الوقت- بعد أن أعلن الكيان الصهيونيّ الغاصب، في وقت سابق، عن وجود اتفاق مع السلطة الفلسطينية لتقديم مليون جرعة من لقاح "فايزر" المضاد لفيروس كورونا، أعلنت رام الله مؤخراً إلغاء اتفاقها مع تل أبيب لتسلم المليون جرعة لأن صلاحيتها شارفت على الانتهاء، حيث ألقت تلك القضية الضوء على فعاليّة الاتفاقات التي توقعها السلطة الفلسطينيّة مع العدو المجرم الذي لا يكف عن ارتكاب شتى أنواع الجرائم بحق الفلسطينيين والتي كان آخرها العدوان الغاشم على قطاع غزة المحاصر، والذي راح ضحيته مئات الشهداء (نصفهم من الأطفال والنساء) وآلاف الجرحى مع دمار هائل في البنية التحتيّة، كما أنّ العدو الغاصب يواصل منع دخول المرضى من قطاع غزة لمستشفيات الضفة المحتلة والداخل المحتل للعلاج.
وإنّ الفضيحة الإسرائيليّة الأخيرة تحمل رسائل شديدة الوضوح للفلسطينيين، الأولى هي أنّ أرواحكم ليست مهمة بالنسبة لنا، وأنّ "الأبارتايد الإسرائيليّ" أو نظام الفصل العنصريّ يدخل في أدق التفاصيل وبالأخص تلك التي تمس المرضى وأرواح الأبرياء، والرسالة الأخرى هي أنّ كل الاتفاقات التي نوقعها مع السلطة الفلسطينيّة لا تعدو عن كونها حبراً على ورق العدو المسيطر، في الوقت الذي يجب أن يكون التنسيق بين السلطة وبقية الفصائل الفلسطينيّة من أجل تحدي الاحتلال القاتل ومقاومة التهويد والضم والاستيطان المستمر.
والدليل على ذلك ما أفاد به المتحدث الرسميّ باسم الحكومة الفلسطينيّة، إبراهيم ملحم، في مؤتمر صحفي مشترك مع وزيرة الصحة مي الكيلة، حيث تحدث أنّه بعد فحص الدفعة الأولى من لقاحات فايزر من قبل الطواقم الفنيّة في وزارة الصحة، تبين أنها غير مطابقة للمواصفات الواردة بالاتفاق، وأكّد أنّ الحكومة ترفض تلقي لقاحات تشارف صلاحيتها على الانتهاء.
وفي الوقت الذي أشار فيه ملحم إلى أنه جرى تسلم 90 ألف جرعة من تل أبيب، لم يوضح تاريخ انتهاء صلاحية اللقاحات، فيما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور تظهر عبوات لقاح فايزر كتب عليها "حزيران/ يونيو 2021"، فيما تتحدث وزارة الصحة الفلسطينيّة عن مبادرة من شركة فايزر لتبادل جرعات لقاح بين الكيان الصهيونيّ والسلطة الفلسطينية، وافقت الأخيرة عليها لتسريع حملة التلقيح، وقد أوضح المتحدث الرسميّ باسم الحكومة الفلسطينية أنّ بلاده تنتظر مختبر فايزر لتسليم اللقاحات المطلوبة بشكل مباشر، دون أن يحدد موعد ذلك.
وفي استخفاف فاضح بأرواح الفلسطينيين مقابل أرواح المحتلين، وفي تأكيد جديد على أنّ حقوق أصحاب الأرض الفلسطينيين أقل بكثير من حقوق الصهاينة، تحدث مكتب رئيس الوزراء الصهيونيّ ووزارتا الدفاع والصحة في بيان مشترك قبل أيام، أن العدو سيحصل مقابل اللقاحات التي اقترب انتهاء صلاحيتها على نفس الكمية من جرعات فايزر في شهري أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر 2021، بمعنى آخر اللقاحات المنتهية الصلاحية للفلسطينيين، مقابل جرعات جديدة للصهاينة.
وفي ظل رفض وزارة الصحة التابعة للعدو التعليق على تصريحات الجانب الفلسطينيّ، زعم وزير الصحة الصهيونيّ الجديد، نيتسان هورويتز، عبر تويتر، أن فيروس كورونا لا يعرف حدوداً ولا يميّز بين الشعوب، مدعيّاً هذا التبادل المهم للقاحات في مصلحة الطرفين، لكن الحقيقة أنّ تبادل اللقاحات مع العدو هي من مصلحة الصهاينة فقط لأنها تقدم لهم لقاحات جديدة مقابل لقاحات فاسدة للفلسطينيين.
وعلى ما يبدو فإنّ الوزير الصهيونيّ لا يتابع إعلامه العبريّ الذي فضح قادة الاحتلال بسبب ما اقترفوه من جرائم ضد الإنسانيّة بحق الفلسطينيين، وبالأخص المرضى منهم، حيث توفي بعضهم في قطاع غزة المحاصر، نتيجة رفض سلطات العدو منحهم تصريحاً للخروج وتلقي العلاج الطبيّ بالعاصمة الفلسطينيّة القدس،فعن أي "مصلحة مشتركة" يتحدث الصهاينة، الذين أدهشوا العالم بإجرامهم غير الموصوف وعنصريّتهم غير المألوفة.
