الوقت- وقعت کل من موریتانیا والجزائر منذ ثلاثة أسابيع مذكرة تفاهم في نواكشوط تقضي بإنشاء لجنة حدودية مشتركة بين البلدين الإفريقيين ومن مهام هذه اللجنة تطوير وتنسيق التعاون في مجالات الأمن والثقافة والاقتصاد وتسيير الأزمات في المناطق الحدودية، هذه الاتفاقية تم توقيعها من قبل كل من وزير الداخلية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوق ونظيره الجزائري كمال بلجود في مقر وزارة الداخلية الموريتانية. و يترقب العديد من المراقبين وصول أول سفينة جزائرية إلى موريتانيا محملة بالمواد الزراعية، وقررت الجزائر إنشاء هذا الخط البحري في إطار منافسة المغرب في إفريقيا الغربية وموريتانيا، وترحب نواكشوط بالخطوة للتخفيف من ارتباطها بالمنتوجات المغربية.
وبعد مرور أكثر من أسبوعين، أعلن البلدان عن بدء تشغيل الخط البحري بينهما والذي سيتولى نقل المنتوجات الزراعية والمنتوجات المنزلية المصنعة في الجزائر الى موريتانيا وباقي دول إفريقيا الغربية، وجاء إنشاء الخط البحري بسبب صعوبة النقل البري بين البلدين الذي يستغرق وقتا أطول وصعوبات في منطقة الصحراء، وانطلقت أول سفينة يوم الثلاثاء الماضي من الجزائر، ويرتقب وصولها إلى موريتانيا في الأيام القليلة التالية.
ومن جهته قال مدير شركة الخطوط البحرية “أنيسار لاين” مصطفى حمدو أن الشركة ستنظم كل 20 يوما رحلة بحرية من الجزائر الى موريتانيا لتلبية احتياجات موريتانيا ودول إفريقيا الغربية، وأكد أن “وصول المنتوجات الجزائرية بحراً الى موريتانيا سيسهل عملية نقلها براً في وقت لاحق إلى دول مالي والسينغال ودول أخرى انطلاقاً من موريتانيا”.
وكشف رابح فصيح مدير التسويق الخارجي في وزارة الخارجية عزم الجزائر تعزيز الخطوط البحرية مع دول إفريقيا للرفع من الصادرات الجزائرية سواء الزراعية أو الصناعية.
وترحب موريتانيا بهذه الخطوة حتى لا تبقى حبيسة الصادرات المغربية وحبيسة معبر الكركرات الذي كانت جبهة البوليساريو قد أغلقته خلال أكتوبر وحتى منتصف نوفمبر الماضيين وتسببت في نقص في المواد الزراعية المغربية. ويدعو تيار في موريتانيا الى التقليل من الاعتماد على المغرب بسبب الأزمات التي تسجلها العلاقات الثنائية.
نظرة المغرب للخطوة الجزائرية
لا تنظر الرباط بعين الارتياح الى المبادرة الجزائرية، حیث كتبت جريدة “هسبريس” المغربية مقالا يوم الجمعة بعنوان “الجزائر تسعى الى خنق معبر الكركرات بإنشاء خط بحري مع موريتانيا”، وكتبت الجريدة “يهدف النظام الجزائري من وراء هذه الخطوة إلى منافسة الصادرات المغربية التي تتدفق بشكل يومي نحو البلدان الإفريقية، إذ اعتبرت الجزائر أن هذا الخط البحري مع موريتانيا “سيمكن “بكل سهولة” استعمال الطرق البرية لتوصيل السلع إلى بلدان إفريقية أخرى، على غرار مالي والسنغال وغيرهما”.
ونقلت الجريدة تصريحات خبير مغربي وهو المساوي العجلاوي قوله “يستحيل على الجزائر من خلال هذا الخط البحري أن تنافس المغرب، وخصوصا على مستوى تصدير الخضر والفواكه والأدوية وعدد من المنتجات الأخرى إلى إفريقيا، مضيفا أن دول غرب إفريقيا كلها فتحت اليوم قنصليات في الصحراء الغربية لتسهيل التعاون التجاري عبر معبر الكركرات الحدودي.
تنافس في الرؤية السياسية والاقتصادية بين المغرب والجزائر
وضعت جائحة كورونا رهان العلاقات السياسية والاقتصادية للدول المغاربية مع إفريقيا في مقدمة اهتمامات دول المنطقة. فصعوبة الوصول للأسواق الأوروبية بسبب الجائحة إضافة إلى الإحباط بشأن آمال بلورة سوق مغاربية مشتركة، زاد من جاذبية الأسواق الإفريقية الواعدة.
