الوقت- عندما تسعى الدول الغازية الى خلق بيئة أمنية واستراتيجية جديدة في أي منطقة لأغراض تعود بالمنفعة الخاصة لها فيما بعد، فهي ترمي بكل ثقلها السياسي والعسكري لأجل تبرير مسعاها أولاً ولتنفيذ أجندتها الاستعمارية ثانياً واعتماد استراتيجية دقيقة في إدارة العمليات قبيل وبعد عملية الاحتلال ثالثاً. وإدارة العمليات تشمل ما بعد التخطيط العسكري، تخطيطات وإجراءات أمنية ومناهج متبعة من أجل تحقيق الأهداف على المديين القريب والبعيد، سياسياً واقتصادياً.
من هذا المنطلق، حققت أمريكا أغراضها الدنيئة باحتلال العراق عام 2003، بعدما فرضت عليه حصارا منذ 1991 عن طريق مجلس الامن الدولي، أمات الحصار خلال سنينه أعداداً كبيرة من ضحايا الشعب العراقي، ناهيك عن التبعات الأخرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لا مجال لذكرها في هذا المقال. ولكن يمكن القول باختصار أن احتلال أو غزو بغداد الذي تم بعد ثلاثة أيام من معركة المطار، قد حقق ما كانت تحلم به أمريكا، بعد أن قدمت مجموعة تبريرات لإقناع الرأي العام الأمريكي والعالمي بشرعية الحرب، تلك التبريرات التي تمثلت بالدرجة الأولى بامتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وعدم تعاون القيادة العراقية في تطبيق المادة 19 لقرار الامم المتحدة بشأن إعطاء بيانات كاملة عن ترسانتها المزعومة. لكن التبريرات قد لاقت حينها انتقادات واسعة النطاق، محلياً وعالمياً، خصوصاً وأن كبير مفتشي الأسلحة في العراق، حينذاك، هانز بليكس، قد صرح بأن فريقه لم يعثر على أي أسلحة نووية أو كيمياوية أو بيولوجية، حسبما ادعت إدارة الرئيس الامريكي، بوش الابن.
وقبل غزو العراق، كان قد أصدر مجلس الامن القرار رقم 1441 الذي دعا الى عودة لجان التفتيش عن الأسلحة الى العراق، وفي حال رفض العراق التعاون مع هذه اللجان، فإنه سيتحمل عواقب وخيمة، لكنه أي المجلس، لم يذكر كلمة استعمال القوة في القرار 1441، وهذا ما أكده حينها السكرتير العام للأمم المتحدة كوفي عنان بعد سقوط بغداد بأن الغزو الأمريكي كان منافياً لدستور الأمم المتحدة.
إن إصرار أمريكا على غزو العراق وتجاهلها لكل دعوات وقرارات المنظمات الدولية والانسانية بعدم الغزو، جاء بكل وضوح، تحقيقاً لأطماع واشنطن في المنطقة للسيطرة والاستحواذ على مصادر الطاقة فيها من جهة، ولرسم خارطة طريق جديدة نظمت زواياها وحددت مساراتها، واشنطن، في الشرق الأوسط من جهة أخرى؛ ومنها: إبعاد العراق عن الساحة السياسية إقليمياً ودولياً، حل الجيش العراقي وإسقاطه من معادلات المنطقة، بعد ذلك تفكك دولة العراق مجتمعياً، ما يعني انتشار الفساد الإداري والمالي، ومن ثم الفساد الأخلاقي والثقافي.
باختصار، حققت أمريكا من غزوها، تدمير كل البنى التحتية للدولة العراقية، وإشعال نار الفتنة الطائفية لإشغال الجميع بهوسها وفوضاها وتبعاتها وأخطارها، وعلى طريقتها الإرهابية الكاوبوية التي طالما أسفرت عن الوجه الحقيقي للرجل الغازي الأمريكي. وهذا ما دفع وباستمرار، أغلب الأصوات العراقية والإقليمية الشريفة لأن تدعو الى طرد هذا المحتل الامريكي من تراب الوطن، المحتل الذي شتت وفتت اللحمة العراقية أكثر مما مضى على يد الطاغية صدام.
وفعلاً توالت المناشدات والاصوات العراقية الداعية لطرد المحتل الامريكي، آخرها وليس أخيرها، ما تحدث بشأنه النائب العراقي حسن فدعم عن ضرورة انسحاب القوات الامريكية من العراق، ووفق التقرير، قال: إن جميع الاطراف والتيارات السياسية في البلاد متفقة على انسحاب القوات الامريكية، لكن بعض هذه الاطراف لم يعلن صراحة عن حتمية الانسحاب. وشدد المبعوث العراقي على أن مجلس النواب قد أصدر العام الماضي قراراً يدعو الى طرد القوات الأجنبية بقيادة الامريكيين من الأراضي العراقية، وعلى الحكومة أن تتحرك بسرعة أكبر لتنفيذه. كما وصرح عدد من أعضاء الفصائل البرلمانية المختلفة بضرورة وقف التدخل الامريكي والأعمال غير القانونية له في العراق، وخاصة ضد بعض الشخصيات السياسية.
بدر الصائغ، عضو آخر في البرلمان العراقي وهو ممثل عن تحالف سائرون، قال: إن طرد القوات الامريكية من العراق أصبح ضرورة قصوى وأن الظروف كانت مناسبة لها لإنهاء وجودها على الاراضي العراقية. أما مختار محمود، العضو الاخر في البرلمان، وهو المتحدث باسم ائتلاف الفتح، قال: إن الولايات المتحدة ستواصل التدخل في الشؤون الداخلية للعراق بمقاطعة بعض الشخصيات العراقية، بينما التزمت الحكومة الصمت إزاء ذلك ولم تتخذ موقفاً حازماً ضد، أمريكا.
واليوم أيضاً، اعتبر القيادي في ائتلاف دولة القانون رعد الماس، أن خروج القوات الامريكية من العراق من شأنه أن ينهي أهم أزمات الشرق الاوسط، مضيفاً أن على كل القوى الوطنية في العراق أن تدرك خطورة بقاء القوات الامريكية في القواعد العسكرية لأنها عامل تأثير داخلي وخارجي وهي متورطة بالكثير من المجازر البشعة بحق عشرات بل مئات الشهداء من الأجهزة الامنية والحشد الشعبي لا سيما قادة النصر.
إذن، على جميع الاطراف في العراق أن يدركوا أن خروج القوات الامريكية هي مسؤولية وطنية مشتركة سوف تنهي الأزمات المحلية كما الأزمات الخارجية الإقليمية منها على وجه التحديد، ولا ننسى أن كل أطياف المجتمع العراقي باتت اليوم أكثر مما مضى، مدركة ومتيقنة جداً لأهمية وضرورة خروج هذه القوات المحتلة، بأسرع وقت.