الوقت- بعد أكثر من عام على اعتقالهم دون توجيه أي تهمة، جاءت الاتهامات من المدعي العام السعودي في الرياض قاسية لـ68 معتقلا، منهم أردنيون وفلسطينيون وبعض الكفلاء السعوديين في الثامن من مارس/آذار الماضي. ووفق ما كشفه نجل أحد المعتقلين، لم يسمح لأهالي المعتقلين بحضور الجلسة ولا بحضور محامي الدفاع عن المتهمين. ووجه المدعي العام السعودي عدة تهم للمعتقلين، أبرزها الانضمام لكيان إرهابي، وقيادة ودعم وتمويل كيان إرهابي، والتستر على المعلومات، في إشارة إلى حركة المقاومة الإسلامية "حماس". وتتراوح الأحكام القضائية حسب التهم الموجهة للمتهمين بالسجن بفترات تصل إلى أكثر من 20 عاما، وتبدأ بثلاث سنوات، حسب ما تحدث به محامون لذوي المعتقلين. ويحاكم المعتقلون دون توكيل محامين للدفاع عنهم، إذ منعت السلطات السعودية محامين سعوديين من المرافعة عن المتهمين أو حضور الجلسة، وقررت المحكمة عقد الجلسة المقبلة في منتصف رمضان.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من التقارير الاخبارية أن السلطات السعودية شنت حملة اعتقالات طالت نحو 70 أردنيا وفلسطينيا، بدأتها منذ فبراير/شباط من العام الماضي، وأفرجت عن ثلاثة منهم فقط نهاية العام الماضي. ومن جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي "حلمي الأسمر" أن المحاكمات التي تجري بحق المعتقلين الأردنيين والفلسطينيين، سياسية وليست قضائية أو جنائية. وقال "الأسمر"، إن "أغلب المعتقلين عاشوا في السعودية لسنوات طويلة، ومارسوا العمل الخيري على مرأى ومسمع من السلطات السعودية، التي ساعدتهم في وقت سابق". ويتابع الكاتب أن "الاعتقالات جاءت لإرضاء جهات خارجية وإرسال رسائل لعدة جهات، والواضح أن المقصود من الاعتقالات والمحاكمات هما حماس وجماعة الإخوان المسلمين، لكن لم تذكر السلطات السعودية الاسمين صراحة لشعورها ربما بالخجل".
وعلى صعيد متصل، طالب العشرات من ذوي الموقوفين الأردنيين والفلسطينيين لدى السعودية بالافراج الفوري عن ذويهم ومحاسبة السلطات السعودية، حيث شارك العشرات منهم، يوم الأحد الماضي، في وقفة قرب سفارة الرياض بالعاصمة الأردنية عمّان؛ احتجاجا على تأجيل النطق بالحكم بحق عشرات الموقوفين الأردنيين والفلسطينيين منذ نحو عامين لدى السلطات السعودية. وذكرت مصادر اخبارية، بأن العشرات من ذوي الموقوفين الأردنيين والفلسطينيين لدى السعودية، تجمهروا قرب سفارة الرياض بعمان، رافعين صور أبنائهم، ومطالبين بإنهاء قضيتهم، والإفراج عنهم. وعلى هامش هذه الفعالية، قال "خضر المشايخ"، رئيس لجنة المعتقلين الأردنيين بالسعودية: "نحن هنا اليوم لنوصل رسالة إلى الملك سلمان بن عبد العزيز والسعودية أن أهالي المعتقلين الأردنيين باتوا يضيقون ذرعا بتأجيل المحاكمات للمرة الثانية". وأضاف المشايخ: "إن كان هناك أي جرم فإننا ندعو لمحاكمة أبنائنا، نعتقد بأنهم لم يقوموا بأي عمل يجرمون عليه".
من جانبها، قالت شقيقة أحد المعتقلين: "متأكدون بأن الموقوفين بريؤون من كل التهم المنسوبة إليهم، وأنا كنت أعيش في السعودية وأعلم مدى انتمائهم لدينهم ووطنهم ولكل أمتهم". فيما دعت مشاركة أخرى في السبعينيات من عمرها، تدعى "عبير الدقس"، السلطات السعودية إلى العفو عن أبنائهم. ولم تصدر الرياض أي تعليق منذ بدء الحديث عن القضية قبل أكثر من عامين، وحتى اليوم، لكنها عادة ما تزعم أن الموقوفين لديها تتعامل معهم المحاكم المختصة. وفي 21 يونيو الماضي، أجلت محكمة سعودية جلسة النطق بالحكم بحق الموقوفين الأردنيين والفلسطينيين، إلى 3 أكتوبر المقبل، وذلك للمرة الثانية، بعدما كانت قد أجلته مرة أولى في فبراير 2021.
وعلى هذا المنوال نفسه، طالب أهالي المعتقلين في الوقفة التي أطلقت عبر تطبيق "زوم" مساء الثلاثاء الماضي، بضرورة إطلاق سراح أبنائهم، في ظل ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا داخل المملكة السعودية. وتحدث الأهالي عن أن أزمة المعتقلين تتعمق إذ يغيب أبناؤهم عن بيوتهم للعام الثاني على التوالي، مع غياب محاكمة عادلة لهم. وتتزايد مخاوف ذوي المعتقلين بعد الانتشار الواسع والسريع لفيروس كورونا في السعودية، وخاصة أن الوباء ينتشر في الأماكن المكتظة كالسجون. وقد دعوا للإفراج عن المعتقلين الأردنيين والفلسطينيين. وكشف ذوو المعتقلين أنه ثبت وجود إصابة بفيروس كورونا في إحدى الطائرات التي نقلت بعض المعتقلين من الرياض إلى منطقة جدة، وجرى تعقيمها لاحقا. وتعتقل السلطات السعودية 68 شخصا في ثلاثة سجون، بتهم فضفاضة، أبرزها الانضمام لكيان إرهابي.
