الوقت- اجتذب احتلال مبنی الكابيتول الأمريكي من قبل الغاضبين المؤيدين لدونالد ترامب في 6 يناير 2020، كحدث تاريخي ، الانتباه ليس فقط على المستوى المحلي، ولكن أيضًا في المجتمع الدولي ككل.
في نظر معظم وسائل إعلام العولمة والمنتمية إلی التكنوقراط، ما حدث داخل الكونغرس كان انتفاضة ترامب ضد الديمقراطية والدستور والنظام القائم في المجتمع الأمريكي، وهكذا أثار التيار السائد، بدعاية واسعة النطاق وغير مسبوقة، قضية عزل ترامب بموجب التعديل 25 من دستور الولايات المتحدة.
بالتزامن مع هذه التحركات، أقر ترامب بضرورة إصلاح ومراجعة قوانين الانتخابات الأمريكية، من خلال الاعتراف بهزيمته والتعهد بنقل سلمي للسلطة إلى جو بايدن في 20 يناير.
إلى جانب هذه القضايا، رأينا صعود شبكات التواصل الاجتماعي الشهيرة مثل Twitter وFacebook وInstagram ضد ترامب. حيث قامت Twitter بحظر حساب الرئيس الأمريكي بشكل دائم.
ومع ذلك، فإن السؤال المطروح الآن هو، ما الذي ستفعله أمريكا كقائدة لدعاة الديمقراطية وحرية التعبير، في الأيام التي أعقبت انتخابات 3 نوفمبر واحتلال الكونغرس في 6 يناير 2021؟ وبمعنى آخر، هل تُظهر أحداث 6 يناير تغيراً في الطبقات السفلی من المجتمع الأمريكي، وهل النظام الديمقراطي الحالي قادر على الاستمرار كما كان في الماضي؟
في الواقع، يؤكد تطور المجتمع السياسي الأمريكي على مدار السنوات منذ عام 2016، بعد وصول ترامب إلى السلطة، أن الديمقراطية الأمريكية كانت ضعيفةً للغاية وأن حقبة ما بعد أمريكا قد بدأت.
احتلال الكونغرس، فورة غضب ضحايا التهميش المنهجي
النظام السياسي لأمريكا، فيما كان يُطلق عليه في الماضي العالم الحر، كانت تقوده الديمقراطية الليبرالية والعولمة العالمية.
في هذا النظام، کان يتم تقديم أمريكا كقائد وممثل ورمز لحقوق الإنسان، وحرية التعبير والتسامح وسيادة القانون ومكافحة العنصرية وما إلی ذلك، لكن أساس هذه الادعاءات في الساحة الموضوعية قد واجه دائمًا نقاط ضعف كبيرة، وتتجلی تناقضاته الأساسية الآن من جديد.
في الديمقراطية الليبرالية الأمريكية، يعتبر أي فرد أو إنسان يؤمن بالقيم التي تدعيها هذه الديمقراطية، شخصًا تحرريًا ومدافعًا عن حقوق الإنسان بموجب القانون. وبعبارة أخرى، في النظام الديمقراطي الذي يدعونه، هناك تمييز جوهري بين المنتمي لهذا النظام والأجنبي منه.
فالمنتمون هم أناس ملتزمون بالقيم والأعراف والنظام الانتخابي الأمريكي، أما من ينتقد هذا النظام بكل عيوبه يعتبر دخيلًا أجنبيًا.
يعترف النظام السياسي الأمريكي بالأشخاص الملتزمين بالقواعد البيروقراطية والقوانين القائمة على مدى عقود من الزمن على أساس الديمقراطية الأمريكية الانتقائية، ويحذف ويلغي ويتجاهل العديد من الآراء التي تخرج عن هذا النظام، مثل اليمين المتطرف أو اليسار أو المهاجرين غير الأوروبيين.
وفي الواقع، كان دعاة العولمة وجماعات الضغط القوية داخل النظام السياسي غافلين تمامًا عن حقيقة أن البيروقراطية التي أنشؤوها ستهمش وتعزل قسمًا كبيرًا من المجتمع الأمريكي، وأن هؤلاء المهمشين سوف ينقلبون تدريجياً ضد النظام الديمقراطي الأمريكي.
وهذا ما حدث في عام 2016، مع انتخاب شخص غير عادي اسمه دونالد ترامب. هذا الملياردير النيويوركي الذي لم تکن لديه خلفية في النظام السياسي ولم تکن لديه الكثير من القواسم المشتركة مع التكنوقراط الأمريكيين، لكن الشعب الأمريكي المحبط والمهمش هو الذي صوَّت لشخص غير عادي لديه أفكار غامضة ويهتف فقط بشعارات مناهضة للنظام، ويرفض قبول القواعد الكلاسيكية للسياسة الأمريكية والديمقراطية الانتقائية، وانتخبه الرئيس الخامس والأربعين.
وكانت هذه هي العملية المعروفة باسم الترامبية، والتي أصبحت أكثر انتشارًا بعد الانتخابات الرئاسية في 3 نوفمبر 2020.
بغض النظر عما إذا كانت الانتخابات مزورةً أم لا، يمكن اعتبار احتجاجات ترامب وأنصاره رمزًا لفشل وعدم كفاءة النظام الديمقراطي الانتقائي والثنائي الحزبي. وبهذا المعنى، فإن احتلال الكونغرس يرمز إلى بداية تغيير كبير في أمريكا بدأ في السنوات السابقة، لكن لم يكن الإعلام ولا السياسيون مستعدين للاعتراف به.
بداية عصر الانحدار الأمريكي
حظيت أحداث 6 كانون الثاني (يناير) باهتمام خاص من الأمريكيين أنفسهم والمجتمع الدولي، لكن اللافت للنظر هو أنه في وصف وتحليل هذه الحادثة، استُخدمت كلمات مثل "المخزي"، "العار"، "الفضيحة الكاملة"، "أحلك يوم في التاريخ الأمريكي"، "الحرب الأهلية"، "نهاية أمريكا العظيمة"، "عودة الثورة الملونة إلى صاحبها"، "نهاية الديمقراطية الأمريكية"، و"غير مسبوقة".
في الواقع، كانت أمريكا في الماضي فخورةً بديمقراطيتها، وتدخلت واشنطن في شؤون الدول الأخرى من خلال إطلاق خطاب الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية في مختلف أنحاء العالم. حتى إن إطلاق هذا الشعار على مدى عقود أدى إلى الحرب الباردة بين الكتلة الغربية والشرقية من عام 1945 إلى عام 1991.
ولكن من داخل هذه الديمقراطية الأمريكية الرنانة، التي أصمت آذان العالم بأبواقها، شهدنا صعود "ديكتاتور جديد" و"فاشي جديد" وحتى دجال سياسي، وبالطبع دعمته أيضاً القطاعات المعزولة في المجتمع الأمريكي بـ 75 صوتاً.
يتمتع هذا الدكتاتور الآن بسمعة كاريزمية بين مؤيديه، وفي ظل ظروف مختلفة يمكنه جلب جزء كبير من المجتمع معه.
بالتأكيد، وكما يقول "ريتشارد هاس" رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، أنه بعد احتلال الكونغرس "من غير المحتمل أن يرانا أي شخص في العالم الآخر بنفس الطريقة، أو يحترمنا، أو يخافنا، أو يعتمد علينا. وبالتأكيد، إذا كان لعصر ما بعد أمريكا تاريخ، فهو بالتأكيد اليوم(يوم غزو أنصار ترامب الغاضبين للكونغرس)".