الوقت - من خلال اتباع نهج جديد في سياسته الخارجية، يبدو أن العراق يبحث عن مخرج للخروج من حالة الضعف والسلبية في المعادلات الإقليمية.
على مدار العام الماضي، انخرط المسؤولون العراقيون في دبلوماسية نشطة في المنطقة لتوسيع العلاقات مع جميع اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، بما في ذلك إيران والسعودية وتركيا والإمارات. حتى أن هذا البلد سيستضيف مؤتمراً إقليمياً في أواخر هذا الشهر.
وبهذا يمكن الآن رؤية المظهر الرئيسي لهذه السياسة في شكل زيارة مصطفى الكاظمي للكويت في 22 آب/أغسطس 2021، وهي أول زيارة لرئيس وزراء عراقي إلى هذا البلد منذ عام 2003.
لقد شهدت الكويت توتراً كبيراً مع العراق خلال النظام البعثي، وخاصةً بعد عام 1991، نتيجة غزو الجيش العراقي للکويت، ولكن في السنوات التي تلت عام 2003، وبعد سقوط نظام صدام الديكتاتوري، استؤنفت العلاقات بين البلدين. وهکذا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن هو، ما هي أهداف الكاظمي من القيام بهذه الزيارة؟
تحسين العلاقات الثنائية وحل النزاعات
الهدف الأساسي من زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى الكويت، هو توسيع العلاقات الثنائية وحل الخلافات بين الجانبين. حيث أكد رئيس الوزراء العراقي عشية زيارته للكويت، أن الحوار الصادق والأخوي المباشر بين العراق والكويت، هو أقصر السبل لتعزيز العلاقات وتعميق التعاون وحل الخلافات وبناء مستقبل أفضل.
وكخطوة أولى للزيارة، أُعلن أن الهدف من زيارة الکاظمي للكويت هو مناقشة دخول المستثمرين الكويتيين إلى السوق التجاري العراقي، لعب دور فعال في التنمية المستدامة، الاستثمار في الصناعة والتجارة وكذلك مراجعة استراتيجيات تنمية التجارة بين البلدين، في ظل الرغبة الحقيقية في تنمية التعاون الثنائي في مختلف المجالات.
على صعيد آخر، تتعلق إحدى قضايا الخلاف بين العراق والكويت، بقضية الخلافات العالقة بين البلدين والتي لم يتم حلها. فعلى الرغم من سقوط النظام البعثي، لا تزال قضية سداد الديون الناتجة عن غزو العراق للكويت عام 1991، تشكل تحديًا كبيرًا بين البلدين.
كما لا تزال هناك مشاكل وخلافات قائمة بين البلدين، أهمها: "آبار النفط المشتركة، ملف المفقودين الكويتيين، واتفاقية "خور عبد الله" الموقعة بين البلدين عام 2012". والآن يحاول مصطفى الكاظمي تقليل بعض هذه الخلافات بين الجانبين خلال زيارته الأخيرة.
في غضون ذلك، يمكن أن ينصب تركيز الكاظمي بشكل خاص على قضية أضرار الحرب وتأجيل سداد القرض البالغ 1.6 مليار دولار الذي دفعته الكويت للعراق.
وبحسب آخر التقارير، سدد العراق دينه الأخير للكويت والبالغ قيمته 440 مليون دولار في أبريل/نيسان الماضي، ولا يزال يدين للكويت بتعويض قدره 2.8 مليار دولار نتيجة أضرار الحرب.
بناء التوازن الإقليمي
ينبغي النظر إلى زيارة الكاظمي، إضافةً إلى العلاقات الثنائية بين العراق والكويت، في ضوء المعادلات والتطورات السياسية في منطقة غرب آسيا.
في الأشهر الأخيرة، كانت سياسة التقارب وتعزيز العلاقات مع العالم العربي على رأس جدول أعمال الحكومة العراقية بشكل خاص. وفي هذا الصدد، لا بد من الانتباه إلى أن زيارة مصطفى الكاظمي تأتي في وقت ينعقد فيه مؤتمر بغداد الإقليمي في أواخر آب(أغسطس) (هذا الشهر)، وقد تمت دعوة دول مثل إيران والسعودية وتركيا والأردن والكويت وغيرها للمشارکة فيه.
