الوقت - يعدّ التعامل مع المروحيات الرباعية والطائرات الصغيرة، أحد التحديات الجديدة والمهمة لوحدات الدفاع الجوي العالمية في عالم اليوم.
تمثِّل هذه الفئة من الطائرات دون طيار خطرًا كبيرًا على أي وحدة دفاع حديثة، ويرجع ذلك أساسًا إلى حجمها الأصغر، وسرعة الطيران المنخفضة والارتفاع المنخفض، وإشارات الأشعة تحت الحمراء المنخفضة، مقارنةً بالطائرات العسكرية دون طيار الكبيرة.
إن تطوير الصواريخ الدفاعية المزودة بأنظمة استشعار أكثر حساسيةً، ومدافع مضادة للطائرات برصاصات ذكية وقادرة على التصدع، وأنظمة تعطيل وقطع الإشارات الاتصالية للمستخدم والطائرات الصغيرة، إضافة إلى قضايا خاصة مثل استخدام الطائرات الهجومية مثل النسور أو ضرب الطائرات دون طيار التي تنتهك الأجواء، هي أحد الحلول التي تم تطويرها في السنوات القليلة الماضية للتعامل مع هذه المسألة.
هناك يوم مهم في إيران غيَّر العديد من التصورات حول تهديد الطائرات الصغيرة والتغيرات في هذا المجال. كان ذلك في مساء يوم 16 كانون الثاني 2017، عندما حلقت عدة مروحيات رباعية فوق طهران واقتربت من منطقة حظر الطيران في العاصمة، ما تسبب في رد فعل وحدات الدفاع الجوي وإطلاق مدافع 23 و 35 ملم مضادة للطائرات.
حادثة ذلك اليوم كانت مجرد خطأ وعدم تنسيق للحصول على التصاريح اللازمة، ولحسن الحظ انتهى دون ضرر مالي أو بشري، وباتت ردود الفعل الجريئة من الناس موضوع وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن بعد هذه الحادثة، دخل حجم كبير من خطط التعامل مع الطائرات الصغيرة في وسائل الإعلام والفضاء المتخصص، مراحل مختلفة من التصميم والتنفيذ. وبعد ذلك، دخل عدد كبير من الأنظمة التخريبية في خدمة وحدات الدفاع بالقوات المسلحة.
تجدر الإشارة إلى أنه في مسألة التعامل مع المروحيات الرباعية، فإن القضية المهمة هي محاولة التعامل مع هذه التهديدات بهدوء، لأن هذه الطائرات غالبًا ما تُرى في مناطق قريبة من مکان عيش الناس العاديين، أو أماكن تكون في أي حال مكانًا لحركة أو نشاط المدنيين، والتعامل بقسوة مع هذا التهديد، من المدافع أو الصواريخ المضادة للطائرات، إلى جانب القضايا الاقتصادية، يمكن أن يسبب الكثير من التوتر والمشاكل العصبية للناس.
ونتيجةً لذلك، دخل جيل جديد من أنظمة الدفاع، بما في ذلك أنظمة التحكم في الطائرات الصغيرة من خلال أنظمة الطاقة المباشرة، وخاصةً أشعة الليزر.
من تخيلات هوليوود عن الحرب الباردة إلى الواقع العملي
بادئ ذي بدء، وقبل مناقشة أسلحة الليزر وشرح هذه القضية الغريبة نوعاً ما، من الجيد أن نقدِّم تعريفاً بسيطاً لليزر.
ببساطة، الليزر هو جهاز يصدر الضوء على شكل حزم متوازية ضيقة جدًا ذات طول موجي معين. ويتكون هذا الجهاز من مواد تجميع أو تنشيط الضوء الموجودة داخل مکان تكثيف الضوء. وتعمل هذه المادة على تضخيم شعاع الضوء الناتج عن مصدر طاقة خارجي(سواء كهرباء أم ضوء).
منذ بداية اكتشاف هذه الخصائص في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، أدرك العلماء الخصائص المختلفة لهذه التكنولوجيا الجديدة، ومنذ ذلك الحين تأثرت أجزاء مختلفة من العلوم والصناعة بهذه التكنولوجيا.
