الوقت- خلال سنوات الحرب الطاحنة التي بدأت منذ عام 2015 في اليمن والتي أدخلت أكثر من 20 مليون يمني في دائرة الفقر والمجاعات، تكشّفت العديد من الانتهاكات والجرائم للدول المشاركة في الحرب، وأماطت تقارير دولية اللثام عن تورط أطراف إقليمية بانتهاكات جسيمة للقانون الدولي ويبدو أن المجتمع الدولي غير مهتم إطلاقاً بما يجري في اليمن من انتهاكات بحق المدنيين وغير المدنيين، هذه الانتهاكات التي تتكشف لنا يوماً بعد يوم والتي تشرف عليها وتقودها الرياض تحت حجج واهية لا أساس لها من الصحة، فتارة يدمرون البنى التحتية لليمن ويضعون شعبه على حافة المجاعة تحت حجة إعادة الشرعية القابعة في فنادق الرياض، وتارة يضعون كل من يقف في وجه طموحاتهم في السجون تحت ذريعة أنهم ينتمون لتنظيم القاعدة.
ووفقاً لتقارير عدد من مراكز الأبحاث العالمية، فإن الحرب اليمنية خلفت أكبر كارثة إنسانية سواء من الناحية الإنسانية أم من الناحية الاستراتيجية في العالم في القرن الحالي، ويجب أن تنتهي في أسرع وقت ممكن. ولفتت تلك التقارير إلى أنه بعد ست سنوات من اندلاع الحرب ودعم الدول العربية والغربية للسعودية وقيام هذه الاخيرة بتدمير المراكز الصحية والغذائية في اليمن، وفرضها حصاراً جائراً بريا وجويا وبحريا على أبناء الشعب اليمني، أصبح أكثر من 80 في المئة من سكان البلاد، بمن فيهم الأطفال، يعانون من سوء التغذية الحاد ووفق تلك التقارير فقد قُتل نحو 5700 طفل في هذه الحرب وهناك نحو 2 مليون طفل تركوا المدرسة. وأكدت تلك التقارير أن هذه ليست سوى بعض تداعيات الأعمال الإجرامية لـ"آل سعود" الشريرة في اليمن وفي المنطقة.
وعلى هذا المنوال نفسه شهدت دول عديدة بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا والسويد وفرنسا وهولندا وبلجيكا وإيطاليا قبل عدة أسابيع تحركات احتجاجية ضد حرب تحالف العدوان السعودي على اليمن. التحرك حظي باهتمام من قبل العديد من الطلاب الجامعين حول العالم من بينهم تجمع طلابي في جامعة "أيوا" الذين أكدوا أن الصمت عن الحرب على اليمن يعني القبول بها، مشددين على أهمية اظهار أن معارضة العنف والظلم تحظى بإجماع عالمي. وبالتزامن، خرج العديد من الطلاب للتعبير عن احتجاجهم في مدينة "بلينغهام" احدى كبرى مدن ولاية واشنطن في مسيرات جاءت تحت عنوان "نساء يصمن من أجل أطفال اليمن". وجاء في بيان هذه المسيرات، أن "العدوان على اليمن أمريكي بالدرجة الأولى وواشنطن توفر الدعم والغطاء السياسي له"، و "إذا لم يكن ما يفعله العدوان الامريكي السعودي اجراماً وارهاباً فما هو الإرهاب والإجرام؟".
وعقب جميع هذه المناشدات بعث أكثر من 70 عضوا ديمقراطيا في الكونغرس الأمريكي قبل عدة أيام برسالة إلى الرئيس "جو بايدن"، تحثّه على الضغط على المملكة العربية السعودية لإنهاء حصار اليمن، الذي أدى إلى نقص الغذاء والوقود في البلاد، ما أعاق إيصال المساعدات الغذائية إلى المحتاجين لها. وتأتي الرسالة بعد تحقيق لشبكة "سي إن إن" حول تأثير الحصار على الأرض في اليمن، وكشف التحقيق أن السفن الحربية السعودية كانت تمنع جميع ناقلات النفط من الرسو في ميناء الحديدة الرئيس، الذي يسيطر عليه "أنصار الله"، بما في ذلك 14 سفينة حصلت على موافقة "آلية التخليص" التابعة للأمم المتحدة. وقد حصلت أربع ناقلات نفط على إذن نادر من تحالف العدوان السعودي بالرسو بين 31 مارس و8 أبريل، كمساعدات لملايين الأشخاص في شمال البلاد ولكن لم تكن هناك مؤشرات من هذا التحالف الغاشم على أنه يخطط للسماح للسفن العشر الأخرى بالرسو. الرسالة، التي وقعها ديمقراطيون بارزون، مثل رئيس المخابرات في مجلس النواب، "آدم شيف"، من كاليفورنيا، ورئيس القضاء، "جيري نادلر"، من نيويورك، والعديد من أعضاء لجنة الشؤون الخارجية، تدعو "بايدن" إلى "الضغط علنا" على النظام السعودي لإنهاء الحصار.
