الوقت- تناقلت وسائل الإعلام تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاوويش اوغلو بشأن مصر على نطاق واسع.
فقد ذكر أن العلاقات بين مصر وتركيا حتى الآن كانت على مستوى رؤساء جهازي المخابرات في البلدين فقط، لكن الآن دخلت هذه العلاقة في القناة السياسية وتدخل دبلوماسيون من أنقرة والقاهرة في هذا الصدد.
في غضون ذلك قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار للمرة الثانية ان نهج مصر والتطورات الأخيرة تصب في مصلحة البلدين وكذلك تخدم دول أخرى في المنطقة. حيث ان هذه التطورات تتماشى مع علاقاتنا الثقافية والتاريخية. وأضاف أن "احترام مصر لحدود تركيا البحرية في البحر المتوسط خطوة مهمة".
كما وصف المتحدث باسم أردوغان إبراهيم كالن مصر بأنها قلب وعقل العالم العربي.
كما تظهر تصريحات مسؤولين بارزين في الفريق الرئيس من الرجال حول أردوغان أن الجهاز الدبلوماسي التركي مصمم على اتخاذ خطوات جديدة في مجال السياسة الخارجية والانتقال من التوتر إلى التفاعل والتفاهم.
ومثل هذا الشيء في حد ذاته هو نهج إيجابي. لكن سؤال منتقدي أردوغان هو أيضا سؤال مهم جدا وذكي وهو لماذا تماطل كثيرا؟ ألم يكن من الأفضل لو تخليت عن عنادك في وقت سابق ودخلت باب التفاعل والحوار مع المصريين؟
من "السيسي المنقلب" إلى "أخي السيسي"
يرى العديد من منتقدي ومعارضي أردوغان أن محاولة تطبيع العلاقات بين أنقرة والقاهرة هي علامة على فشل سياسات أردوغان السابقة في التطورات السياسية العربية الإفريقية.
علي باباجان زعيم حزب النهضة والديمقراطية، هاجم أردوغان بسخرية حول تحول أنقرة الجديد إلى القاهرة وكتب: "يقوم أساس السياسة الخارجية في جميع البلدان على الاستقرار والقدرة على التنبؤ. وإلا فسوف يتم دفعك فجأة من الأدب الحاد مع صيحات "السيسي المنقلب" إلى الأدب الناعم لـ "أخي السيسي". وقال: يدير الحزب الحاكم وزارة الخارجية بشكل تعسفي. تركيا كبيرة جدا وليست دولة يمكن ان تدار برغبات شخص واحد".
كما خصصت صحيفة قرار عنوان وصورة صفحتها الأولى لعدد اليوم وكتبت:"لماذا خسرنا 8 سنوات في مصر؟" تصريحات أردوغان القاسية والمتحيزة حول مرسي والسيسي لم تكن مفيدة لتركيا، والابتعاد عن القاهرة على مدى السنوات الثماني الماضية لم يفد تركيا فحسب، بل تسببت في خسائر فادحة لتركيا، والآن على تركيا أن تتراجع وتتقبل حقيقة أنه من أجل الحفاظ على مصالحها في إفريقيا وشرق المتوسط والعالم العربي، يجب أن تنحاز إلى مصر.
وكتبت صحيفة "الجمهورية"، وهي صحيفة معارضة أخرى ومنتقدة لحكومة "أكبارتي": "أفلست سياسة الإخوان لأكبارتي". واضافت ان حكومة أكبارتي القت بنفسها في منعطف خطير على شكل حرف U، والآن بعد أن أصبحت معزولة في المنطقة، عادت إلى المسار الصحيح.
على من يقع اللوم؟
يعتقد العديد من منتقدي أردوغان أنه في النظام الرئاسي، فقدت هيئة تسمى وزارة الخارجية أو مجموعة من السفراء والخبراء والمستشارين والمحللين موقعها وسلطتها، وجميع قرارات السياسة الخارجية الرئيسية يتخذها الرئيس بنفسه. وأحد أخطاء أردوغان المستمرة أنه وضع تكاليف باهظة على تركيا بحرسه الصارم وتصريحاته النارية، وانه لم يكن لوزير الخارجية والدبلوماسيين تحت امرته اي دور في في تحديد نهجه القاسي تجاه حكومة السيسي.
الى ذلك كتب المحلل السياسي التركي مهمت علي غوللر: "الآن بعد أن أدركوا خطأهم في القضية المصرية وعادوا إلى السيسي، حان الوقت لفعل شيء حيال سوريا (دمشق). فقضية سوريا أهم بكثير من مصر".
نقطة الوصل بين البحر الأبيض المتوسط والخليج الفارسي
من وجهة نظر الجغرافيا السياسية، لا توجد علاقة مباشرة بين التطورات في شرق البحر المتوسط والمجال الأمني للخليج الفارسي. لكن عندما ننظر إلى العلاقات السياسية والأمنية المحددة بين اللاعبين العرب المهمين في المنطقة، نرى أن العديد من الجهات الفاعلة، مثل الأردن ومصر والبحرين، تتأثر بشكل ما بسياسات السعودية. حيث انه نتيجة لمحاولة إقامة علاقة إيجابية مع مصر في شرق البحر الأبيض المتوسط، سيكون هناك اتصال تقني خاص مع الخليج الفارسي، وسيتعين على تركيا تحديد كل هذه القضايا من منظور واسع والوصول إلى نتائج جديدة مع السعودية.
لكن في قضية الاغتيال الوحشي لجمال خاشقجي على يد عملاء بقيادة محمد بن سلمان، امتنعت تركيا عن توجيه انتقادات واتهامات قاسية للأسرة السعودية كي تتمكن في الوضع الحالي من تولي زمام الأمور في المنعطفات العملية وان تأخذ خطوة نحو تطبيع العلاقات مع السعودية.
في النهاية، تُظهر الأدلة أن راحة البال في شرق البحر الأبيض المتوسط أصبحت أولوية حيوية واستراتيجية للسياسة الخارجية التركية، وأهمية هذه القضية أن أنقرة مستعدة حتى لإعادة تعريف علاقتها مع تيار الإخوان المسلمين في مصر وفلسطين ودول أخرى على أساس مصالحهم في شرق المتوسط.
وفي الوقت نفسه، تؤثر هذه القضية على علاقات تركيا مع دول الخليج الفارسي، فعلى الرغم من أننا قد نشهد بعض النجاح النسبي لوزارة الخارجية التركية في هذا المجال في الأسابيع والأشهر المقبلة، إلا أن السؤال الحاسم لخصوم أردوغان المحليين يظل مهما، وهم مستمرون في إثارة هذا النقد وهو انه ما كان ينبغي لحزب العدالة والتنمية أن يتأخر كثيراً لهذه الدرجة.