الوقت- بعد أكثر من 6 أشهر للعدوان السعودي على الشعب اليمني، عادت الأزمة إلى نقطة الصفر و وافق الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي بعد إجتماعه في الرياض مع حكومة خالد بحّاح على المشاركة في مفاوضات مباشرة برعاية الأمم المتحدة، مع حركة أنصار الله، وحزب المؤتمر وبقية الأطراف الرافضة لعدوان التحالف العربي.
رغم أن مكان إجراء
المفاوضات لم يحدد بعد، إلا أن الأهداف
تتلخّص في إستئناف الحوار بين مختلف المكونات اليمنية، بعد أن تسبب العدوان
السعودي في وقفها. إن وفود هادي في كافّة الجولات
السابقة عادوا بخفّي حنين، بإعتبار أن العدوان العسكري لم يمتلك أي ورقة عسكرية
يمكنه التفاوض عليها، الأمر الذي تسبّب بطلب
الإنسحاب من وفد هادي "السعودي" وإستمرار العدوان.
اليوم وبعد أكثر من ستّة أشهر، عاد وفد هادي إلى المفاوضات، بعد إصرار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على الرئيس المستقيل بضرورة المشاركة في الحوار والتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية، كما أن العديد من المراقبين يؤكدون وجود ضغط أمريكي على الرياض لإنهاء العدوان بأسرع وقت، والإنتقال إلى حل سياسي نهائي للأزمة.
إلا أن هادي عمد إلى تأجيل الحوار مدّة أسبوعين في رسالة واضحة يسعى من خلالها لكسب أي نصر ميداني يمكن إستثماره على طاولة الحوار، وبالتالي الدخول في المفاوضات من منطلق القوّة لا الضعف، ولكن هل ستعودة سمفونية مقاطعة الحوار من قبل هادب بعد فترة؟ أم انها الجولة الأخيرة؟
مستجدات الحوار اليمني
لقد أثبتت كافّة الأطراف اليمينة، بما فيها الرئيس هادي، قدرتها على إدارة الملف اليمني دون أي تدخّل خارجي، وبالفعل نجحت هذه الأطراف في إبرام إتفاق السلم والشراكة الذي كان بمثابة النواة لأي دستور جديد للبلاد، إلا أن خشية الرياض من خسارة فنائها الخلفي، دفعت بالرئيس المستقيل هادي إلى طرح مشروع الأقاليم الست التقسيمي ، والذي قلب طاولة الحوار رأساً على عقب.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، هو مصير الحوار في ظل التغيّرات الإقليمية التي تؤسس لإجبار الرياض على وقف عدوانها عبر بوابة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وربّما هذا ما دفع بـ"بان كي مون" لمطالبة هادي بالمشاركة في الحوار، ودفع بواشنطن للضغط على الرياض للدخول في الحوار عبر ممثلها هادي.
في الحقيقة، هناك جملة من العوامل تسبّبت بتغيّر المناخ السعودي تجاه الوضع اليمني، وهنا تجدر الإشار إلى النقاط التالية:
أولاً: لم يعد الوضع الدولي ملائماً لإستمرار العدوان على الشعب اليمني، لاسيّما أن المجازر الأخيرة في المخا وغيرها، أثارت حفيظة المنظمات الدولية التي هاجمت السعودية بشكل شرس، وإتهمتها بإرتكاب جرائم حرب ضد أبناء الشعب اليمني.
ثانياً: لا يمكن لواشنطن التي تدعي محاربة تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، الإستمرار في التغاضي عن الإنتقادات التي توجّه إليها بسبب دعمها للعدوان السعودي، كما تخشى إدراة الرئيس الأمريكي من إستغلال روسيا لهذا الأمر بغية التوصيب الإعلامي على أمريكا.
ثالثاً: يبدو أن نتيجة هذه الجولة من الحوار، وبصرف النظر عن النتائج الميدانية لأي هجوم سعودي، ستكون مختلفة عن نظيرتها وذلك بسبب التدخّل الروسي في سوريا. بعبارة آخرى، بعد التدخّل العسكري للرئيس بوتين في الأزمة السورية، بدأت الرياض بمحاربة موسكو نفطياً عبر الدخول إلى أسواقها في أوروبا الشرقية، مما يدفع بالأخيرة لرد عكسي ضد السعودية، ويرَجّح أن تكون الساحة اليمنية هي المكان الأنسب للرد الروسي. إن أي إجراء روسي ضد العدوان على اليمن، بعد أكثر من ستّة أشهر على الصمت، قد يفرض على حلفاء الرياض في المفاوضات قيوداً جديدة.
رابعاً: لا ريب في أن الصمود الأسطوري للجيش واللجان الشعبية، يقف وراء جرّ هادي وأعوانه ومن خلفهم السعودية، بالقوّة إلى طاولة الحوار، ولولا ذلك لكان محمد بن سلمان هو "بول بريمر" اليمن.
قد يرى البعض أن مبادرة كي مون تنظلق من مبدأ إنساني، إلى أن الواقع يؤكد أنها جاءت لإنقاذ السعودية من المستنقع اليمني، خاصةً أن الوقت لم يعد في صالحها، كما أن قبول الرياض بالمفاوضات لإدراكها المسبق أن الحل العسكري لم يجد نفعاً، والظروف الإقليمية تجري بما لا تشتهي السفن السعودية. بإختصار، إن الجولة المقبلة هي من الجولات الأخيرة إن لم تكن النهائية.