الوقت- تعتبر التنمية المتوازنة وايجاد مواطن شغل من اهم التحديات التي تواجهها تونس اليوم، ولتحقيق ذلك يستوجب القطع مع الحكم العمودي والمسقط الى الحوكمة النابعة من مقاربة تشاركية تجمع جميع الاطراف المتداخلة. في ولاية تطاوين بأقصى الجنوب التونسي ورغم الموارد التي تتميز بها المنطقة فان نسبة البطالة التي توجد بها تعتبر الاعلى في الجمهورية التونسية. هذا الامر تسبب في تنامي غضب شباب المنطقة ووصل الى حد تنظيم احتجاجات واعتصامات لم يسبق ان عرفتها تونس وكان اشهرها اعتصام الكامور. في هذا البحث سنشخص اسباب هذا الاعتصام، مراحله ونتائجه القصيرة والطويلة المدى.
اعتصام الكامور"، هي حركةُ احتجاجية انطلقت في أبريل (نيسان) 2017 في منطقة الكامور البترولية في محافظة تطاوين، أقصى جنوب تونس، تُوّجت بتوقيع اتفاق بين الحكومة والمعتصمين في يونيو (حزيران) في العام نفسه.
تتمثّل الأسباب الرئيسة وراء تأجيج الأوضاع وتواصل الاعتصام، في أن عدداً من الشباب في المنطقة طالبوا بحقهم في العمل والمساواة بينهم وبين بقية شباب البلاد، وخاصة أن منطقتهم تحتوي على ثروات طبيعية لم يستفيدوا منها، إلى جانب المصاعب اليومية التي يعيشونها والمتمثّلة أساساً في ضعف البنية التحتية وقلّة الإدارات والمنشآت العموميةِ وصعوبةِ المناخ الصحراويّ.
فشل الخيارات التنموية
في بيان أصدرته الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، في 24 يونيو 2020، أشارت إلى أنّ مبدأ تواصل الدولة يفرض على الحكومة الحالية الالتزام بتنفيذ الاتفاق الموقّع بين تنسيقية الكامور والحكومة السابقة، مذكّرة إياها بوجوب التزامها بتعهدات الحكومات السابقة والاتفاقيات المُبرمة مع الأطراف الاجتماعية كافة".
واعتبرت أن الأحداث في تطاوين هي مؤشر آخر إلى فشل الخيارات الاقتصادية والاجتماعية المُتّبعة طوال العقود السابقة، ودليل إضافي على فشل الحكومات المتعاقبة على السلطة منذ 2011 في إرساء نمط تنموي اجتماعي يضمن العدالة بين الفئات والجهات، مجددة التأكيد على أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لا يمكن أن تكون محلّ مزايداتٍ سياسية بين الأطراف السياسية الفاعلة في الحكومة وفي مجلس نواب الشعب.
هذا وتملك تونس منتجات منجمية كالبترول والفوسفات والغاز، لكن حجم الإنتاج متواضع مقارنة ببلدان الجوار. حيث انه قبل يناير (كانون الثاني) 2014، كانت تونس تصدّر 110 آلاف برميل نفط يومياً، لكن بعد الثورة وخاصة في السنوات الماضية انخفض الإنتاج إلى أقل من 37 ألف برميل يومياً نتيجة التحركات الاحتجاجية المتتالية.
الى ذلك تدخل ولاية تطاوين منذ يوم الاربعاء 24 فبراير في اضراب عام كخطوة تصعيدية امام عدم التزام الحكومة بإنجاز بنود الاتفاق الاخير لاعتصام الكامور وفق البرنامج المحدد .
مر على امضاء الاتفاق الجديد لاعتصام الكامور اكثر من 3 اشهر لكن تنفيذ بنوده المتمثلة في التشغيل والتنمية لم يفعل كليا على ارض الواقع الى حد اليوم بالرغم من الاجتماعات بين الوفد الحكومي والوفد الجهوي وتنسيقية اعتصام الكامور .
في الوقت الذي يقول فيه الوفد الحكومي ان التصعيد من قبل اعضاء تنسيقية اعتصام الكامور غير مبرر لان كل نقاط الاتفاق في «اللمسات الأخيرة وان الاجتماعات بين جميع الاطراف جرى جلها على احسن ما يرام وبالتالى لا مبرر اليوم للتصعيد لان الحكومة لم تتراجع بل يوجد بعض التعطل لا غير، وترى تنسيقية اعتصام الكامور ان الوفد الحكومي يماطل وان الولاية تعيش احتقانا كبيرا وخاصة اثر تعطل صرف القروض بعد استيفاء كل الشروط ودراسة المطالب.
