الوقت- لا تزال صفقة تبادل الأسرى بين حماس وكيان العدو عالقة منذ عدة سنوات ولم تتمكن مصر بعنوان وسيط أن تدفع هذا الملف نحو الأمام نظراً لكثرة تعقيداته، واليوم تُظهر اسرائيل اهتماماً جديداً بملف تبادل الاسرى، حيث أعادت طرحه على المستوى الفلسطيني والدولي، ولكن هذه المرة من بوابة تركيا.
عودة الملف للتداول عبر وسائل الإعلام المختلفة جاء بعد الكشف رسمياً عبر وسائل إعلام عبرية، عن مساعي حكومة الاحتلال الإسرائيلية، لتوسيط تركيا في مفاوضات صفقة تبادل الأسرى مع حركة "حماس".
ويبدو أن إسرائيل تسير بخطى ثابتة في اتجاه منح تركيا الوساطة الرسمية لإنجاز صفقة التبادل مع "حماس"، مستغلة في ذلك الاتفاق الذي أنهى القطيعة بينهما في العام 2016، بعد الاعتداء على سفينة مرمرة خلال 2010، وهذه ليست المرة الأولى التي تطلب فيها "إسرائيل" تدخلًا تركيًا، اذ سبق وطلبته خلال مباحثات استئناف العلاقات الثنائية لتحسين العلاقات الاقتصادية.
ويبقى السؤال اليوم، هل ستهتم تركيا بهذا الاقتراح الاسرائيلي وتتدخل كما فعلت في العام 2016، فهي تعلم جيدا ان هذا الملف معقد وهناك مماطلة وكذب من الجانب الاسرائيلي، إضافة إلى ان حماس تعتبر هذا الملف من اهم نقاط القوة لديها ولا تريد ان تفرط به دون ان تحقق ما تريد وتحرر ما تريده من الأسرى وترفع الحصار عن غزة، وغير ذلك سيكون من الصعب على حماس تقبل اي صفقة جديدة، ناهيك عن ان الشروط الاسرائيلية الجديدة غير واضحة المعالم.
كل ما قيل في الاعلام العبري وفقا لصحيفة "إسرائيل هيوم" العبرية، أن حكومة نتنياهو ترى أن "الدولة الشرق أوسطية التي لديها خيار ممارسة الضغط الأكثر فاعلية على حماس، هي تركيا"،موضحا أن "أعضاء كبارا في حماس يعيشون في إسطنبول، وللرئيس التركي رجب طيب أردوغان علاقة جيدة برئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية".
وأوضحت الصحيفة، أن "هذا هو الوقت المناسب لإسرائيل، كي تتصرف بحزم لتعظيم نافذة الفرص المتاحة"، مرجحة أن يؤدي "تفعيل تركيا كوسيط بين حماس وإسرائيل إلى تغيير الاتجاه".
يجب أن نذكر أن المفاوضات غير المباشرة تتواصل بوتيرة ليست ثابتة بواسطة مصر، بين حركة "حماس" والاحتلال الإسرائيلي، للتوصل إلى صفقة تبادل جديدة للأسرى، دون الإعلان عن تقدم ملحوظ.
ويذكر أن حماس تتحفظ منذ عام 2014، على أربعة من الجنود الإسرائيليين بعدما تمكنت من أسرهم خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة
وأعلنت كتائب عز الدين القسام الجناح المسلح لـ"حماس"، في 20 تموز/ يوليو 2014، عن أسر الجندي الإسرائيلي آرون شاؤول خلال الحرب، في حين كشف الاحتلال في مطلع آب/ أغسطس 2015، عن فقدانه الاتصال بالضابط الإسرائيلي هدار غولدن، في رفح جنوب القطاع.
وكشف الاحتلال في تموز/ يوليو 2015، عن اختفاء الجندي أبراهام منغستو، بعد تسلله عبر السياج الأمني إلى شمال قطاع غزة، وهو جندي في حرس الحدود من أصول إثيوبية، فر إلى غزة في السابع من أيلول/ سبتمبر 2014، إضافة إلى جندي آخر من أصول بدوية يدعى هشام السيد، كان قد فقد بداية عام 2016.