لكن زيارة رئيس الوزراء العراقي للكويت، قبل أيام قليلة فقط من مؤتمر بغداد الإقليمي، يمكن أن يُنظر إليها على أنها جهد مضاعف من قبل جهاز بغداد الدبلوماسي لتحقيق سياسة التوازن الإيجابي والقريب من العرب. والواقع، أن الكاظمي يسعى إلى تعزيز العلاقات بين البلدين قبل مؤتمر بغداد.
ومن ناحية أخرى، من الضروري الانتباه إلى حقيقة أن زيارة الكاظمي يمكن تقييمها من حيث وجهة نظره في إقامة التوازن الإيجابي مع الدول العربية.
على مر السنين الماضية، خلقت الدول العربية، بقيادة السعودية والإمارات، مشاكل أمنية وسياسية واسعة النطاق لبغداد. ودعم هذه الدول السري لداعش والجماعات التكفيرية الأخرى داخل العراق، دفع هذا البلد إلى اتباع سياسة توازن إيجابي تجاه العالم العربي منذ صعود عادل عبد المهدي إلی السلطة، المعروفة باسم حقبة ما بعد داعش، حتی يمكنه بهذه الطريقة وقف سياساتها المعادية تجاه العراق.
وتماشيًا مع هذه السياسة، نرى أن مصطفى الكاظمي قد وضع سياسة التوازن الإيجابي تجاه العالم العربي على جدول أعماله عمليًا منذ أبريل 2020، عندما زار السعودية والإمارات كأول وجهة سفر خارجية له.
حتى أن الكاظمي متفائل بشأن دعم جامعة الدول العربية، أو على وجه الخصوص الدول العربية الغنية مثل الإمارات والسعودية، لإعادة إعمار العراق في مرحلة ما بعد داعش.
کما أنه يسعى إلى جمع الأموال لإعادة إعمار البلاد من جهة، وزيادة مستوى العلاقات التجارية والاقتصادية مع الدول العربية من جهة أخرى.
کذلك، اتبعت حكومة مصطفى الكاظمي سياسة تعزيز موقع العراق في هذه المنطقة الاستراتيجية، والتوسط بين القوى الإقليمية. في غضون ذلك، انصب تركيز بغداد الرئيسي على تهدئة التوترات بين إيران والسعودية، والتوسط بين فريقي تفاوض البلدين.
وتشير الدلائل أيضاً إلى إجراء ثلاث جولات من المحادثات بين الوفدين الإيراني والعراقي في بغداد حتى الآن. ويمكن قراءة مجموعة هذا الاتجاه، الذي انعكس أيضاً في زيارة الكاظمي للكويت، على أنها تحرك العراق نحو بناء توازن إيجابي بين إيران والدول العربية.
الكاظمي بحثًا عن الحفاظ علی السلطة
بالإضافة إلى السياسات الإقليمية، وكذلك العلاقات الثنائية بين العراق والكويت، هناك هدف آخر من زيارة الكاظمي للكويت يتعلق بجهوده للبقاء في السلطة بعد الانتخابات البرلمانية المبكرة في 10 أكتوبر 2021.
في الأشهر الأخيرة، إضافةً إلى المستوى الداخلي في العراق، راهن الکاظمي بشکل خاص علی الدعم الإقليمي أو الخارجي له من أجل الحفاظ على منصبه كرئيس للوزراء بعد انتخابات تشرين الأول(أكتوبر).
وعليه، فإن زيارة الكاظمي للكويت يمكن أن تكون استمراراً لنهجه في تعزيز موقفه الداخلي من خلال الدعم الخارجي؛ وإذا حصل على دعم مالي من الكويت، فإنه سيعزز بالتأكيد مكانته بين التيارات السياسية العراقية أكثر من ذي قبل.
کما يمكن لدخول المستثمرين الكويتيين إلى العراق ومحاولة إقناعهم في مجال الاستثمار التجاري والصناعي، أن يلعب دوراً فريداً في تعزيز مكانة وموقع مصطفى الكاظمي. حتی على نطاق أوسع، يتطلع رئيس الوزراء العراقي إلی دور الكويت الإيجابي في ربط شبكة الكهرباء العراقية بالدول الخليجية.