الوقت- بعد مضي أسابيع قليلة فقط على المصالحة بين دول مجلس تعاون الخليج الفارسي، والتي أنهت حصارا دام سنوات على قطر من قبل أربع دول: السعودية والإمارات ومصر والبحرين، الآن يتغير الجو بطريقة مختلفة وحرارة التوتر تزداد يوما بعد يوم.
بعد غياب ملك البحرين عن قمة العلا، واستقبال الإمارات البارد لخفض التصعيد مع قطر، تنشر وسائل الإعلام الآن بداية جولة جديدة من التوترات بين مصر وقطر. وفي هذا الصدد، وبحسب صحيفة الأخبار اللبنانية، رفض أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني دعوة مصر للسفر إلى القاهرة وحل بعض المشاكل في العلاقات بين البلدين، الأمر الذي أغضب المصريين. ولهذا السبب استأنفت القاهرة جولة جديدة من الهجوم الإعلامي على الدوحة كراع للإرهاب والإخوان المسلمين، ووضعت بعض الإجراءات ضد قطر على جدول أعمالها، بما في ذلك إغلاق المجال الجوي أمام الخطوط الجوية القطرية وتقييد الاستثمار القطري في مصر.
بدا أن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين مصر وقطر، الذي أُعلن في 20 كانون الثاني، كأنه يسير باتجاه إيجابي للغاية. لكن بعد وقت قصير من توقيع اتفاقية المصالحة في السعودية، أقامت شركة الاستثمار العقاري القطرية المملوكة للدولة "الديار" حفل افتتاح فندق سانت ريجيس في القاهرة. وحضر وزير المالية القطري علي العمادي إلى جانب وزير الخزانة الأمريكي السابق ستيفن مانوشيه، حيث يعد هذا الحدث الأول من نوعه حيث يقوم فيه مسؤول قطري رفيع المستوى بزيارة مصر منذ أزمة مجلس التعاون الخليج الفارسي في منتصف عام 2017.
وأعلن العمادي خلال مراسم تدشين المشروع انه الخطوة الأولى لقطر نحو استثمار أكثر من 5 مليارات دولار في مختلف المجالات في مصر.
كما سعت القاهرة للحصول على مزايا مالية أخرى في المصالحة مع قطر. حيث يعمل حوالي 300 ألف مصري في قطر، وهي مصدر مهم للنقد الأجنبي للحكومة.
ومن ناحية أخرى، هناك عدة عوامل دفعت مصر إلى تهدئة التوترات التي أثرت على الميل إلى إعادة بناء العلاقات مع الدوحة.
أولاً: الدفء في العلاقات بين مصر وقطر يرتبط نوعا ما بصعود بايدن الى السلطة. حيث ان القيادة في القاهرة، مثل حكام آل سعود في الرياض، لديها مخاوف جدية بشأن أهداف الإدارة الأمريكية الجديدة. لان المسؤولين المصريين يذكرون جيدًا أن إدارة أوباما توقفت عن بيع الأسلحة لمصر بعد انقلاب 2013. وهم الآن قلقون من أن الحكومة الجديدة ستضغط على مصر بنفس الطريقة فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان. ومن خلال إقامة علاقات دبلوماسية مع الدوحة، ربما سعت مصر لإظهار حسن نيتها تجاه واشنطن.
لكن التغيير في واشنطن لم يكن العامل الوحيد في رغبة مصر في السلام مع قطر. أصبحت حكومة عبد الفتاح السيسي اليوم في وضع أكثر أمانا مما كانت عليه عندما تولى السلطة بعد الإطاحة بحكومة محمد مرسي في عام 2013 أو حتى عندما حدثت أزمة الخليج الفارسي في عام 2017. حيث انتقل العديد من قادة الإخوان المسلمين من قطر إلى تركيا، ما جعل المصالحة مع الدوحة أسهل بالنسبة للقاهرة.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه التطورات الإيجابية، فإن وجود بعض الخلافات الجوهرية أدت مرة أخرى إلى إثارة التوترات بينهما، بحيث يمكن في أفضل الأحوال تسمية العلاقات بين قطر ومصر في بيئة ما بعد المصالحة بـ "السلام البارد".
وربما تكون الحرب الأهلية الليبية هي القضية الأكثر حساسية حيث ان البلدان في هذه القضية على طرفي نقيض. تعمل الدوحة مع تركيا لدعم حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة، بينما دعم المصريون إلى جانب المتحدة، الجيش الوطني الليبي المتمركز في طبرق، بقيادة خليفة حفتر.
وتشعر القاهرة بالقلق من أن جماعة الإخوان ستعزز مكانتها في بلد له حدود طويلة مع مصر. وفي ظل غياب التقدم الدبلوماسي لإنهاء الصراع، ستظل الأزمة الليبية مصدر انقسامات عميقة في العلاقات بين الدوحة والقاهرة.
خارجاً عن ليبيا، هناك قضايا إقليمية أخرى، من الاضطرابات السياسية المستمرة في تونس إلى نفوذ قطر المتزايد في جنوب السودان، والتي من المرجح أن تستفز المصريين.
وبما أن القاهرة حساسة للغاية للنزاع حول سد النهضة الإثيوبي على النيل، فإنها ترى أنه من الضروري العمل مع كل من جنوب السودان وشماله لتأمين مصالحها الوطنية في شرق إفريقيا.
ومن غير المرجح أن ترحب القاهرة بجهود قطر لتوسيع دورها في التطورات في المنطقة، ولا سيما في دعم إثيوبيا. تماما كما اعتبرت القاهرة دعم قطر للفصائل الإسلامية في السودان تهديدا مباشرا لمصر في عهد حسني مبارك، كما ترى حكومة السيسي أن استئناف نفوذ الدوحة في الخرطوم (الذي تضاءل بشكل كبير منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير في عام 2019) يمثل تهديدًا محتملاً لها.