الوقت- حتى يومنا هذا تستمر تداعيات حرب الخامس من حزيران عام 1967، التي نشبت بين العدو الصهيونيّ الغاصب وكل من العراق ومصر وسوريا والأردن، وأدت إلى احتلال سيناء وقطاع غزة والضفة الغربيّة والجولان، وتعتبر ثالث حرب ضمن الصراع العربيّ – الصهيونيّ، وقد أدت تلك الحرب لاستشهاد عشرات الآلاف في الدول العربيّة، وتُعرف في كل من سوريا والأردن باسم "نكسة حزيران" وفي مصر باسم "نكسة 67" وتسمى في الكيان الصهيونيّ "حرب الأيام الستة"، وعقب 54 عاماً على الحرب، يواصل الكيان الباغي احتلاله للضفة الغربية وقطاع غزة، ومرتفعات الجولان السوريّة، رغم صدور قرارات دوليّة عن مجلس الأمن، تطالبه بالانسحاب منها، بفضل الدعم الأمريكيّ المُطْلق في مختلف المجالات.
تبعات مستمرة
لم تنته تبعات نكسة حزيران حتى يومنا هذا، ولايزال العدو القاتل يُغيب القرارات الدوليّة بفرضه سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين والعرب، إضافة إلى استباحته للدم الفلسطينيّ والعربيّ وخرقه الفاضح لكل القوانيّن والمواثيق الدوليّة المتعلقة بحقوق الإنسان، ناهيك عن مخطط الضم امتداداً لعملية التوسع على حساب الأرض والحقوق الوطنيّة للشعب الفلسطينيّ الأعزل، في إصرار واضح من حكومة العدو على قتل آخر رمق للسلام الذي يتحدث عنه البعض وبالأخص الولايات المتحدة التي أدخلت العديد من الدول الخليجيّة والعربيّة في حظيرة التطبيع مع تل أبيب.
وكان من تبعات نكسة حزيران نشوب حرب أكتوبر أو تشرين التحريريّة عام 1973، وهي حرب شنتها كل من مصر وسوريا على العدو الصهيونيّ، وفصل الضفة الغربيّة عن السيادة الأردنيّة، وقبول العرب منذ ما يُسمى " مؤتمر مدريد للسلام" عام 1991 بمبدأ «الأرض مقابل السلام» الذي ينصّ على العودة لما قبل حدود الحرب لقاء اعتراف العرب بـ "إسرائيل".
وقد اندلعت الشرارة الأولى للحرب، بعد إقدام سلاح الجو الصهيونيّ على شن هجوم مباغت على قواعد سلاح الجو المصريّ في سيناء، واستغرقت هذه الحرب 6 أيام، هُزمت خلالها الجيوش العربية، حيث استغل العدو الصهيونيّ عدة أمور لتبرير الحرب، ومنها إغلاق القاهرة لـ”مضائق تيران” بالبحر الأحمر في وجه الملاحة الإسرائيليّة في 22 مايو/ أيار 1967، وهو الأمر الذي اعتبره العدو "إعلاناً مصرياً رسمياً للحرب".
ورغم مرور أكثر من 5 عقود على تلك النكسة، إلا أنّ تبعاتها السياسيّة والجغرافية متواصلة بقوة، حيث يواصل العدو اللقيط احتلال الضفة الغربيّة، ومحاصرة قطاع غزة، إلى جانب ضم القدس والجولان لحدوده المزعومة، والمضي في المشاريع الاستيطانيّة بالعاصمة الفلسطينيّة القدس، رغم سلبه 85% من أراضي فلسطين التاريخيّة والبالغة حوالي 27 ألف كيلومتر مربع، ويواصل نهب مقوماتها، فيما لم يتبق للفلسطينيين (أصحاب الأرض) سوى 15% فقط، وتخضع للاحتلال المُستبد.
وفي الوقت الذي قتل العدو المجرم 20 ألف عربيّ مقابل أقل من 1000 صهيونيّ، دمّرت الآلة العسكريّة الإسرائيليّة المدعومة أمريكيّاً خلال الحرب، ما يقدّر بنحو 70 إلى 80% من العتاد العسكريّ في الدول العربية، وبالمقابل لحق الضرر بنحو 2 إلى 5% من عتاد العدو الذي احتل الضفة الغربية وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء المصريّة وجنوب لبنان ومرتفعات الجولان السوريّة، وهَجّر نحو 300 ألف فلسطينيّ من ديارهم في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، معظمهم نزح إلى الأردن، فيما سُجل على مدى 54 عاماً نحو مليون حالة اعتقال نفذتها قوات العدو، بينهم قرابة 4400 ما زالوا رهن الاعتقال.