منذ الستينيات، تم تطوير العديد من المشاريع في الغرب والشرق لأنظمة الدفاع والهجوم بالليزر؛ من أنظمة الدفاع إلى أشعة الليزر الأرضية لتدمير الصواريخ الباليستية العابرة للقارات ذات المرحلة المتوسطة.
في النهاية، ومع نهاية الحرب الباردة، لم يتوصل أي من الأطراف تقريبًا إلى نظام تشغيلي في هذا المجال، ويرجع ذلك أساسًا إلى التكنولوجيا والقيود المفروضة على هذا المجال في تلك الفترة.
إن قضية تطوير الدفاع بالليزر على متن طائرة ركاب استقلتها الولايات المتحدة لتدمير صاروخ باليستي في مرحلة التسارع الأولي من مسافة عدة مئات من الكيلومترات، كانت من آخر الخطط الغريبة تقريبًا في هذا المجال، والتي انتهت دون نتيجة مقبولة.
على مدى السنوات العشر الماضية، كانت مسألة أنظمة الليزر، ومعظمها في مجال الدفاع قصير المدى، على جدول الأعمال بنظرة أكثر واقعيةً، وحقَّقت نتائج تشغيلية مهمة.
ويتوقع الخبراء أيضًا أنه في العقد الحالي، فإن مجال أنظمة الدفاع قصيرة المدى ضد التهديدات مثل الطائرات الصغيرة وصواريخ الكروز، سيُوکل إلی أنظمة الليزر.
تتمثل مزايا هذه الأنظمة في أن أنظمة الدفاع بالليزر لها سرعة عالية، وفي الواقع تتحرك مقذوفاتها بسرعة الضوء، وطالما أن هناك طاقة فسيستمر إطلاق النار. وفي الوقت نفسه، فإن إطلاق كل شعاع ليزر رخيص جدًا، وذكرت بعض المصادر الصناعية والعلمية أن تكلفة إطلاق كل شعاع ليزر هي بضع سنتات.
وينقسم التحدي الرئيس في مجال الليزر إلى عدة أجزاء، أحدها هو المستوى العالي للتكنولوجيا في هذا المجال، وخاصةً في مجال المرايا والعدسات. والمسألة الأخرى هي تأثير الأحوال الجوية على الليزر، والتي تعدّ من أهم النقاط في عدم استخدام هذا النوع من الأنظمة حتى الآن في مجال الأنشطة بعيدة المدى.
إيران وأسلحة الليزر.. من الإعلان الأولي إلى اتضاح الميزات
اتخذت إيران بدورها خطوات مهمة لتحقيق أجيال جديدة من أنظمة الدفاع، والتي تعد أنظمة الليزر جزءًا منها. وحتى في وصف أفعال الشهيد الكبير وعالم الدفاع "محسن فخري زاده"، أُعلن أن هذا الجزء من الأنشطة کان من ضمن إجراءات مدير معهد "سبند" بوزارة الدفاع الإيرانية.
في الوقت نفسه، في سبتمبر 2009، قال العميد "شاهرخ شهرام" مساعد وزير الدفاع ورئيس شركة الصناعات الإلكترونية "صا إيران"، بخصوص وصول إيران إلى أنظمة الليزر:
"إضافة إلى استخدام الليزر حاليًا لإعداد أنظمة المدفعية وإطلاق المدافع والرادارات، حتى يتمكن النظام من تعقب الهدف وضربه بدقة عالية، فلدينا أيضًا إنجازات جيدة في مجال الأسلحة الفتاكة، وكلها منتجة محليًا. وبالنظر إلی أن طائرات الشبح مصنوعة من طبقات مركبة لتكون مراوغةً للرادار وخفيفةً وتساعد على إبقائها تحلق في الهواء، فإن هذا الهيکل المركب عرضة لأشعة الليزر عالية الطاقة، ويمكننا استخدام هذه الليزر لتدميرها. وفي الوقت الحاضر، تُستخدم أنظمة الليزر هذه أيضًا في المناطق الحساسة والحيوية من البلاد، واليوم أصبحت أحدث التقنيات العالمية في مجال الليزر في أيدي المتخصصين في القوات المسلحة الإيرانية."
