الوقت - هل وصل تصعيد الخلافات بين السعودية والإمارات وتأثير ذلك على العلاقات بين البلدين إلى درجة تجاهل مصالح البلدين، بما يؤدي إلى انفجارات أمنية تهدد أوضاعهما الداخلية، وذلك بعد سنوات من المواءمة والتوافق بين الأهداف والمصالح في تصدير الأزمات الأمنية والإرهاب إلى دول المنطقة، بما في ذلك اليمن والعراق وسوريا؟
هل سقطت كل هذه الصداقات الآن ضحيةً لتقلبات أسعار النفط والخلافات حول إنتاج النفط خلال الأشهر القليلة الماضية؟ وهل كانت مهمةً لدرجة تجعل السعودية تعلِّق جميع الرحلات الجوية إلى الإمارات؟
هل يمكن أن يكون الانفجار الذي وقع في ميناء "جبل علي" في دبي صباح الخميس الماضي أحد هذه التداعيات، وخاصةً أن الانفجار وقع بعد أيام فقط من الخلاف على إنتاج النفط بين الإمارات والسعودية؟
وبحسب صحيفة "إندبندنت" البريطانية، هل يجب اعتبار تغيير السعودية قوانين الاستيراد الخاصة بها من المناطق المحمية الأخرى وموانئ الخليج الفارسي، و"استثناء البضائع والسلع المنتجة في مناطق التجارة الحرة، وكذلك البضائع والمنتجات المصنوعة في إسرائيل"، تحدي السعوديين المباشر للإمارات كمركز تجاري إقليمي؟
وكتبت الصحيفة البريطانية في مقال تحليلي نشر بعد الانفجار في ميناء جبل علي بدبي، نقلاً عن "سينزيا بيانكو" الباحثة في مجلس العلاقات الخارجية بالبرلمان الأوروبي: "التوترات بين السعودية والإمارات تتصاعد منذ فترة طويلة، ودفعت البلدين إلى إعادة تقييم ميزان القوى في علاقاتهما الإقليمية والدولية".
هذا تطور خطير في العلاقات الثنائية بين السعودية والإمارات، وتعود نقطة البداية إلى ما بعد انتهاء رئاسة دونالد ترامب وهزيمته في الانتخابات الرئاسية الأمريكية واستبعاده من دائرة صنع القرار الأمريكية، وهو الذي أدخل الإمارات والبحرين والسودان والمغرب عمداً في لعبة تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، وحوَّل الإمارات إلى رأس الحربة لتنفيذ الخطة الأمريكية الصهيونية الجديدة المسماة "صفقة القرن".
ولا يخفى على أحد أن مسار ونهج السياسة الخارجية الأمريكية كانا دائمًا دعمًا مطلقًا للکيان الصهيوني، وفي هذا الصدد فإن "اللوبي اليهودي الصهيوني الأمريكي" المسمى "إيباك"، لم يلعب فقط دورًا مهمًا في تشكيل وترسيخ هذا النهج، بل يلعب أيضًا دورًا مهمًا في صعود الرؤساء الأمريكيين إلى السلطة، وقد أدى ذلك بالسياسيين الأمريكيين الذين يتطلعون إلى السلطة، بما في ذلك الرئاسة في الولايات المتحدة، إلى الحصول على دعم إيباك بأي طريقة ممكنة، وأن يكونوا المدافعين المطلقين عن الکيان الصهيوني ومقدمي مصالحه واستمرار احتلاله للأراضي الفلسطينية علی مصالح بلادهم.
ولهذا السبب، لا يوجد فرق بين سياسات الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وإذا كان هناك القليل من الاعتبارات والتغييرات، فهناك تغيير فقط في درجة الأولويات وكيفية تنفيذ السياسات، بما في ذلك في مجالات مهمة مثل الطاقة والحلفاء الإقليميين مثل السعودية والإمارات.
وبحسب ما كشفته مجلة "غلوبس" العبرية، من أهم إجراءات جو بايدن تعليق "صندوق إبراهيم"، الذي أعلنه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في سبتمبر من العام الماضي، بهدف دعم مشاريع التعاون الاقتصادي بين الکيان الصهيوني المحتل والدول العربية، وخاصةً الإمارات.