حرب شعواء
منذ تلك النكسة وحتى أيامنا هذه، لم تتوقف الحرب الإسرائيليّة الشعواء على العرب والفلسطينيين على وجه التحديد، والدليل على ذلك الهجمات الإسرائيليّة الأخيرة التي خلفت عدداً كبيراً من الجرحى الفلسطينيين في القدس المحتلّة ومئات الشهداء وآلاف الجرحى في غزة، وبالأخص في باحة المسجد الأقصى، نتيجة استخدام العنف من قبل قوات الاحتلال ضد المحتجين الفلسطينيين على النشاط الاستيطانيّ المتصاعد للكيان، وقد فتحت النكسة باب الاستيطان الإسرائيليّ في الضفة الغربية المحتلة، وخاصة في مدينة القدس، وقطاع غزة الذي انسحبت منه عام 2005.
وبحسب تقديرات إسرائيليّة وفلسطينيّة، فإنّ عدد المستوطنين بلغ نحو 650 ألف مستوطن في مستوطنات الضفة الغربيّة بما فيها القدس المحتلة، يسكنون في 164 مستوطنة، و116 بؤرة استيطانيّة، وفي نوفمبر/ تشرين ثاني عام 1967، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، القرار رقم 242، والذي يدعو العدو الغازي للانسحاب من الأراضي التي احتلها في يونيو/ حزيران من ذات العام، لكنّ العدو كما نعلم جميعاً لم يطبق هذا القرار، في انتهاك فاضح وخطير للشرعيّة الدوليّة.
إضافة إلى ذلك، استمر الاحتلال العسكريّ المباشر، للضفة الغربية وقطاع غزة، حتّى تأسيس السلطة الفلسطينيّة، عقب توقيع اتفاقية "أوسلو" (بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيونيّ عام 1993، والتي ترتب عليها تطبيق نظام الحكم الذاتيّ، في تلك الأراضي، وكان من المقرر إقامة دولة فلسطينية مستقلة، إلى جانب دولة "إسرائيل" المزعومة، عقب انتهاء المرحلة الانتقاليّة عام 1999، وإنهاء الاحتلال لأراضي الضفة وغزة، حسبما تنص اتفاقيات أوسلو لـ "السلام".
لكنّ العدو القاتل تنصل من التزاماته، وعزز الاستيطان في أراضي الضفة الغربية، وأعاد عام 2002 احتلال مناطق خضعت للسلطة الفلسطينيّة وفق اتفاقية أوسلو، وبسبب السلوك الإسرائيليّ العدوانيّ، تعطلت ما تُسمى "عملية السلام"، وتوقفت المفاوضات السياسيّة، وما زالت متوقفة منذ فشل آخر جولة مفاوضات عام 2014 بسبب إصرار تل أبيب على بناء المستوطنات، ومنذ تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل تسع سنوات، لمصلحة قرار منح فلسطين صفة دولة “مراقب”، لم تتوقف مساعي الفلسطينيين لإكمال عضويتهم، وفي ظل استمرار السياسة الأمريكيّة المعهودة المتعلقة بتسليح الكيان الصهيونيّ الإرهابيّ والدفاع عن مصالحه في المنطقة بشكل لا متناهٍ، على حساب الحقوق الوطنيّة للشعب الفلسطينيّ والعربيّ، بما يخدم أهدافها، ويفصل شرق الوطن العربيّ عن مغربه.
ومن الجدير بالذكر، أنّ العدو الصهيونيّ انسحب من شبه جزيرة سيناء المصريّة عام 1982، تطبيقا لما تسمى "معاهدة السلام" التي أبرمت بين مصر والعدو عام 1979، أما مرتفعات الجولان السورية، التي تعتبر أرضاً سوريّة محتلة، بحسب قرارات الشرعيّة الدوليّة، فترفض تل أبيب الانسحاب منها وتعتبرها جزءاً من دولتها المزعومة، حيث قررت في 14 ديسمبر/ كانون أول 1981 ضمها، بموجب قانون أصدره الكنيست (البرلمان)، لكن المجتمع الدوليّ لم يعترف بالقرار ورفضه مجلس الأمن الدوليّ، بالقرار رقم 497 الصادر في 17 ديسمبر/ كانون أول 1981، وفي 25 مارس/ آذار 2019 وقّع الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب، قرارًا تعترف بموجبه الولايات المتحدة بأنّ "هضبة الجولان السوريّة" جزء من "إسرائيل"، الشيء الذي لاقى رفضاً عربيّاً كاملاً، كما أصدرت الأمم المتحدة بيانًا أعلنت فيه أن قرار ترامب لا يغيّر من الوضعية القانونيّة للجولان بصفتها أرضاً سورية واقعة تحت الاحتلال الصهيونيّ.
