشتون، وتقاتل طالبان أيضًا من أجل التطلعات السياسية لشعب البشتون، لكن تجربة السنوات الأخيرة أظهرت بلا شك أن محاولة طرد وتهميش المجموعات العرقية الأخرى، مثل الطاجيك والأوزبك والهزارة، لن تؤدي إلا إلى عدم الاستقرار السياسي والتحديات العسكرية وعدم شرعية الحكومة المستقبلية.
وأخيرًا، حتى مجموعة مثل طالبان تسعى للحصول على اعتراف من المجتمع الدولي والجهات الفاعلة الأجنبية. وهذا سيحفز قادة الجماعة على تنحية الأفكار والتيارات المتطرفة غير المقبولة من المجتمع الدولي جانبًا، والمضي قدمًا لمشاركة السلطة مع الجهات الفاعلة المحلية الأخرى.
المستوى الإقليمي والدولي
تتطلب إعادة الاستقرار إلى أفغانستان بعد عقود من الحرب الخارجية دعم الجهات الفاعلة الأخرى أيضًا، ولا سيما الجهات الإقليمية، التي لها مصالح أمنية وسياسية واقتصادية وجيوسياسية مختلفة من التطورات في أفغانستان.
کما أن المساعدة في تيسير الحوار بين الأفغان في العملية السياسية والوساطة لتقريب وجهات النظر، هي إحدى القضايا المهمة التي نظرت فيها بلدان المنطقة في السنوات الأخيرة.
لكن ربما يكون البعد الآخر لأهمية دور جيران أفغانستان والفاعلين الإقليميين المهمين، مرتبطًا بإشراك الحكومة الجديدة في مشاريع التنمية وشبكة التعاون الاقتصادي الإقليمي. إذ يلعب التشابك الاقتصادي في عالم اليوم، دورًا رئيسيًا في التحالفات السياسية للحكومات.
والمؤتمر الأخير الذي استضافته أوزبكستان حول الاتصال بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا، شدد على أهمية أفغانستان كحلقة وصل وجسر تواصل للتجارة الإقليمية.
بطبيعة الحال، ستدرك طالبان بوضوح أن استمرار العنف وعدم الاستقرار سيقوضان دور أفغانستان في التجارة الإقليمية. وقد أرسلت باكستان وأوزبكستان مؤخرًا شحنات اختبارية بالشاحنات عبر أفغانستان لتقييم أمن الطرق المختلفة في المنطقة. کما أعطت أوزبكستان الأولوية لعبور البضائع عبر مينائي جوادر وكراتشي الباكستانيين، وكذلك عبر ميناء تشابهار، لكن كلا الخيارين يعتمدان على التعاون الأفغاني.
وفي أوائل عام 2021 أيضًا، اقترحت الهند أن يكون ميناء تشابهار جزءًا من ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب(INSTC)، ودعت أوزبكستان وأفغانستان للانضمام إلى مشروع الممر متعدد الأطراف هذا. ويربط هذا المشروع متعدد الأغراض البالغ طوله 7200 كيلومتر، بين الهند وإيران وأفغانستان وأذربيجان وروسيا وآسيا الوسطى وأوروبا.
ومن بين احتياجات أفغانستان المستقبلية، تطوير مشروع السكك الحديدية جنبًا إلى جنب مع مشاريع الكهرباء الإقليمية، مثل خط كهرباء سورخان-بولي-خمري بقدرة 1000 ميجاوات، ومشروع CASA-1000 بقدرة 1300 ميجاوات، الذي يوفر الكهرباء لأفغانستان وباكستان.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل باكستان والصين على ربط أفغانستان بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي تبلغ قيمته 62 مليار دولار. وإذا نجحت هذه الخطة، فستشارك أفغانستان في المشروع الضخم "حزام واحد-طريق واحد"، وستتاح للحكومة التي تقودها طالبان في أفغانستان الفرصة لمعالجة مشاكلها الاقتصادية المستقبلية وسط عقوبات غربية محتملة. وتظهر زيارة قادة طالبان إلى الصين والدعوة إلى بكين للاستثمار في أفغانستان، أن قادة طالبان يتفهمون هذه الحاجة.
کذلك، تعمل روسيا، بصفتها لاعبًا إقليميًا آخر معنيًا بالتطورات في أفغانستان، على تطوير خطة السوق الأوراسية الكبيرة، وهي مشروع اقتصادي جغرافي يسعى إلى إزالة الحواجز أمام التجارة الاقتصادية في الجغرافيا الأوراسية.
تريد أوزبكستان وباكستان وروسيا والصين عدم نشاط جماعات مثل داعش والقاعدة والحركة الإسلامية لأوزبكستان وحركة طالبان باكستان وحركة تركستان الشرقية الإسلامية في أفغانستان تحت قيادة طالبان.
إيران أيضاً، كأحد أهم المعنيين الإقليميين بالتطورات في أفغانستان، وأحد الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين لهذا البلد والذي له حدود مشتركة طويلة معه، أيدت في الأشهر الأخيرة عملية المفاوضات بين الأفغان وتشكيل حكومة بحضور جميع الفئات والهويات الموجودة في المجتمع الأفغاني.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور إبراهيم رئيسي، الرئيس الجديد للجمهورية الإسلامية: "يجب أن تصبح الهزيمة العسكرية وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، فرصةً لإحياء الحياة وتوفير الأمن الدائم في هذا البلد".
وأضاف رئيسي: "ستعمل إيران اليوم لاستقرار أفغانستان كأول حاجة لهذا البلد، وكدولة جارة وشقيقة، فإنها تدعو جميع المجموعات إلى الاتفاق على إجماع وطني".
ومع ذلك، يمكن الاستنتاج أنه بالنظر إلى المتطلبات المحلية والإقليمية والدولية، فإن انتهاء حرب الولايات المتحدة وحلفائها في أفغانستان التي استمرت 20 عامًا وانسحاب القوات الأجنبية من هذا البلد، يمكن أن يساعد في إعادة الاستقرار إلى أفغانستان.