الوقت_ في ظل الانتصارات الكبيرة التي حققتها دمشق في الميدان العسكريّ بعد دحر الجيش السوريّ المجموعات الإرهابيّة المسلحة في أغلب مناطق البلاد وسيطرته على معظم مساحة سوريا، ومؤخراً بعد النصر المؤزّر الذي حققه الرئيس السوريّ، بشار الأسد، في الانتخابات الرئاسيّة السوريّة لعام 2021 بنسبة كبيرة عكست نتائجها جماهيريّته داخل البلاد وخارجها، وبالتزامن مع الحديث عن عودة بعض الدول الأوروبيّة التي قاطعت وحاربت سوريا لسنوات طويلة إلى العاصمة السوريّة عبر الطريق الدبلوماسيّ، استقبل الرئيس الأسد مؤخراً، تيري مارياني، عضو البرلمان الأوروبيّ، وعضو حزب التجمع الوطني الفرنسيّ ووفداً مرافقاً له، وبحث معه تطورات الأوضاع في سوريا والمنطقة، وذكرت وكالة الأنباء السوريّة الرسميّة "سانا"، أنّ الأسد أجاب عن أسئلة أعضاء الوفد المتعلقة بالوضع على الأرض والظروف الصعبة التي يعيشها السوريون نتيجة العقوبات والحصار الجائر المفروض عليهم، مشيراً إلى أنه وعلى الرغم من التأثيرات السلبية لهذا الحصار في كل مناحي الحياة، إلا أن الشعب السوريّ تعلم كيف يوجد أفكاراً وحلولاً جديدة يستطيعون من خلالها التغلب على الصعوبات.
بعد أن دخلت الجمهوريّة السوريّة مرحلة الانتصار السياسيّ، والتي تلت مرحلة الانتصارات الميدانيّة في الحرب بدعم من الحلفاء وبالأخص محور المقاومة، تؤكّد سوريا عبر رئيسها الأسد الذي حصل على 95.1% من أصوات السوريين في الانتخابات الأخيرة أنّه من الضروري أن يكون هناك حوار على المستوى البرلمانيّ وعلى المستوى الفكريّ والثقافيّ من أجل تحليل وفهم التطورات والتبدلات التي تحدث في المنطقة والعالم، وإنّ أهمية زيارة الوفود البرلمانيّة والثقافيّة إلى سوريا والمنطقة لترى الأمور كما هي، ولكي تستطيع الربط ما بين التصريحات السياسيّة والواقع، وذلك لأن ما تعاني منه أوروبا في موضوع اللاجئين والإرهاب والتطرف سببه سياساتها الخاطئة في منطقة الشرق الأوسط، بحسب توصيف دمشق.
وفي الوقت الذي تطرق الحديث بين الأسد والوفد الأوروبيّ إلى دور الفكر القوميّ في المنطقة العربية، إضافة إلى الهوية والعلاقة بين الدين والسياسة والتحديات الكبيرة التي تواجهها دول العالم نتيجة للتطرف الذي تغلغل في الكثير من المجتمعات ومنها الأوروبيّة نتيجة فشل حكوماتها في وضع سياسات صحيحة لتحقيق اندماج المهاجرين إلى أوروبا مع احتفاظهم بهويتهم الأصلية، يبدو أن العلاقة الغربيّة مع سوريا على المستوى الشعبيّ أو البرلمانيّ والحزبيّ، بدأت تتطور بشدّة مؤخراً وتعود إلى طبيعتها نسبيّاً، بعد أن دخل الأسد السباق الرئاسيّ بشعار: "الأمل بالعمل"، وشملت حملته إعادة الإعمار، واستطاع اقناع العالم بمحبة شعبه له ووقوفه إلى جانبه.
ومن المعروف أنّ العاصمة السوريّة باتت تحتضن سفارات أوروبيّة كسفارة اليونان وهنغاريا وصربيا، إلى جانب علم الاتحاد الأوروبّي الذي يفرض عقوبات على دمشق، وهذه ليست المرة الأولى التي يلتقي فيها ممثلون من حزب "التجمع الوطنيّ" الفرنسيّ، وعلى رأسهم تيري مارياني، بالرئيس الأسد، ففي 29 من أغسطس/ آب عام 2019، التقى الرئيس السوريّ أيضاً بنائبين في البرلمان الأوروبيّ، هما نيكولاس باي وفيرجيني جورون.
واعتبر البعض أنّ الزيارة الأوروبيّة الأخيرة لدمشق تزيد بشكل أكبر من تراجع بعض الدول المعروفة التي طالبت بإسقاط الحكومة السوريّة من خلال الحرب العسكريّة المباشرة (على المستويين الشعبيّ والحكوميّ)، بعد أن توصلوا إلى استنتاج مفاده أنّ عليهم تغيير وجهة نظرها من الحكومة السوريّة بل والانخراط معها في تفاهمات عدة ولكن بشكل تدريجيّ لحفظ ماء الوجه، وإنّ تلك الانتصارات السياسيّة التي بدأت تزداد في الأشهر الأخيرة هي نتيجة طبيعية لصمود وتضحيات الشعب السوريّ الذي ذاق الأمرّين، بعد أن ساهمت حكومات دول أوروبيّة بشكل مباشر في افتعال وتدويل الأزمة لتدمير بلادهم ومؤسساته وتحقيق مصالحها في المنطقة.
في الختام، إنّ زيارة الوفود الأوروبيّة إلى دمشق تكسر من جمود العلاقات السوريّة – الأوروبيّة على المستوى الرسميّ وتسرع بشكل غير مباشر من عودة المياه إلى مجاريها، خاصة بعد أن سعت بعض العواصم الغربيّة لاستمرار حالة الانقسام في العالم العربيّ لأطول فترة ممكنة وبكل وسيلة بما في ذلك منع عودة سوريا إلى "البيت العربيّ"، والشيء الذي يجب أن تفهمه أوروبا هو أن عودة العلاقات الطبيعيّة بين دمشق والدول الأوروبيّة سيفيد دولهم التي تغص بالمهاجرين ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها، بل وسيكون للعواصم الأوروبيّة دوراً مهماً للغاية في تجاوز الأزمة السورية، بدلاً من تدويلها.