ولقد جاء في الرسالة "يجب أن يشمل ذلك ضمان دخول الواردات الإنسانية والتجارية إلى اليمن بحُرية؛ وإسناد الإشراف الأمني إلى آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش الخاصة باليمن؛ والسماح الكامل للرحلات الجوية داخل وخارج مطار صنعاء؛ وأن تفتح حركة المرور المدنية بشكل دائم". ورداً على تقرير "سي إن إن"، زعم كبير الدبلوماسيين السعوديين إن بلاده ستوافق على اقتراح تدعمه الأمم المتحدة، لإنهاء الصراع في اليمن، يشمل: وقف إطلاق النار، وإنهاء الحصار وكانت هذه هي المرّة الأولى التي تعترف فيها الحكومة السعودية بوجود حصار. لكن في المقابلة التي أجراها "بيكي أندرسون"، لقناة "سي إن إن"، نفى وزير الخارجية السعودي، الأمير "فيصل بن فرحان آل سعود"، وجود حصار، وزعم إلى السفن التي تمكّنت مؤخرا من الرسو في الحديدة.
وزارة الخارجية الأمريكية أعربت عن تفاؤلها بأن بعض سفن الوقود تمكنت من الرسو في الموانئ اليمنية، لكنها أوضحت أنها ليست سوى جزء من المشكلة ولا تزال الوزارة قلقة من أن الموارد، التي تدخل البلاد، لا تكفي لاحتياجات السكان. حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، "نيد برايس"، في 24 مارس الماضي: "إن التدفق الحر للوقود والسلع الأساسية الأخرى إلى اليمن ككل أمر بالغ الأهمية، لدعم إيصال المساعدات الإنسانية، والأنشطة الأساسية الأخرى". وتقول حكومة صنعاء إنه يجب أن يذهب الوقود إلى الأسواق اليمنية دون تأخير، لتشغيل المستشفيات، وضمان إيصال الماء والغذاء بشكل عام، للمساعدة في تخفيف معاناة الشعب اليمني.
وأوضح أعضاء الكونجرس، في رسالتهم، أنهم يريدون رفع الحصار بالكامل، وإنهم قلقون من استمرار تدهور الوضع في اليمن. وأشار المشرعون، في رسالتهم، إلى تقديرات تشير إلى أن حوالي 16 مليون شخص معرضون لخطر المجاعة، بسبب الحصار. وقد أضربت مجموعة من الأمريكيين اليمنيين من "ميشيغان" عن الطعام، تضامنا مع اليمنيين. وشجّعت جهودهم العضوة في الكونجرس، النائبة الديمقراطية "ديبي دينجيل"، بالتوقيع على الرسالة. وقالت "ديبي": "إن إنهاء الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية، التي تقودها السعودية في اليمن، وحده لا يكفي، إذا سمحنا للحصار بالاستمرار. ومن المتوقع أن يموت 400 ألف طفل يمني دون سن الخامسة من الجوع هذا العام، إذا استمر هذا الحصار، ويجب رفعه الآن". وتضيف ديبي دينجيل: "لهذا السبب كنت فخورة اليوم بقيادة زملائي في الضغط على نائبة بايدن، لاستخدام نفوذها لإنهاء هذا الحصار. مع وجود مجتمع يمني كبير في مقاطعة 'ميشيغان' الثانية عشرة، ما زلت أرى عن كثب الألم والدمار الذي لحق بجيراننا، لأنهم فقدوا عائلاتهم وأصدقائهم في هذه الحرب، والأزمة الإنسانية التي تسببت فيها".
الجدير بالذكر أن أبناء الشعب اليمني استنكروا خلال الفترة الماضية في عدد من الوقفات الاحتجاجية استمرار جرائم العدوان الأمريكي السعودي بحق المدنيين واحتجاز سفن المشتقات النفطية، مشددين على أهمية تعزيز الاصطفاف في مواجهة العدوان السعودي وأدواته. واعتبر أبناء الشعب اليمني، أن أمريكا هي رأس الإرهاب العالمي لما تمارسه على الشعب اليمني وشعوب المنطقة من إرهاب وجرائم وانتهاكات يندى لها جبين الإنسانية. وأكدت العديد من التقارير استمرار الشعب اليمني في رفد الجبهات والصمود لمواجهة العدوان السعودي الأمريكي والوقوف إلى جانب القيادة الثورية والسياسية العليا في المضي على طريق الحرية والعزة والكرامة. ودعت البيانات كل أبناء اليمن إلى توحيد الصفوف لمواجهة المؤامرات ودعم محور المقاومة لمواجهة قوى الاستكبار.
إن كل هذا الاصطفاف الشعبي إلى جانب حركة "أنصار الله" اليمنية التي قدمت خلال السنوات الماضية الغالي والرخيص من أجل حماية أبناء الشعب اليمني من هجمات تحالف العدوان السعودي، يؤكد بما لا يدع للشك مجالا أن اليمنيين سيستمرون في رفد الجبهات وسوف يصمدون في وجه تحالف العدوان الذي قتل الآلاف من أبناء الشعب اليمني خلال السنوات الماضية في العديد من المدن والمحافظات اليمنية وهذا الأمر يكشف لنا أن الحصار السعودي لن يكون له تأثير على سير المعارك وعلى عزيمة أبناء الشعب اليمني وأن تحالف العدوان السعودي سوف يدرك في نهاية المطاف أنه دخل حرباً لن يستطيع الخروج منها إلا مهزوماً.