بعد هذه الإيضاحات، لم يتم الإعلان عن أي أنباء محددة حول إنجازات إيران في هذا المجال، إلی أن جاءت مراسيم الكشف عن الإنجازات النووية الإيرانية هذا العام، حيث أشار رئيس منظمة الطاقة الذرية في القسم الخاص بتقديم الإنجازات، إلى نظام ليزر يُستخدم لاستهداف الطائرات الصغيرة دون طيار.
من الواضح أنه لم يتم إصدار أي فيديو لهذا النظام عند هذا الکشف لأسباب أمنية، لكن البث الصوتي لمحادثات الأشخاص يوفر لنا المعلومات التالية حول نظام الدفاع الإيراني بالليزر:
وفقاً للمعلومات الرسمية، نحن أمام نظام ليزر بقدرة 3 كيلو واطات، يمكنه تدمير طائرة دون طيار صغيرة على مسافة كيلومتر واحد، وإلحاق الضرر بأنظمة الملاحة على مسافة 5 كيلومترات. ويمكن التقدير أنه يوجد على هذه المسافة احتمال حدوث تلف للأنظمة البصرية أيضاً.
يتم تقديم نوع الليزر المستخدم في نظام الدفاع هذا على أنه الوضع الأحادي( single-mode ). هذه الكلمة لها معانٍ عديدة في عالم الليزر، ولكن بشكل عام واحتمالية عالية، فإن معنى هذه العبارة في هذه الجمل هو نوع من أنظمة الليزر التي لها طاقة خروج أعلى من الأنواع الأخرى، وتعمل على أساس ألياف الليزر، وهي حالة من الليزر الصلب.
تتمتع هذه الليزرات، كما ذكرنا، بقدرة خروج عالية، وفي نفس الوقت تتمتع بقوة ضغط عالية، وجودة بصرية ومستوى موثوقية، وهي من بين الخيارات المفضلة للعديد من أنظمة أسلحة الليزر.
في الوقت نفسه، تمت الإشارة إلى أن تطوير نظام دفاع ليزر جديد في إيران قد انطلق، والذي سيكون له قوة 5 كيلو واطات وسيمنح بالتأكيد المزيد من القوة والمدى للقوات المسلحة الإيرانية.
وإذا أردنا تقديم مثال لفئة من أسلحة الليزر، فربما يكون أحد الخيارات المناسبة هو نظام CLWS من صنع شرکة بوينغ، والذي تم تسليمه بالفعل إلى مشاة البحرية الأمريكية، وبحسب الحاجة يمكن أن تنتج طاقةً بحجم 2 و 5 و 10 كيلوواطات، وتتمثل مهمتها الرئيسة في التعامل مع الطائرات دون طيار.
حاليًا، لدى الدول الصناعية الكبرى في العالم، مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا والعديد من الدول الأوروبية، برامج أسلحة ليزر نشطة، وفي بعض الحالات تم اختبار هذه الأسلحة ميدانيًا ووضع اللمسات الأخيرة عليها.
إن أسلحة الليزر بشكل خاص والطاقة المباشرة بشكل عام هي في الواقع مستقبل القطاع العسکري، وقد تحل يومًا ما محل الرصاص والصواريخ مثل أفلام الخيال العلمي.
واليوم، دخلت الدول الصناعية مجال أنظمة الليزر بقوة تزيد على 100 كيلو واط، وجمهورية إيران الإسلامية قد خطت بدورها أولى الخطوات وأهمها في هذا المجال بقوة ونجاح، وعلينا الانتظار لرؤية الصور المتعلقة بنظام الدفاع بالليزر الإيراني الصنع لأول مرة قريبًا.
ولا ننسى أن قضية الدفاع بالليزر هي واحدة من أكثر القضايا حساسيةً، وهي واحدة من أهم القضايا تقريباً في المعرفة العسكرية الحالية في العالم، وهناك أقل من 10 دول مهمة وقوية في العالم وحدها تمكنت من الحصول على منتجات في هذا المجال، حتى على مستوى التجارب الناجحة.