ويرى الفلسطينيون أنّ تلك القضيّة تُضاف إلى ملف الإجرام الكبير للكيان الصهيونيّ العنصريّ الذي لم يترك نوعاً من "جرائم الحرب" إلا واستخدمه ضد أصحاب الأرض والمقدسات بدءاً من تعذيب الأسرى أو إساءة معاملتهم أو إعدامهم، ومروراً بالجرائم الموجهة ضد المدنيين والتعدي على ممتلكاتهم الشخصية وتهجيرهم قسريّاً، وليس انتهاء عند التعذيب والإبادة الجماعيّة بمختلف الأساليب.
"لا يوجد معيار واحد يتساوى فيه الفلسطينيّ واليهوديّ بين النهر والبحر أي في فلسطين المحتلة"، جملة قالها سابقاً مدير منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية، وهي مركز إسرائيليّ غير حكوميّ مختص بحقوق الإنسان في الأراضي التي يحتلها العدو الصهيونيّ، وما يؤكد تلك الحقيقة أنّ العدو طعّم نحو 55 بالمئة مستوطنيه (حوالي 5 ملايين شخص) بجرعتين من اللقاح، أما على الجانب الفلسطينيّ، فقد تلقى حوالي 250 ألف شخص جرعتين من اللقاح، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فيما يعيش أكثر من 2,8 مليون فلسطينيّ في الضفة الغربيّة المحتلة ومليونين في قطاع غزة الذي لا يزال مغلقاً أمام العاملين في المجال الإنسانيّ والفلسطينيين والحالات الطبية نتيجة التعنت الإسرائيليّ، وقد عبّرت الأمم المتحدة عن قلقها من هذا الإغلاق، وخاصة فيما يتعلق بالحالات الطبيّة، مؤكّدة على مواصلة التحرك باتجاه السماح للمرضى الذين يحتاجون إلى علاج طبيّ عاجل في الضفة الغربيّة بالمرور عبر معبر "إيريز".
وفي هذا الشأن، يعاني الأسرى الفلسطينيون من أوضاع إنسانيّة صعبة ومتردية في ظل غياب البيئة الصحيّة المناسبة لهم داخل معتقلات العدو، ولم يتخذ الكيان الصهيونيّ أيّ إجراءات لازمة لمواجهة فيروس كورونا داخل سجونه، كما أنّه يمنع إدخال أدوات الوقاية والتنظيف للأسرى الفلسطينيين، وهذا لا يدل إلا على مدى وحشيّة وإجرام العدو الفاقد لأدنى القيم الأخلاقيّة والإنسانيّة، في ظل موجات الحر الشديدة، واتساع رقعة انتشار الفيروس واستهتار إدارة السجون الصهيونيّة بمطالب تحسين أوضاعهم الحياتيّة، التي تحولت إلى جحيم لا يطاق بسبب المنهج الوحشيّ للإسرائيليين.
ويوماً بعد آخر، تتزايد الجرائم الصهيونيّة بحق الفلسطينيين، بسبب صمت العالم والمنظمات الدوليّة المعنية بحقوق الإنسان، على الانتهاكات البشعة للعدو الباغي، وهذا ما يدفعه إلى التمادي في ارتكاب الجرائم الوحشيّة بحق الأبرياء، في الوقت الذي يتعرض فيه الكيان الصهيونيّ المستبد لانتقادات دائمة حول العنصرية و خروقات حقوق الإنسان التي تتم في الأراضي المحتلة الموجهة ضد الفلسطينيين، ولا يخفى على أحد أنّ العدو يسعى لتغييب كل القرارات الدوليّة بفرضه سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين واستباحته لأرواح الفلسطينيين، وخرقه الفاضح لكل القوانيّن والمواثيق الدوليّة المتعلقة بحقوق الإنسان، في إصرار واضح من حكومة العدو على قتل آخر رمق للسلام الذي يتحدث عنه البعض وبالأخص المطبعون.
خلاصة القول، يجب على السلطة الفلسطينيّة برئاسة محمود عباس، قطع كل العلاقات مع العدو الصهيونيّ وبالأخص الأمنيّة، والاتفاق مع الفصائل الفلسطينيّة على استراتيجيّة وطنيّة وتشكيل قيادة موحدة، لتحقيق إرادة الشعب الفلسطينيّ وتطلعاته، وترك منهج الرضوخ الذي لم يجلب لها سوى الخيبة والهزيمة أمام العدو الساديّ، كما يجب على العالم أجمع وبشكل خاص المنظمات الدوليّة المعنيّة بحقوق الإنسان، العمل على حل القضايا الإنسانيّة في فلسطين وبالأخص أزمة كورونا، بعد أن أثبت الكيان بما لا شك فيه أنّه حريص للغاية على إبادة الفلسطينيين وقتلهم بشتى الطرق.