الوقت- إن اللبنانيون الذين عانوا من أزمات مختلفة في العامين الماضيين منذ انتهاء ولاية "سعد الحريري" الثالثة كرئيس للوزراء، يواجهون الآن أزمة نقص في مادة البنزين، الأمر الذي أغضبهم وزاد من سخطهم تجاه حكومة بلادهم. وحول هذا السياق، أفادت مصادر إخبارية مختلفة، قبل عدة أيام، بنقص مادة البنزين وحدوث أزمة محروقات جديدة، واستمرار الطوابير الطويلة أمام محطات الوقود اللبنانية، وهو ما يشير إلى أنه إذا استمرت هذه الأزمة، فإن الأوضاع في البلاد ستخرج عن نطاق السيطرة. وفي الأيام الأخيرة، وبسبب نقص العملة الأجنبية لاستيراد المنتجات البترولية، أصبح الانتظار في طوابير طويلة للتزود بالوقود للسيارات جزءًا من الحياة اليومية للمواطنين اللبنانيين. وبينما أغلقت معظم محطات الوقود في لبنان بسبب نقص المنتجات البترولية، يندفع المواطنون اللبنانيون بتشكيل طوابير طويلة بمجرد علمهم بوجود مادة البنزين في بعض محطات الوقود.
وتعد قضية نقص الوقود، وخاصة البنزين والديزل، أحد جوانب الأزمة الاقتصادية والمالية المتصاعدة في لبنان، والتي اشتدت حدتها منذ قرابة عامين. حيث كان المصرف المركزي اللبناني يدفع 85٪ من تكلفة الوقود كدعم ويستهلك اللبنانيون 12 مليون لتر من الوقود يوميا. وفي أكتوبر 2019، واجه "سعد الحريري" احتجاجات شعبية واضطر إلى الاستقالة من منصب رئيس الوزراء اللبناني بسبب عدم كفاءته وحدوث العديد من الاختلاسات في حكومته. لقد بدأ الوضع في البلاد يتحسن بشكل جيد عقب انتخاب "حسان دياب" رئيساً لوزراء لبنان، لكن الأطراف والتيارات المحسوبة على الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية أو ما تسمى "14 آذار" بزعامة "سعد الحريري"، قلقت من أفعاله ولهذا فقد قامت بالوقوف ضده ومنعته من مواصلة نشاطه السياسي، والتشبث بقضية التفجير الرهيب لميناء بيروت صيف 2020 لإجبار رئيس الوزراء اللبناني "حسان دياب" على الاستقالة من منصبه بعد ستة أشهر من توليه هذه المنصب.
وعلى مدى العامين الماضيين، بذل العديد من المسؤولين والتيارات اللبنانية جهودًا كبيرة لإخراج لبنان من المشاكل التي يعيش فيها. ومع تقديم "سعد الحريري" كرئيس وزراء تصريف أعمال، كان من المتوقع حل إحدى مشاكل لبنان الرئيسية، ونظراً إلى أن "الحريري" لم يتمكن من تشكيل مجلس الوزراء في سبعة أشهر، فقد أدى هذا الأمر إلى عدم حل أيًا من مشاكل البلاد، بل زاد أيضًا من مشاكل عروس الشرق الأوسط. إن المساعي التي باءت بالفشل للرئيس اللبناني "ميشال عون" لتشكيل حكومة في لبنان وإعلان أسماء المفسدين الاقتصاديين في العامين الماضيين الذين تسببوا في حدوث أزمة اقتصادية كبيرة في العديد من المدن اللبنانية، أدت إلى خروج احتجاجات في الشوارع من قبل اللبنانيين وهذا الأمر أدى إلى استقالة "سعد الحريري" في ذلك الوقت إلى استقالته، وبعد ذلك تسبب الانفجار المروع في الصيف الماضي في ميناء بيروت، بخروج المزيد من الاحتجاجات، وهذا أمر أجبر حكومة "حسان دياب" إلى الاستقالة، وهذا الأمر تسبب في حدوث مشكلة أخرى للبلاد.
وبصرف النظر عن تردد الحكومة اللبنانية التي ألحقت بالناس أضرارا لا يمكن إصلاحها خلال الأزمة الاقتصادية الحالية، فإن استمرار الفساد الإداري والاقتصادي في البلاد والعقوبات الأمريكية وتفشي "فيروس كورونا" فرضت شروطا صعبة على أبناء الشعب اللبنانيين ولهذا فقد دعا رئيس الجمهورية مؤخراً إلى اتخاذ إجراءات عملية في محاربة الفساد وإعلان أسماء الفاسدين وعدم تعميم الاتهامات على الطبقة السياسية اللبنانية كلها. وعلى مدى العامين الماضيين، ارتفعت أسعار السلع الأساسية وزاد التضخم في لبنان، حيث قال خبراء المجتمع المدني والاقتصاد، إن "حوالي نصف سكان البلاد البالغ عددهم 4.2 مليون نسمة يعيشون الآن تحت خط الفقر". إن الوضع المزري في لبنان هذه الأيام دفع المراقبين السياسيين للتعبير عن قلقهم من خروج الوضع عن السيطرة. كما حذرت دوائر أمنية من الفوضى في لبنان بسبب نقص البنزين والطوابير الطويلة وحذروا أن الظروف غير المستقرة وضعت البلاد في وضع خطير. وفي الوقت نفسه، ذكرت بعض المصادر أن هناك العديد من النواقص في لبنان وأن الجيش اللبناني والقوى الأمنية يسيطران على الوضع، ولكن في أي لحظة من الممكن أن يخرج الوضع عن السيطرة، خاصة بسبب أزمة البنزين وانقطاع الكهرباء.
