الوقت- أعلن محرم إينجه رسميا استقالته من حزب الشعب الجمهوري (CHP)، الأمر الذي أثار موجة من الفرح في وسائل الإعلام الموالية لحزب العدالة والتنمية.
ولم يخفِ رجب طيب أردوغان، زعيم حزب العدالة والتنمية ورئيس تركيا، سعادته بهذه الواقعة وقال للصحافيين: "استقالة إينجه ليست الاستقالة الأولى ولا الأخيرة. الحزب الجمهوري الشعبي يتفكك وينهار داخليا". واضاف "في رأينا هذا الحزب لا يختلف عن حزب الشعوب الديمقراطي الموالي لحزب العمال الكردستاني".
لكن محرم إينجه نفسه قال للصحفيين: "حزب الشعب الجمهوري هو إرث وأثر لأتاتورك، والآن يحتل البعض هذا الإرث. وقد قدمت استقالتي احتجاجا على هذا الاحتلال وبدأت حزبا سياسيا جديدا يسمى (حركة المملكة). واضاف "لا علاقة لي بتحالف (اردوغان - بغشلي) وسأدير حزبي بمساعدة شعبي وأصدقائي."
حتى الآن، استقال ثلاثة أعضاء من حزب الشعب الجمهوري وانضموا إلى حزب محرم إينجه. ومن المتوقع أن يصل عدد هؤلاء الأشخاص في المستقبل إلى 12 شخصا على الأقل.
إمكانات إينجه
قبل بضع سنوات، كان محرم إينجه ، في إحدى محافظات تركيا ذات الكثافة السكانية المنخفضة، يعمل سكرتيرا لدروس الفيزياء والكيمياء في مدرسة ثانوية، وربما لم يكن هو نفسه يتوقع أن ينمو بسرعة في الحزب الجمهوري الشعبي.
ربما كان أحد أسباب نموه السريع هو أن معظم الكوادر المتقدمة والعالية لهذا الحزب التركي القديم كانوا من العائلات المؤثرة، والعسكريين، والأثرياء، والكماليين القدامى، الذين لم يكونوا قريبين جدا من الناس والشارع. لكن محرم إينجه صور نفسه على أنه شخص يمكنه التحدث إلى جميع شرائح المجتمع وإظهار السلوك الصادق.
محرم إينجه طموح ومجتهد ويمكنه التواصل مع الناس في الشوارع بأسلوب قريب من أسلوب أردوغان. لكن الحقيقة هي أنه لا يتمتع بالكاريزما ولا يتمتع بالكثير من الخبرة والقوة في مجالات مهمة مثل العلاقات الدولية والعلوم السياسية والقضايا الاقتصادية والتنفيذية.
ازدهر إينجه في الحزب الجمهوري الشعبي في وقت كانت فيه العديد من الكوادر الموهوبة قد غادرت الحزب في السابق احتجاجا على قيادة دنيز بايكال وكمال كليجدار اوغلو. وصل إينجة إلى منصب المرشح الرئيسي للحزب في الانتخابات الرئاسية خلال سنوات قليلة فقط. لكن بعد خسارته أمام أردوغان، ألقى باللوم على زعيم الحزب، معلنا دون مجاملات "لا يمكن لهذا الحزب أن يصل إلى السلطة مع هذا الزعيم"
والحقيقة أن حزب الشعب الجمهوري لم يفاجأ باستقالة محرم إينجه، وهذا الإجراء جاء نتيجة نزاع استمر ثلاث سنوات بينه وبين زعيم الحزب.
حاول اينجه مرارا وتكرارا الإطاحة بكليجدار اوغلو وأن يصبح زعيم الحزب بنفسه. لكنه لم يحصل على الدعم الذي يحتاجه. وعلى الرغم من أن أكبر حزب معارض لأردوغان قد صرح بأنه ليس من السيئ أن يهتز مع هذه الرياح، لكن في نفس الوقت، لا يمكن للمرء أن يتجاهل حقيقة أن محرم إينجه كان أحد أكثر الشخصيات شعبية في الحزب وفاز بـ 15 مقعدا في انتخابات 2018 بحصوله على 15 مليوناً و 341 ألف صوت، أي انه فاز بأصوات ما يقرب من 31٪ من إجمالي عدد الناخبين في تركيا.
وكان إينجه هو المرشح الأقرب لأردوغان في ذلك السباق، وكانت أصوات المرشحين الآخرين على النحو التالي: صلاح الدين دميرتاش زعيم حزب الشعب الديمقراطي ، 4200000 صوت، وميرال أكشنر زعيمة حزب الخير ب 3.650.000 صوت.
نموذج القائد ذي الدم البارد
نادرا ما ينفعل زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار اوغلو كما أنه ليس شخصية كاريزمية مقارنة بالعديد من قادة الأحزاب السياسية التركية. وعلى أي حال، في الوضع الحساس الذي نشأ بعد الفضيحة الجنسية لدينيز بايكال، تراجع حزب الشعب الجمهوري عن حافة الهاوية وفاز في الانتخابات البلدية بدعم الاكراد بقيادة حزب العمال الكردستاني في اسطنبول، وأنقرة وأضنة وألحق هزيمة ثقيلة بحلفاء أردوغان وأظهر حتى الآن أنه خيار جيد للتخطيط والمفاوضة وراء الكواليس.
وردا على إجراء اينجه، قال كليجدار اوغلو: "لقد استقال كثير من الناس من حزب الشعب الجمهوري وذهبوا وشكلوا حزبا. وهذا ما يحدث في الديمقراطية ونحن لا نفكر في هذه الاشياء. لكن المهم بالنسبة لنا هو خدمة الناس.
مصير المعارضة
إن استقالة ممثلي الأحزاب الكبيرة في تركيا وتأسيس الأحزاب الصغيرة المنشأة حديثًا هي، أولاً وقبل كل شيء، علامة استياء من أداء القادة غير المستعدين للتنحي وفتح الطريق أمام قوى جديدة والذين لا يحتملون النقد ولا تقبل مقترحات جديدة.
في الوقت نفسه، تعد هذه الاستقالات علامة على البتلات الأولى التي يمكن أن تظهر تدريجياً مواقف وخطابات جديدة في المشهد السياسي التركي في السنوات المقبلة. لكن المهم في الوضع الراهن أنه على الرغم من استقالة العديد من ممثلي أحزاب المعارضة، الأمر الذي جعل الحزب الحاكم سعيدا، إلا أن الوضع لا يزال في غير مصلحة أردوغان وحلفائه.
لأن هناك عاملين مهمين يظهران أنه على الرغم من الانقسامات والمشاكل في أحزاب المعارضة، فإن هناك عاملين يثيران قلق أردوغان ورفاقه:
1-تظهر استطلاعات الرأي أن الائتلاف الجمهوري (حزبي أردوغان وباغشلي) معا لا يمكن ان يحصلان على 45٪ من الأصوات التركية.
2- بالرغم من وجود بعض الانقسامات الداخلية في معسكر المعارضة، إلا أن الدلائل تشير إلى أن محاولة الإطاحة بأردوغان والحزب من السلطة هدف مشترك ودافع مهم لجميع أحزاب المعارضة، التي يمكنها ولو مؤقتا أن تجمعهم تحت سقف واحد.
ويبقى أن نرى في الأشهر المقبلة ما إذا كان الحزب الحاكم وشريكه سيستطيعان إيجاد طرق لإعادة بعض المحافظين المتذمرين والمستائين والغاضبين أم لا.