وقد قررت تنسيقية اعتصام الكامور عقب اجتماع عقدته بمقر ولاية تطاوين مع الوفد الجهوي المفاوض والذي خصص لمتابعة سير تنفيذ اتفاق الكامور 2 الدخول في اضراب عام ينطلق يوم الاربعاء 24 فيفري 2021 و يتواصل 3 ايام وذلك باستثناء المستشفيات والصيدليات والمخابز ومواصلة الاعتصامات في الخيام والطرقات الرئيسية في المدن والعمادات وذلك في خطوة تصعيدية امام عدم التزام الحكومة بانجاز مختلف بنود الاتفاق الممضى مع الوفد الحكومي والتي اقرها رئيس الحكومة في المجلس الوزاري المنعقد يوم 5 نوفمبر الماضي في اجالها المحددة.
في السياق ذاته احتج أعوان و إطارات شركة البيئة لمطالبة الحكومة بتنفيذ كافة بنود الاتفاقية الممضاة مع الوفد المفاوض الممثل لولاية تطاوين خاصة المتعلقة بتصنيف شركة البيئة وصرف المفعول الرجعي للزيادة والالتزام بصرف الأجور مستقبلا في مواعيدها. للتذكير من بين النقاط المدرجة في الاتفاق تصنيف شركة البيئة وقد تم في هذا الاطار صرف اجور الاعوان لكن مسالة المفعول الرجعي تتطلب مزيدا من الوقت.
وقد عاد التوتر في تطاوين بعد ان توجه اصحاب المطالب الذين حظوا بالموافقة للتمتع بقروض الى بنك التضامن لسحب المبالغ لكن تم اعلامهم بعدم امضاء اتفاقية المساهمة الاجتماعية وهو ما اثار غضب التنسيقية والاهالي الذين اعتبروا ذلك تجاهلا- عموما عدد هذه القروض 1000 قرض عوض الف موطن شغل بشركات البترولية - وبعد التصريحات والتصريحات المضادة وقع الخروج في مسيرات وتنفيذ وقفات احتجاجية للمطالبة برحيل الوالي ثم توجه اعضاء التنسقية الى الكامور من اجل نصب الخيام مهديدين باعادة نفس سيناريو اعتصام الكامور وغلق «الفانا» لكن القوات الجيش منعتهم باعتبار المنطقة منطقة عسكرية محجرة .
من النقاط الاخرى إحداث 215 موطن شغل في الشركات البترولية والانتدابات النهائية لم تحصل بعد الى جانب انشاء ثلاث شركات مازالت محل دراسة، و80 مليون دينار صندوق التنمية لم يفعل بعد، وتهدد التنسيقية بالتصعيد.
بشكل عام يعتبر التفاوت التنموي الجهوي والمحلي من أكبر الاشكاليات التي تجابهها تونس، فاليوم بات أكثر من الضروري اعادة النظر في منوال التنمية المتبع وضرورة تحديد رؤى جديدة وبلورة مقترحات وحلول كفيلة بإعادة صياغة نمط جديد للتنمية الجهوية في تونس بالاستئناس بالتجارب المسجلة في بعض البلدان النامية والمتقدمة.
أحداث الكامور بتطاوين دقت نواقيس الخطر بتونس و أكدت انه من غير الطبيعي بقاء التفاوت التنموي الجهوي على حاله بين ولاية تطاوين وبعض الولايات الاخرى رغم الموارد الموجودة بها. فالتنمية الجهوية أو المحلية تبرز في مقاومة الاقصاء والتهميش وتوزيع الثروة بصفة عادلة ما ينتج عنه توفير مواطن الشغل وإنشاء التجهيزات الأساسية والاقتصادية وبعث المرافق الاجتماعية.
من هنا يجب على الدولة اعادة تحديد دورها في المنظومة الاقتصادية بولاية تطاوين واعادة النظر في العلاقة بينها وبين القطاع الخاص لتحديد استراتيجية لفترة ما بعد الثورة. هذا الامر يستوجب ايجاد التمويل المناسب من خلال إرساء آليات متابعة. فمنطقة كتطاوين التي تضم عدة أنشطة اقتصادية ينتج عنها موارد مالية وجبائية جد مرتفعة، ورغم ذلك تعاني فيه بعض معتمدياتها من نقص في الخدمات الأساسية كالإنارة والربط بالماء الصالح للشراب والبنية الاساسية ومحدودية قدراتها الاقتصادية في وقت يجب فيه أن تتمتع هذه المناطق بجزء من الموارد الجبائية للولاية ليقع استثمارها فيها وتصبح بذلك مناطق جاذبة للاستثمار، غير أن تحقيق هذا الامر يبقى رهين التوفّق في تجاوز الإخلالات الهيكلية للنموذج التنموي القديم.