الوقت - بلغت الأزمة في المشهد السياسي الأفغاني ذروتها هذه الأيام، ويبدو أن البلاد على وشك تكرار تجربة تاريخية مريرة تسمى سقوط الحكومة المركزية بعد انسحاب القوات الأجنبية.
ففي معادلة هذا البلد نشهد يوميا تراجع قوة الحكومة مقابل تنامي قوة حركة طالبان وتقدمها. والوضع الآن مهيئ أكثر من أي وقت مضى لسيناريو حرب أهلية محتملة في أفغانستان.
تدعي طالبان السيطرة على 85 في المئة من أراضي البلاد وتعد جميع الدول الأجنبية بأنها ستقوم بتوفير الامن للحدود. ومن ناحية أخرى يبدو أن الجهات الأجنبية الفاعلة في طريقها لقبول انتصار طالبان والتفاوض مع الحركة كحكام جدد لأفغانستان.
وفي هذا الصدد أجرى موقع الوقت حوارا مع "بير محمد ملازهي" الخبير في شؤون أفغانستان، للوقوف عند أبعاد وتفاصيل الأزمة في أفغانستان. حيث يعتقد ملازهي أنه ليس من السهل على طالبان الوصول إلى السلطة كما تصوره بعض وسائل الإعلام، لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة هي الخاسر الرئيسي في أفغانستان بعد عام 2001.
طالبان تخطط لانتقال سياسي
وفيما يتعلق بمواقف طالبان من السيطرة على 85 في المئة من الأراضي الأفغانية والتعامل البناء مع الجهات الفاعلة المحلية والأجنبية الأخرى، قال ملازهي: يجب تقييم طالبان وتحليلها من المنظور الأيديولوجي والسياسي. فمن الناحية الأيديولوجية، لم تتغير حركة طالبان كثيراً في مواقفها المبدئية وواصلت التأكيد على نيتها تشكيل إمارة إسلامية وكل ما يتعلق بها.
وأضاف: ان حقوق مختلف الأعراق والأقليات، وحقوق المرأة، وإنجازات السياسيين الديمقراطيين الليبراليين في السنوات العشرين الماضية، والحريات المدنية، وحرية الحجاب، وما إلى ذلك، لا تتوافق مع البعد الأيديولوجي لحركة طالبان، و المهم لديهم أن يصلوا إلى السلطة، وعدم مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية ساهم في تغير نظرتهم السياسية. ومع ذلك، فقد أصبحت حركة طالبان أكثر نضجاً سياسياً مما كانت عليه في الماضي وتعتزم تقليل قيودها الواسعة النطاق على الحريات المدنية. أو على الأقل ان يظهروا في الوضع الحالي أكثر اعتدالًا نسبياً.
أمريكا الخاسر المطلق في المشهد السياسي الأفغاني
وفي جانب آخر من حديثه حول تصريحات إدارة بايدن بشأن تنامي قوة طالبان وانسحابها من البلاد، أكد الخبير الأفغاني: الحقيقة ان الاميركيين فشلوا في تحقيق اهدافهم في افغانستان. لكن واشنطن لم تقبل الهزيمة العسكرية على عكس الاتحاد السوفيتي والانكليز في القرن التاسع عشر. واستناداً إلى التجارب التاريخية للروس والبريطانيين اتخذ الأمريكيون قراراً سياسياً بالتفاوض مع طالبان قبل أن يحل بهم المصير نفسه، وتصبح أفغانستان فيتنام أخرى لهم، فاختارت مسار التفاوض الذي بلغ ذروته في اتفاق الدوحة. لكن يجب الانتباه إلى أن انسحاب الولايات المتحدة لا يعني عدم هزيمتها. ففي الرؤية الواقعية ان واشنطن فشلت في تحقيق أهدافها.
أرادت الولايات المتحدة تحويل أفغانستان إلى يابان المنطقة، لكن الحقيقة هي أنها فشلت فشلاً ذريعاً في خطتها لبناء الدولة. كان واشنطن تطلق في الماضي شعار القضاء على جميع القوى المتطرفة والإرهابية، لكننا الآن نرى أنها تفاوضت وتوصلت إلى اتفاق مع القوى نفسها.
الحرب الأهلية مرجحة
وقال الخبير في شؤون أفغانستان حول مستقبل أفغانستان السياسي، أنا مقتنع بأن طالبان لم تتحرك خارج اتفاق الدوحة حتى الآن. فهناك جزء من هذا الاتفاق لم يتم الكشف عنه.
من الممكن في الجزء السري قد تم الحديث عن وصول طالبان إلى السلطة، لكن كيف سيتم تحقيق هذه الامر؟. فمن المشكوك فيه أن يكون ذلك عن طريق العمليات العسكرية أو من خلال الانتخابات. لكن إذا كانت طالبان ستدخل في حكومة ائتلافية أو ستصل إلى السلطة في اطار حكومة ائتلافية مع سقوط الحكومة الحالية أمر محط للنقاش والتكهنات.
ومع ذلك، إذا كانت تستند إلى القوة العسكرية، يبدو أن طالبان قادرة على الاستيلاء على كابل بسهولة، لكنني أعتقد أن النمط الحالي هو أن طالبان تركز جهودها حالياً على السيطرة على المناطق الحدودية حيث سيطرت خلال الايام القليلة الماضية على الكثير من المناطق الحدودية.
وأضاف: بشكل عام وفي مثل هذه الأجواء يبدو هناك حلان. الأول هو حل سياسي يمكن متابعته في اطار مفاوضات داخلية أفغانية، وهو ما انعكس في المحادثات بين الجانبين في طهران خلال اليومين الماضيين.
الحل الآخر هو الحل العسكري، الذي يفترض مسبقاً السيطرة العسكرية على كابل. لكن الحل العسكري لطالبان لن يكون بدون ثمن، ومن المحتمل أن تندلع حرب أهلية في أفغانستان عندها لن تتمكن طالبان من تحقيق مكاسب كبيرة في هذا الصراع.
بل هناك احتمال أن يتم تقسيم أفغانستان إلى خراسان وبشتونستان، وهذا ليس بالسيناريو الأفضل لطالبان. حتى أن تفكك أفغانستان سيشكل مخاطر جسيمة على المنطقة ككل، وقد تضطر الجهات الفاعلة الإقليمية والاجنبية إلى التدخل في حالة اندلاع حرب أهلية.
بشكل عام يمكن استنتاج أن اتفاق الدوحة ممكن أن يتم تنفيذه على المدى القصير، وأنه من المحتمل تشكيل حكومة مؤقتة بقيادة طالبان بعد سقوط الحكومة المركزية الحالية. ولكن على مستوى آخر من الممكن أن تتدخل طالبان لاحتكار السلطة والسيطرة على السياسة والحكم في أفغانستان ، وتحويل البلاد رسمياً إلى مركز قوة أحادية الجانب.