وفي هذا السياق نفسه، شهدت الساحة الفلسطينية والعربية في الفضاء الالكتروني تفاعلا كبيرا مع قضية المعتقلين الفلسطينيين في المملكة العربية السعودية، دون أي تهمة أو سبب. وعبر هاشتاغ "#الحرية_للمعتقلين_الفلسطينيين_ والاردنيين_في_السعودية"، غرد العديد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، للتعبير عن تضامنهم مع هؤلاء الأسرى، مطالبين بسرعة الإفراج عنهم. ومن جهتها، أكدت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على لسان المتحدث باسمها "حازم قاسم"، أن "استمرار اعتقال السلطات السعودية لعشرات الفلسطينيين، دون أي تهمة أو ذنب وفي ظروف اعتقال قاسية، خطيئة قومية وتعارض قيم العروبة". ونوّه، بأن "هؤلاء المعتقلين عملوا لمصلحة القضية الفلسطينية وفي إطار القوانين السعودية"، داعيا السلطات السعودية "إلى الإفراج الفوري عنهم".
بدورها، أدانت بشدة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، على لسان مسؤول مكتبها الإعلامي القيادي "داود شهاب"، استمرار اعتقال السلطات السعودية لعدد من الفلسطينيين على رأسهم الدكتور "محمد الخضري"، الذي يستمر اعتقاله دون أي مبرر ودون أي جريمة .وأكد، أن "هذه الاعتقالات هي في سياق التضييق على كل من يدعم الشعب الفلسطيني، وكل من يساند المقاومة المشروعة، وهي تمهد الطريق أمام إقامة علاقات تطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي". بدورها، عبرت حركة الأحرار على لسان الناطق باسمها "ياسر خلف"، عن إدانتها ورفضها "لاعتقال السعودية للفلسطينيين دون أدنى سبب أو أي خطأ ارتكبوه"، معبرا عن أسفه؛ لأن "هذه الاعتقالات تمثل وصمة عار على جبين أنظمة التطبيع التي تسعى من خلال اعتقال وتجريم الفلسطيني للتقرب من الاحتلال". وشدد في حديثه، على "رفض محاولات البعض شيطنة الفلسطيني وتشويه صورة شعبنا ونضاله".
ومن جهة أخرى، حذرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية من أن المحاكمة الجماعية التي تنظمها السلطات السعودية لعشرات المعتقلين الفلسطينيين والأردنيين المقيمين على أراضيها، تثير مخاوف خطيرة من حصول انتهاكات في إجراءاتها القانونية. وقالت المنظمة في بيان لها إنه بعد عامين من احتجاز هؤلاء المعتقلين دون تهمة، بدأت محاكمات سرية لهم في 8 مارس/آذار الماضي، بناء على ادعاءات غامضة تتعلق بصلاتهم مع "كيان إرهابي" لم يُكشف عن اسمه. وأضافت أن سجل السعودية الطويل في مجال "المحاكمات الجائرة" يثير الشكوك بأن المعتقلين سيواجهون تهما ملفقة وخطيرة وعقوبات قاسية. ونقل بيان "هيومن رايتس ووتش" شهادات لبعض أُسر المعتقلين، تشير إلى حصول عمليات تعذيب لهم، وأن أحد المعتقلين روى كيف كان المحققون السعوديون يوقظونه فجرا ويضعون رأسه في الماء الساخن، وأحيانا يعلقونه رأسا على عقب لمدة يومين.
ويرى العديد من المراقبين أن المحاكمات الَّتي يتعرض لها الفلسطينيون في السعودية لا يمكن أن توصف إلا بكونها محاكمات سياسية وقمعية غير عادلة، وتشكّل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي والإنساني بالدرجة الأولى، وليس لها تفسير إلا التماهي مع أهداف الإدارة الأمريكية الرامية إلى تقويض وتجفيف منابع الدعم للمقاومة الفلسطينية، وهي تبنٍ للموقف الإسرائيلي الذي يعتبر المقاومة الفلسطينية إرهاباً، لأن قيام أيّ إنسان بدعم الشعب الفلسطيني لا يعتبر جرماً يحاسب عليه القانون، ولا يعد موضع شُبهة في الأساس. وأشار المراقبون إلى أن الهدف من هذا السلوك السعودي المشين تجاه كل من يدعم فلسطين ومقاومتها، هو التقرب إلى الاحتلال الصهيوني، ويكشف زيف المواقف التي تبيعها السعودية للقضية الفلسطينية، بل يعد تنصلاً صريحاً من تبني القضية الفلسطينية كقضية مركزية لها عمق عربي وإسلامي.
وفي الختام يمكن القول إن السعودية اليوم في عهد "بن سلمان" تمارس دور الوكيل عن الاحتلال، وهي في الوقت ذاته تفتقد إلى القضاء العادل والشفاف، في ظل إجراء محاكمات سرية من دون توكيلات للمعتقلين، ومنعهم من حضور جلسات المحاكمة. وهذا السلوك يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن القضاء السعودي غير مستقل، ويتبع بشكل مباشر للتوجهات السياسية السعودية الجديدة في التعاطي مع القضية الفلسطينية، وليس لأسباب أمنية، كما تزعم بعض الأوساط السعودية، فما يجري اليوم من ملاحقة واعتقال هو محاولة صريحة لإيقاف كل ما يمكن أن يقوي ويعزز حضور ودعم القضية الفلسطينية والتعاطف معها في داخل السعودية.