يشار إلى أن "كتائب القسام" ترفض الكشف أو حتى مجرد الحديث عن عدد أو مصير الجنود الإسرائيليين الأسرى لديها، وهي تتكتم بشكل كبير على أي معلومات بشأن إمكانية إتمام صفقة تبادل مع الاحتلال.
ونحن نذكر تماما أن من أهم الشروط التي تضعها "حماس" لإتمام أي صفقة مع الاحتلال، الإفراج أولاً عن كل المعتقلين الذين اعتقلهم الاحتلال بعد الإفراج عنهم ضمن صفقة "جلعاد شاليط" أو "وفاء الأحرار"، ورفع الحصار الكامل عن قطاع غزة وفتح جميع معابره، إضافة إلى إنشاء ميناء بحري ومطار دولي في القطاع، فلا نعلم ان كانت ستغير شيئاً من هذه الشروط.
ووسط الموقفَين الإسرائيلي والتركي، والأسئلة المطروحة عن قدرة تركيا على القيام بدور للوصول إلى صفقة لتبادل أسرى بين "حماس" وإسرائيل، وسط إصرار المقاومة على شروطها، يبدو أنّ هناك عائقاً واحداً قد يحول دون ذلك، وهو مصر، التي رعت صفقة التبادل السابقة، والتي لا ترغب في أن يشاركها أحد في الملفات الخاصة بقطاع غزة.
رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يراوغ في هذا الملف، فهو يتلاعب بعائلات الجنود الأسرى، لأنه يدرك أن لا سبيل لإنهاء الملف إلا بإنجاز صفقة جديدة وحقيقية مع "حماس"، وما عدا ذلك وعود كاذبة يوزّعها نتنياهو على العائلات.
وبالعودة إلى تركيا، يمكن القول إنّ تركيا تعتبر وسيطاً مقبولاً لدى "حماس" وإسرائيل، بفعل العلاقات المشتركة بينها وبين الجانبين، ما يعني قبول الطرفين إمكانية قيامها بدور بارز في أي مفاوضات خاصة بصفقة تبادل الجنود المفقودين في القطاع. ومن أهم العقبات التي ستواجه تركيا في ملف المفاوضات غير المباشرة بين الطرفَين هي مطالب "حماس" المتمثلة في ذراعها العسكرية "كتائب القسام"، وغياب حسن النوايا عند إسرائيل، إضافة لمدى استجابتها لسير عملية المفاوضات حول الجنود الأسرى. وهناك احتمال ان تحاول تركيا خلال سير المفاوضات تحويل الأخيرة إلى شكل عام يشمل رفع الحصار عن غزة، والوصول إلى اتفاق تهدئة طويل الأمد بين "حماس" وإسرائيل، إضافة إلى صفقة تبادل الأسرى الفلسطينيين بالجنود المفقودين.
ويجب ان ننوه بأنه من الصعب أن تتجاوز "حماس" الدور المصري في أي مفاوضات محتملة أو صفقة أسرى، بأي حال، لكون قطاع غزة يشكّل صمام أمان للأمن القومي المصري على الرغم من توتر العلاقات بين النظام المصري الحالي و"الحركة". ولكن الجميع يعرف أنّ العلاقات التركية ـ الإسرائيلية تعتبر أكثر عمقاً واستراتيجية من علاقة إسرائيل ومصر اللتين تربطهما حدود واتفاقية سلام، ما قد يدفع بمنح الملف لتركيا التي تتمتع بعلاقات جيدة مع "حماس" وإسرائيل، مقارنة مع النظام المصري الحالي.
اذا من الممكن أن تقوم تركيا بدور الوساطة بين إسرائيل و"حماس" في هذا التوقيت، بعدما أعادت تطبيع علاقاتها مع إسرائيل قبل عدة سنوات، إلا أنّ إمكانية الوصول إلى صفقة تبادل ستحتاج إلى سنوات، كما حدث مع صفقة شاليط التي استمرت عملية أسره خمس سنوات.