الوقت- يبدو أن البالونات الحرارية أصبحت الشغل الشاغل للحكومة الاسرائيلية الجديدة، إذ لم تجد الحكومة الجديدة أو حتى كيان العدو برمته أي وسيلة لتضييق الخناق على الفلسطينيين من جديد وتهديدهم بالقصف الصاروخي، إلا من خلال وضع شروط ومعادلات جديدة. قوام المعادلة الجديدة: مقابل كل بالونة حارقة صاروخ حارق خارق متفجر.
لا تثبت هذه المعادلة الجديدة سوى المزيد من فشل الحكومة الاسرائيلية الجديدة، وعجزها عن مواجهة المقاومة، وما حصل في الحرب الاسرائيلية الاخيرة على القطاع خير دليل على ذلك، لدرجة أن الاحتلال بدأ يقصف المدنيين ومنازلهم، بعد أن فشل في استهداف المقاومة بشكل مباشر، وأُجبر تحت الضغط على انهاء هجومه الهمجي على القطاع، ونظراً لأن الاحتلال لا يزال يعاقب القطاع ويحاصره ويطبق الخناق على المدنيين في غزة، ما كان من السكان سوى التعبير عن غضبهم من خلال إطلاق بالونات خارقة، لفك الحصار.
وفيما كانت الحكومة السابقة تكتفي بالرد على بالونات الفلسطينيين بالعقوبات، فقد اختارت حكومة نفتالي بينيت، أمام ضغوط حزب الليكود المستمرة، معادلة جديدة وأكثر تطرّفا في الرد تقوم على مواجهة البالونات بالقذائف والصواريخ لإثبات أنها لا تقلّ يمينية عن سابقتها، ما يزيد الاحتمالات من نشوب صراع جديد يطيح بمكاسب التهدئة الأخيرة.
في الحقيقة إن البالونات الحارقة التي تطلق من قطاع غزة تجاه أراضي المستوطنين تؤثر بشكل فعلي على أمن الاحتلال وتجعله يتخبط، ويبحث عن طرق لإيقاف إطلاقها، وقد شكلت البالونات نموذجاً جديداً في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
الاحتلال الإسرائيلي حاول التعبير عن غضبه من إطلاق البالونات الحرارية من قطاع غزة تجاه الأراضي المحتلة، من خلال استهداف مواقع عسكرية فارغة تتبع للمقاومة، وهذا بحد ذاته يعبر عن الفشل الذريع في مواجهة مطلقي تلك البالونات، في ظل خوف سكان مستوطنات غلاف غزة من وصول الحرائق لمنازلهم بعد وصولها لأراضيهم.
إن تهديد قيادة الجيش الإسرائيلي مطلقي البالونات الحرارية بالاغتيال المباشر، يعبر عن مدى تأثيرها على أمنهم، وفقدانهم السيطرة عليها؛ فالاحتلال يقف حائراً أمام هذه الأداة الجديدة التي يستخدمها الثوار في مسيرة العودة الكبرى، كونها تكبدهم خسائر مادية كبيرة، وعدم التصدي لها، قد يوقع حكومة الاحتلال في أزمة حقيقية مع سكان مستوطنات غلاف غزة الذين يتعرضون للضرر بشكل كبير.
حكومة نفتالي بينيت - لابيد، أظهرت وحشية وتطرفاً، أشد من حكومة نتنياهو، حين هاجمت طائرات حربية إسرائيلية مواقع في القطاع رداً على إطلاق بالونات حرارية من غزة.
الحكومة الإسرائيلية أعلنت أنها ستتعامل مع البالونات الحرارية، مثلما لو أنها صواريخ تطلق من غزة، وأنها سترد بقسوة أكبر على ذلك، وقد فعلت ذلك بالممارسة، بما يشير إلى أن حكومة الرأسين تسعى لفرض معادلة هدوء تام مقابل هدوء، التي يرفضها الفلسطينيون، ونجحوا في تغييرها خلال العدوان الأخير.
وتجمع أوساط سياسية على أنه لا حركة حماس ولا إسرائيل معنيتان حاليا بتصعيد عسكري يتطور إلى عملية عسكرية إسرائيلية أو حتى حرب واسعة في قطاع غزة، حيث ينشغل الطرفان باستغلال نتائج الحرب الأخيرة لتحقيق مكاسب داخلية والاستفادة من نتائجها لتقوية حضورهما في المشهد، إضافة إلى مساعيهما استرضاء المجتمع الدولي الذي شدد على ضرورة التهدئة والالتزام بقرار وقف إطلاق النار.
غير أن تجربة السنوات السابقة في العلاقة بين إسرائيل وغزة تظهر أن أحداثا صغيرة يمكنها التحول إلى صراع عسكري واسع.
وحركت أحداث الأيام الأخيرة أمرين، الأول هو وجود حكومة جديدة يقودها اليميني نفتالي بينيت، الذي يريد تحت ضغط الانتقادات من حزب "الليكود" اليميني المغادر للسلطة، إثبات أن حكومته لا تقل يمينية عن سابقتها.