ظروفٌ جديدة
تشير تحليلات سياسيّة إلى أنّ ذكرى النكسة هذا العام تختلف مع سابقاتها، من عدة اتجاهات أبرزها، توحد الفلسطينيين وشعورهم بأنهم أقوى من أيّ وقت مضى، وإن كان الانقسام السياسيّ هو نقطة ضعفهم الأكبر، حيث تدرك الفصائل الفلسطينيّة حجم المخاطر التي تواجه القضية اليوم، والمتمثلة بـ "صفعة القرن" الرامية إلى تصفيّة القضيّة الفلسطينيّة، والتطبيع الذي شكل طعنة في ظهر هذا البلد، ناهيك عن مخططات الاستيطان والضم التي لا تتوقف عن قضم ونهب أراضي الشعب الفلسطينيّ.
فمن ناحية، جمعت الهبة الجماهيريّة كامل الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي، لأول مرة منذ النكبة عام 1948، في كل أماكن وجودهم، في فعاليات رافضة للاحتلال وداعميه، وخلال العدوان الهمجيّ الأخير على قطاع غزة (10-21 مايو/أيار المنصرم) هب فلسطينيو الضفة بما فيها القدس، والمدن العربية والمختلطة داخل الأراضي المحتلة، والشتات، في مظاهرات وفعاليات واسعة أعادت لهم اللحمة والوحدة، بعد أن ظن العدو أنّه استطاع تشتيت شملهم.
ومن ناحية أخرى، لا يمكن أن يواجه الفلسطينيون التحديات إلا بوحدة وشراكة حقيقية من خلال الاتفاق على استراتيجيّة وطنيّة يعيدون فيها بناء مؤسساتهم، ويطلقون يد المقاومة ليدفع الاحتلال الصهيونيّ ثمن جرائمه، حيث بعث التقدم في إمكانات المقاومة الفلسطينية في جولة المواجهة الأخيرة مع العدو، الأمل لدى الفلسطينيين بأنّهم لم يعودوا الطرف الذي يتلقى الضربات، وإنما لديهم إمكانات تطال العمق الذي يسيطر عليه الكيان وبإمكانهم تحقيق ردع مهم ومؤثر.
وبناء على ما ذكر، يبقى الانقسام السياسيّ الذي تعيشه أراضي السلطة الفلسطينيّة نقطة ضعف طال أمدها في خاصرة القضية، حيث يسود الانقسام بين حركتي “حماس” التي تسيطر على قطاع غزة، و”فتح” التي تحكم الضفة الغربية، منذ عام 2007، ولم تطل حالة الارتياح التي شعر بها أبناء فلسطين، بعد التوافق على إجراء الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة وانتخابات المجلس الوطنيّ هذا العام، بسبب قرار تأجيلها لعدم القدرة على إجرائها بالعاصمة الفلسطينيّة المحتلة، وفق ما أعلنه رئيس السلطة، محمود عباس يوم 29 أبريل/نيسان الماضي، ومن المقرر أن تدعو القاهرة الفصائل الفلسطينيّة لاجتماع الأسبوع القادم، سيتم التباحث فيه حول عدة قضايا بينها تشكيلة حكومة توافق أو حكومة وحدة وطنيّة، وملف إعمار غزة والانتخابات، وقد أعلن الكيان الصهيونيّ المعتدي مراراً عن معارضته الشرسة لأيّ اتفاقات ترفع من احتماليّة حدوث المصالحة الفلسطينيّة، وبصورة حادة رفضت تل أبيب أيّ تعاون وتقاسم للحكم بين حماس والسلطة الفلسطينيّة.
في النهاية، وبالتزامن مع التطورات والأحداث التي تعيشها المنطقة، لابد من حشد الجهود العربيّة والإسلاميّة والدوليّة لاسترجاع الأراضي العربيّة المغتصبة والسير بقوة نحو ذلك، إضافة إلى الضرب بيد من حديد لإيقاف جرائم الكيان الصهيونيّ المستمرة والمتزايدة، وتضييق دائرة الخيانة العلنية لبعض الأنظمة المعروفة، ومساندة الفلسطينيين ودعم مطالبهم المحقة والمشروعة.