كان من المقرر أن يتم توفير رأس المال الأولي لصندوق إبراهيم من قبل الولايات المتحدة والکيان الصهيوني والإمارات ودول عربية أخرى، برأس مال أولي قدره 3 مليارات دولار، لكن إدارة بايدن لم تبد اهتمامًا كبيرًا بتخصيص أموال لدعم الصندوق، على الرغم من دعمها لاتفاقيات التطبيع.
في السياق نفسه، ذكرت وكالة رويترز الأربعاء الماضي أن نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان قام بزيارة استغرقت يومين للولايات المتحدة، وقالت إن "هذا هو أعلى مسؤول سعودي يزور الولايات المتحدة منذ تنصيب الرئيس الديمقراطي جو بايدن في البيت الأبيض".
من ناحية أخرى، غرَّد الأمير خالد بن سلمان على حسابه الرسمي على تويتر أنه "تحدث إلى وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين حول العلاقات الثنائية والشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وناقش معه آخر المستجدات في المنطقة وسبل تعزيز العلاقات السعودية ـ الأمريكية".
وفي الوقت نفسه، ذكرت صحيفة الإندبندنت البريطانية، في تقريرها المذكور أعلاه، أن "كلا البلدين - السعودية والإمارات - يملآن مستودعات أسلحتهما بأسلحة متطورة، خاصةً وأن كلا البلدين من بين المشترين الرئيسيين للأسلحة في العالم".
وتضيف الإندبندنت: "يبدو أن الإمارات والسعودية تحاولان أحيانًا التفوق على بعضهما البعض بالحصول على أسلحة وأدوات الحرب الأكثر تطورًا وحداثةً، مثل التنافس السياسي بينهما حيث تحاولان التغلب على بعضها البعض للوصول إلى مراكز القوة في واشنطن".
ولا يقتصر التنافس بين السعودية والإمارات على تعزيز موقعهما في ميزان القوى، على قرار السعوديين تعليق جميع الرحلات الجوية السعودية إلى الإمارات، بل إن الصورة الواضحة لهذا التنافس تتجلى في احتلال اليمن من قبل السعوديين والإماراتيين، ويمكن رؤية الانعكاس الجيوسياسي لهذا الإجراء مباشرةً في العلاقات بين البلدين.
خاصةً بعد هزيمة وفشل مرتزقة "تحالف العدوان السعودي الإماراتي" في تحقيق أي تقدم وأي نوع من الانتصار يجلب راحة البال للأوساط السياسية ومراكز صنع القرار في واشنطن وتل أبيب، الأمر الذي أرغم الولايات المتحدة على اللجوء إلی "القاعدة" وجلب عناصرها إلى الميدان اليمني وساحة العمليات، الذين دربتهم في المعسكرات التي أقامتها في المحافظات الجنوبية لليمن، وكان من المقرر أن يُستخدموا في المعارك والمواجهات في محافظة البيضاء، وکانت الولايات المتحدة نفسها هي التي وجهت وقادت هذه المعارك.
لکن الوضع على الأرض في اليمن قد تغير اليوم كما يعلم الجميع، والکيان الصهيوني والولايات المتحدة مسؤولان بشكل مباشر عن المعارك والمواجهات في اليمن، في غضون ذلك يأتي تواجد السعودية والإمارات في اليمن في المرتبة الثانية بهدف تدمير البنية التحتية اليمنية ونهب ثروات هذا البلد.
لدى السعودية طموحات كبيرة وجشع في دولة الإمارات الصغيرة، ولا سيما مكانتها في التجارة العالمية وسوق النفط والطاقة، واليوم تحاول فرض هيمنتها على الإمارات أكثر من أي وقت مضى، خاصةً أن محمد بن سلمان ولي العهد السعودي يحاول اليوم أكثر من أي وقت مضى تعزيز مصداقيته الدبلوماسية وتحسين صورته أمام الأمريكيين والمجتمع الدولي.
وفي الوقت نفسه، يستعد ابن سلمان للجلوس على العرش في السعودية، وبدأ العمل في هذا المجال منذ بضعة أشهر عبر تحسين علاقات السعودية مع تركيا وقطر، وكذلك مع سلطنة عمان التي اتبعت دائماً مسارها في دول مجلس التعاون، بغض النظر عن سياسات الإمارات أو السعودية.