حيث أن أزمة معبر الكركرات تعكس في الواقع الأهمية الجيو-استراتيجية لإفريقيا بالنسبة للبلدان المغاربية. والواقع أنه من بين البلدان المغاربية فإن المغرب يملك الرؤية السياسية والاقتصادية الأكثر نضوجاً تجاه إفريقيا بالمقارنة مع جارته الشرقية الجزائر، التي لا تريد أن تترك له المجال لوحده.
ففي أغسطس/ آب 2018، دشنت الجزائر طريقا صحراويا حدوديا بين تندوف (الجزائر) مع موريتانيا، كمعبر لتصدير لمنتجاتها إلى موريتانيا ومنها إلى غرب إفريقيا. وهي طريق برية طويلة بتضاريس طبيعية وعرة تُصعِّب من عملية تنقل القوافل التجارية بين البلدين. كما أن معالم جزء من الطريق تختفي عند هبوب الزوابع الرملية، لا سيما في ظل وجود مسافة طويلة لم يجرِ تعبيدها من قبل، وتقدر بـ800 كيلومتر وسط الصحراء دون بنية تحتية أو مرافق لاستراحة السائقين.
المغرب رأى في الخطوة محاولة لمنافسة معبر الكركرات ومنتجاته في الأسواق الإفريقية، وذلك في سياق توجه استدراكي بعدما أهملت الدبلوماسية الجزائرية القارة الإفريقية لعقود، ذلك أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لم يزُرْ أي بلد إفريقي طوال المدة التي قضاها في السلطة.
وفي مقال تحليلي معزز بالبيانات والأرقام تحت عنوان "سباق مغاربي على إفريقيا جنوب الصحراء" كتبت إيزابيله فيرينفيلس من مؤسسة "العلوم والسياسة" في برلين (أكتوبر/ تشرين الأول 2020) أن المغرب سبق بأشواط الجزائر وتونس في التوجه إلى إفريقيا.
وأوضحت فيرينفيلس أن الاهتمام المغربي بالقارة السمراء بدأ في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، غير أن ابنه محمد السادس "جعل من السياسة الإفريقية أولوية قصوى، دعمها بدبلوماسية الزيارات المكثفة والمشاريع الاستراتيجية (...) إنه نهج لقوة ناعمة تجمع بين مكونات سياسية واقتصادية تنموية ودينية، جعلته يحقق نجاحًا كبيرًا في السنوات الأخيرة".
يذكر أن المغرب عاد في يناير/ كانون الثاني 2017، إلى الاتحاد الإفريقي بعدما غاب عنه طوال 33 عامًا. إذ غادرت الرباط التنظيم القاري عام 1984 احتجاجًا على قبول عضوية جبهة البوليساريو.
تحركات جزائرية وغضب مغربي
يبدو أن التحركات الجزائرية الموريتانية هي محاولة للالتفاف على المغرب وعزله اقتصادياً، حيث يمكن القول أن الهدف الجزائري من هذه الخطوة هو إنعاش العلاقات الاقتصادية مع دول الغرب الإفريقي والتي تمثل سوقاً كبيراً للمنتجات الجزائرية في حين تحاول موريتانيا أن تلعب دور منصة الانطلاق لهذه البضائع نحو دول غرب أفريقيا وجنوبها الغربي وسيعود ذلك عليها بالفائدة من عائدات تخزين وإعادة تصدير وترانزيت الضائع الجزائرية.
وبالطبع بسبب صعوبة الطريق البري بين الجزائر وموريتانيا كان الحل الوحيد هو معبر الكركرات عبر الصحراء الغربية جنوب المغرب ولكن لا يريد البلدان أن يكونا تحت مقصلة المغرب وتحت سلطتها فتدشين الخط البحري يعطي الحرية أكبر في التبادلات التجارية بين البلدين وبين الجزائر ودول الغرب الإفريقي، والإنزعاج المغربي من هذه الخطوة يأتي ليؤكد أهمية وخطورة هذا التحرك الجزائري على الاقتصاد المغربي فهل سنشهد مناوشات بحرية أو سياسية بين الجانبين على خلفية هذه الخطوة الجزائرية؟ أم سيكون النقاش والحوار هو الوسيلة لتخفيف ضغط هذه القرارات على اقتصاد المغرب.