الوقت_ في ظل التقارب الروسيّ – الأمريكيّ الملموس في الملف السوريّ، وخاصة عقب تقديم مشروع قرار مشترك في مجلس الأمن الدوليّ حول تمديد آلية إدخال المساعدات الدولية إلى سوريا عبر معبر باب الهوى، والذي جاء بعد أسابيع من الصراع في أروقة المجلس، وتلاه اتصال هاتفيّ بين الرئيسين الروسيّ فلاديمير بوتين والأمريكيّ، جو بايدن، حول القضية نفسها، زعم مساعد وزير الخارجية الأمريكيّ جوي هود، أن "واشنطن لا تسعى لتغيير حكومة الرئيس السوريّ، بشار الأسد، بل لتغيير سلوك حكومته”، مدعيّاً أنّ الولايات المتحدة تدعم عمليّة سياسيّة تقودها الأمم المتحدة لإيجاد حكومة تمثل الشعب السوريّ.
لم تعد تصريحات الولايات المتحدة الأمريكية تنطلي على أحد في هذه الأيام، بسبب تاريخها الدمويّ والقذر في تدمير الدول وحصار الشعوب واغتيال السلام، وباعتراف مسؤوليها هي التي أسست ونظمت وسلحت تنظيم "داعش" الإرهابيّ وقامت بزرعه في المنطقة، وسهلت ويسرت لجميع الإرهابيين والمجرمين والمنحرفين فكريّاً وأخلاقيّاً الانضمام لهذا التنظيم، وساعدتهم بقوة في التغلغل داخل الأراضي العراقيّة والسوريّة، بهدف إثارة الفوضى وتفتيت الجيوش النظاميّة واستنزافها، وبعد فشل التنظيم الإرهابيّ رغم عملياته الاجراميّة الكثيرة وتمدده لسنوات على الارض وسيطرته على العديد من المدن، قامت واشنطن بتنفيذ السيناريو الذي وضعته أجهزة المخابرات، ونشرت قواعدها وقواتها المُحتلة بشكل غير شرعيّ تحت عنوان "محاربة داعش"، لتحقق مؤامراتها في تدمير الدول التي تعتبر معادية لها وللكيان الصهيونيّ المجرم فتنهب خيراتها وتحاصر شعبها وتحاول القضاء على دورها.
لذلك، لا يمكن الوثوق بتصريحات أمريكا التي فرضت عقوبات اقتصاديّة على العديد من المسؤولين السوريين منذ بداية الأزمة، والتي دعت على لسان الرئيس السابق باراك أوباما الرئيس السوري بشار الأسد إلى قيادة عملية الانتقال أو الانسحاب، والتي تنقل سفيرها في دمشق، روبرت فورد، دون إذن رسميّ في محافظة حماة وشارك بإحدى مظاهراتها بعد أشهر على بدء لهيب "الربيع العربيّ" في البلاد، ناهيك عن الدعم العسكريّ والاستخباراتيّ والعقوبات الكثيرة لإسقاط دمشق، وقد تلا تلك التدخلات دعوات كثيرة لرحيل الرئيس السوريّ في تدخل أمريكيّ سافر ومعهود ضد العواصم التي ترفض الخنوع للإملاءات الأمريكيّة والصهيونيّة.
كما أنّ تصريحات مساعد وزير الخارجية الأمريكيّ، جوي هود، التي نقلها عن وزير الخارجية الأمريكيّ، أنتوني بلينكن، تشير بحسب زعمهم إلى أنّ "سياسة أمريكا في سوريا لا تهدف لتغيير النظام الحاكم في البلاد"، وإنما تغيير ما يصفوه "سلوك الحكومة السورية" عبر عملية سياسيّة تقودها الأمم المتحدة، وتؤدي إلى حكومة تمثل وتحمي السوريين، وتقدم المساعدات، ولا تسجن السياسيين ولا تعذب شعبها، لكن الحقيقة هي أنّ الولايات المتحدة لا ترغب بوجود عاصمة معادية للكيان الإرهابيّ الذي يحتل الأراضي السوريّة واللبنانيّة والفلسطينيّة، ويقتل الأبرياء ويدمر منازلهم ويطردهم من ديارهم.
وفي الوقت الذي أكّد فيه مساعد وزير الخارجية الأمريكيّ أنّ قوات الاحتلال الأمريكيّ لن تخرج من شمال شرق سوريا، وستواصل العمل مع ما تسمى “قوات سوريا الديمقراطية” الانفصاليّة، تشدّد الجمهوريّة العربيّة السوريّة على أنّ الاحتلالين الأمريكيّ والتركيّ لأجزاء من الأراضي السورية يمثل أهم أسباب إطالة أمد الأزمة في سوريا، ناهيك عن مواصلتهما نهب الثروات السورية، فيما تعتبر دمشق أنّ الحملة المسعورة الخاصة بالوضع الإنسانيّ في البلاد تمثل أبشع أشكال النفاق، ويتجاهل أصحابها أنهم السبب الأساس في معاناة السوريين جراء دعمهم للإرهاب.
في النهاية، "المسعى الأمريكيّ لم يتغير بالفعل"، لكن ليس بالاستناد إلى وجهة النظر الأمريكيّة، فالوقائع تغيرت لكن السياسة الأمريكيّة تبقى نفسها، كيف لا؟ وواشنطن عملت كل ما بوسعها لإسقاط الحكومة السوريّة المقاومة من خلال دعم التنظيمات الإرهابيّة بشكل لا محدود بالتعاون مع دول معروفة، ولكن الآن وبعد أكثر من 10 سنوات من الانتصارات التي حققها الجيش السوريّ وداعموه من الحلفاء وبالأخص محور المقاومة، وعقب الفوز الساحق الذي حققه الرئيس الأسد في الانتخابات الرئاسية الأخيرة تيقن الأمريكيون أنّ دمشق حصن منيع أكثر مما تخيلوا، لهذا من غير المنطقيّ الوثوق بتصريحات الولايات المتحدة، والمهم هو أنّ الحكومة والشعب السوري أدركوا من تغيير الموقف الأمريكيّ أنّهم اختاروا الطريق الصحيح ويمكن أن يتحدوا ويقطعوا يد التدخل الأجنبيّ من بلادهم، وكما يقول المثل العربيّ "من يجرَّب المجرَّب، فعقله مخرَّب".