وفي العامين الماضيين، عندما تدهور الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في لبنان وانخفضت قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي إلى نحو العُشر، استطاعت حكومة "حسان دياب" الحفاظ على سعر البنزين والخبز كما كان من قبل، وهذا الأمر كان بمثابة بقايا أمل حي بين الناس، لكن النقص الحاد في البنزين مؤخراً، تسبب في غضب الشارع اللبناني قبل عدة أيام. وحول هذا السياق، نقلت صحيفة "الجمهورية" اللبنانية عن مصادر قولها "ما نشهده الآن في لبنان هو تراجع قدرة اللبنانيين على شراء الضروريات المعيشية، وهذا الأمر ظهر في ردود فعل الناس الذين لم يعودوا متسامحين مع حكومتهم". وبحسب الصحيفة اللبنانية، "على الرغم من خطة رئيس مجلس النواب اللبناني "نبيه بري" والاجتماعات التي عقدتها اللجنة لمناقشة الخطة الجديدة، إلا أن الوضع في لبنان لا يزال كما كان من قبل والأجواء لا تزال سيئة رغم التفاؤل الأولي. واضافت الصحيفة، "أن تشكيل الحكومة سريعاً يعتبر حاجة ملحة خاصة وأن هناك موجة من القلق بين اللبنانيين بسبب ارتفاع الاسعار مجدداً".
ولفتت صحيفة "الجمهورية" إلى عدم وجود بوادر تفاؤل بالوضع السياسي اللبناني الراهن وأن هناك احتمالية بحدوث انفجار شعبي في الشارع اللبناني. ومع استمرار الطوابير الطويلة أمام محطات الوقود اللبنانية، أعرب "جورج بروكس"، عضو جمعية الحكم المحلي اللبناني، عن أمله في أن "البنزين والديزل لم ينتهيا بعد، وأن الشعب (اللبناني) لن يظل محاصرا طويلا. ولن تكون هنا طوابير كبيرة امام محطات الوقود، لانه في الايام المقبلة ستصل سفن محملة بالوقود الى لبنان". وفي هذا الصدد شدد الامين العام لحزب الله السيد "حسن نصرالله" في خطابه قبل ايام على ان حل ازمة البنزين في لبنان ممكن في ايام قليلة فقط بشراء البنزين من ايران وهو الامر الذي يتطلب قرارا سياسيا جريئا. واضاف "اذا تهرب مسؤولو الحكومة اللبنانية من مسؤولياتهم فان حزب الله سيتفاوض مع الحكومة الايرانية وسيشتري منها الوقود."
تشكيل حكومة وطنية في لبنان يعد المخرج الوحيد من المشاكل الحالية
لقد ضاعف عجز "الحريري" عن تشكيل حكومة رابعة منذ سبعة أشهر خسائر البلاد، مما دفع الرئيس اللبناني "ميشال عون" إلى مخاطبة أعضاء مجلس النواب في أواخر مايو الماضي، وأعلن للمشرعين اللبنانيين أن الفشل في تشكيل حكومة جديدة في الأشهر الأخيرة أثبت أن "سعد الحريري" غير قادر عن تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية. وأشار "عون" في رسالته إلى أن "غياب الحكومة أدى إلى ظهور مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية في لبنان". وأضاف أن "عدم قدرة رئيس الوزراء الحالي (الحريري) على تشكيل حكومة جعلت من المستحيل عمليا إيجاد حلول للمشاكل الحالية".
وفي وقت سابق، انتقد التيار الوطني الحر بقيادة "جبران باسيل" بشدة تصرفات "سعد الحريري" في بيان حول التطورات الأخيرة في البلاد. كما أثار إحجام "الحريري" عن تشكيل الحكومة، انتقادات رئيس مجلس النواب اللبناني "نبيه بري"، الذي دعا إلى إنقاذ لبنان من الانهيار والإسراع بتشكيل الحكومة. وحذر "نبيه بري"، في حديثه بمناسبة الذكرى الـ 21 لتحرير جنوب البلاد، من الاحتلال الإسرائيلي أنه إذا استمرت الأزمات في لبنان دون حل، فإنها ستؤدي إلى قلب البلاد رأساً على عقب.
لقد ثبت للجميع عدم قدرة "الحريري" على تشكيل حكومة لبنانية على مدى الأشهر السبعة الماضية، وحتى بعض الأحزاب المرتبطة بتيار "الحريري" المؤيد للغرب في "14 آذار" أوضحت أنه هو السبب في حدوث كل هذه القضايا والأزمات خلال فترات توليه منصب رئاسة الوزراء. واستغربت تلك الاحزاب من اصرار "الحريري" على إعادة تشكيل الحكومة اللبنانية، وهذه هي القضية التي أدخلت البلاد في أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية مختلفة. ويعتقد خبراء في الشؤون الإقليمية أن السبيل الوحيد لإنقاذ لبنان الآن هو أن يتم تشكيل حكومة وطنية، بعيداً عن التحيزات العرقية، ويجب أن تولي هذه الحكومة اهتماماً بالمصالح الوطنية للبلاد وتحاول رسم البسمة على شفاه عروس الشرق الأوسط.