أما الثاني، فهو أن تشكيل الحكومة جاء مباشرة في ذروة الاتصالات التي تقودها مصر لتثبيت وقف إطلاق النار المتوصل إليه آواخر مايو/أيار الماضي، وتريد "حماس" التأكد من أن إسرائيل ستفي بما فيه من التزامات تجاه غزة ووقف التصعيد بالقدس.
وردا على التصعيد الإسرائيلي بمدينة القدس الشرقية، يطلق فلسطينيون بالونات حارقة باتجاه إسرائيل. ولكن اعتماد الحكومة الإسرائيلية معادلة التعامل مع البالونات الحارقة كما التعامل مع الصواريخ قد يزيد الأمور تعقيدا.
حزب "الليكود" اليميني برئاسة رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو، شدد من الضغوط على الحكومة الجديدة، بهدف إسقاطها بأسرع وقت.
وغرد القيادي في الحزب، يسرائيل كاتس، الجمعة قائلا: "اندلعت خمسة حرائق (..) بمناطق زراعية في غلاف غزة نتيجة بالونات حارقة. لقد مات الردع الذي بُني في عملية حارس الأسوار"، في إشارة للحرب الأخيرة على القطاع.
وأضاف كاتس: "بعد حارس الأسوار قررنا تغيير القواعد. مقابل كل هجوم على إسرائيل، سيتم تنفيذ اغتيالات موجهة وهجمات واسعة النطاق على أهداف حماس. ليس في مناطق فارغة".
وكانت الحكومة السابقة تقصف ردا على الصواريخ في حين تقوم بعقوبات ردا على البالونات الحارقة بينها منع دخول وقود وبضائع وإغلاق منطقة الصيد في بحر غزة، وهو ما يختلف عن نهج الحكومة الجديدة.
محلل الشؤون الأمنية في صحيفة "معاريف" آفي ايسخاروف، أفاد قائلا: "تحاول الحكومة الإسرائيلية الجديدة فرض معادلة جديدة بموجبها سيتم القصف ردا على البالونات الحارقة التي يتم إطلاقها و التعامل معها معاملة الصواريخ".
إن التهديد بتصعيد جديد وضع علامة استفهام على مزاعم الجيش الإسرائيلي بالنصر.
وفيما لم تأمر قيادة حماس، رغم تهديداتها بالتحرك من أجل القدس، بإطلاق صواريخ على المدينة، واكتفى الفلسطينيون بإرسال بالونات حارقة إلى الحقول الإسرائيلية عبر الحدود، اختارت إسرائيل الرد الذي كان أكثر شراسة من المعتاد لكنه محسوب، وهي غارة جوية على مجمعات حماس العسكرية في غزة دون إلحاق إصابات، على أمل أن تصل الرسالة للفصائل الفلسطينية.
لا يروق لحكومة بينيت أن تبادر مصر التي تتولى الملف، إلى فتح المعابر، أمام تدفق البضائع ومواد البناء، والبدء بعملية إزالة الركام تمهيداً لإطلاق عملية إعادة البناء. تخشى إسرائيل أن يؤدي ذلك إلى وصول المواد اللازمة لإعادة ترميم الأنفاق، وتعزيز قدرات المقاومة طالما أن الأمر يتم دون إشراف من قبلها أو من قبل المجتمع الدولي.
هذا يعني أن عوامل التفجير قائمة، فلا المقاومة ستقبل باستمرار الوضع على ما هو عليه، حيث الحصار، وتعطيل إدخال الأموال ال قطرية، وأموال إعادة الإعمار، مع استمرار العدوان الإسرائيلي والقمع والاستيطان على كل الجبهات الفلسطينية. كما أن إسرائيل لا يمكن أن تتخلى عن سياستها وطبيعتها الاحتلالية العدوانية والعنصرية، وبأن يفلت ملف غزة من سيطرتها.
وحتى الآن أظهر الفلسطينيون استعداداً لضبط النفس، ومراعاة الموقف والدور المصري، الذي يسعى وراء النجاح في المهام التي أوكلها إليه المجتمع الدولي والإقليمي، لتثبيت الهدوء، ومعالجة بقية الملفات المرتبطة به، ولكن لا أحد يضمن استمرار سياسة ضبط النفس إذا واصلت إسرائيل التصعيد من جانبها.
من الواضح أن حكومة بينيت، محكومة لمعادلات الوضع الداخلي الإسرائيلي لكونها في العموم تعكس تطرف المجتمع والسياسة، وأن مبرر وجودها واستمرارها مرهون بأن تقود سياسة أكثر تطرفاً من سياسة الحكومة التي أدارها نتنياهو. في الواقع فإن ثمة صعوبات جمة أمام إمكانية أن تقود الوساطات والضغوط الدولية والإقليمية، إلى أن يتم تذليل العقبات التي تعترض، فتح المسار السياسي، الذي يؤكده المجتمع الدولي.