الوقت- يبدو أن الادارة الأمريكية الجديدة، تحاول تقديم صورة جديدة للولايات المتحدة الأمريكية، وتعمل على تحسين صورة واشنطن بعد أن أظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حقيقة الأمريكي بكل وضوح، ولكن في ظاهر الأمر. الادارة الامريكية الجديدة تريد محو سجل ترامب وتقديم صورة جديدة أكثر اشراقاً عن ديمقراطية الولايات المتحدة المزيفة، وعلى هذا الاساس أعلن البنتاغون يوم الاثنين أن القوات الأمريكية الموجودة في سوريا لم تعد مسؤولة عن حماية النفط في هذا البلد وأن واجبها الأوحد هو مكافحة تنظيم "داعش".
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جون كيربي للصحافيين إن "موظفي وزارة الدفاع ومقاوليها من الباطن ليسوا مخولين بمد يد المساعدة إلى شركة خاصة تسعى لاستغلال موارد نفطية في سوريا ولا إلى موظفي هذه الشركة أو إلى وكلائها".
وأضاف ردا على سؤال بشأن مهمة القوات الأمريكية في سوريا أن العسكريين الأمريكيين المنتشرين في شمال شرق سوريا، وعددهم حاليا نحو 900 عسكري، "هم هناك لدعم المهمة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا (...) هذا هو سبب وجودهم هناك".
أقل ما يقال عن هذا الكلام نفاق محض، فالولايات المتحدة الامريكية تسيطر على نفط سوريا لسنوات طويلة ان كان عن طريق "داعش" أو عن طريق "قسد" فبكلا الحالتين هي استعمار غير مرحب به، وان كانت الادارة الجديدة تحترم القانون الدولي، فيجب القول أن تواجد القوات الامريكية هو اعتداء على السيادة السورية، فهي دخلت إلى سوريا عنوة وبدون اذن من الحكومة السورية.
أما بالنسبة لحديث كيربي عن عدم مد يد العون لشركة خاصة، فالأمر واضح، ومرتبط بشكل مباشر بالشركة التي أعطاها ترامب الضوء الاخضر لسرقة النفط السوري، فهذه الشركة محسوبة على الجمهوريين والادارة الديمقراطية لا تريدها ان تسرق هذا النفط لوحدها، فأمريكا تحرص على أن تبقي الآبار النفطية السورية بيدها، ولا يهم ان كان تحت غطاء داعش او قسد او غيرهما.
وفي العام 2020 تمّ التوصّل إلى اتّفاق بين شركة النفط الأميركية "دلتا كريسنت إنيرجي" والإدارة الذاتية الكردية يتيح لقوات سوريا الديموقراطية الإفلات من مجموعة واسعة من العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على الحكومة السورية.
هذا وكشف موقع "غلوبال ريسيرتش" الكندي قبل نحو شهرين أن "إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ساعدت شركة ممولين ومانحين للحزب الجمهوري في الحصول على صفقة لسرقة النفط السوري ونهبه".
ونشر الموقع في تقرير له اعترافًا للمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جويل رايبورن خلال جلسة استماع للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي مؤخرًا، أقر فيها بأن "إدارة ترامب حرصت على حصول شركة "دلتا كريسنت إنيرجي" التي شارك في تأسيسها متبرعون للحزب الجمهوري على صفقة لنهب النفط السوري وسرقته واستغلاله".
ولم يجد رايبورن حرجاً من الاعتراف بأن إدارة ترامب اختارت هذه الشركة بالذات دون غيرها من الشركات الأمريكية التي حاولت بدورها المشاركة في سرقة النفط السوري بهدف تنفيع داعميها وممولي الحزب الجمهوري الذي تنتمي إليه.
وكشفت تقارير سابقة أن "إدارة ترامب عملت على مدى سنوات على مخطط لنهب النفط السوري، وتجسد مخططها هذا بالاتفاق مع "قسد" بإعطاء "دلتا كريسنت إنيرجي" التي تم إحداثها في تموز الماضي لتنفيذ المخطط الأمريكي المذكور صلاحيات واسعة للاستيلاء على نصف حقول النفط السوري واستغلالها.
في الحقيقة الاتفاق المبرم مع الولايات المتحدة لا يحمل أبعاداً اقتصادية بقدر ما يحمل ابعادا سياسية، ويبدو ان الاكراد ورطوا انفسهم من جديد مع الأمريكي الذي سيغدر بهم عند اول مفترق طرق والتاريخ شاهد على ذلك، مع العلم ان الحكومة السورية مدت يد العون للاكراد مرارا وتكرارا ودعتهم الى دمشق للاتفاق على بنود معينة وقدمت لهم تنازلات وساعدتهم في الحرب ضد الارهاب، وعندما حوصر الاكراد طرقوا ابواب دمشق، عندما هاجمهم التركي وانقلب عليهم الامريكي وتركهم لقمة سائغة لدى الاتراك، وفي الغالب سيتكرر هذا المشهد ولا نعتقد ان دمشق سيكون لها ردة الفعل السابقة نفسها.
وتقع أهم الحقول النفطية في مناطق تسيطر عليها بشكل أساسي "قوات سوريا الديموقراطية"، القوى العسكرية المرتبطة بالإدارة الذاتية الكردية التي تشكل العائدات النفطية المصدر الرئيس لمداخيلها.
وكان ترامب قال في 2019، عندما تراجع عن قراره سحب جميع القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، إنه سيبقي على بضع مئات من العسكريين "حيث هناك نفط".
ودفعت الإدارة الأمريكية عن نفسها تهمة الاستفادة ماليا من النفط السوري، وأكد البنتاغون أن وجود قواته في المناطق النفطية في سوريا يهدف لمنع وصول هذا النفط إلى تنظيم "داعش" والسماح لقوات سوريا الديموقراطية بتمويل جهودها لإعادة الإعمار.
في الختام؛ حتى لو قدمت الولايات المتحدة النفط للاكراد على طبق من فضة، يجب ان يكونوا حذرين من الوقوع في الفخ، فما يقوم به الأكراد في شمال شرق سوريا يعد "خيانة" بكل معنى الكلمة لبلدهم سوريا، وحتى لو قالوا بأنهم "ادارة ذاتية" لا يحق لهم ابرام صفقات مشبوهة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تستغلهم وتستغل تطلعاتهم السياسية وقد خذلتهم مرارا وتكرارا في سوريا والعراق، ويتخذلهم مجددا عند الانتهاء من ورقتهم، فهي ابرمت الاتفاق الجديد معهم بخصوص النفط لخدمة نفسها والحصول على ورقة ضغط جديدة في اي مفاوضات مقبلة، فهي تعلم جيداً ان تركيا وكذلك سوريا لن يسمحا بحصول هذا الاتفاق مهما حصل، ولكن ترامب يستخدم ذلك كورقة ضغط يستغلها ضد الاتراك او السوريين.