الوقت- عشية الزيارة المثيرة للجدل التي يقوم بها وزير الخارجية الأمريکي مايك بومبيو إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفيما تستعد الفصائل الفلسطينية لمواجهة جدول أعمال هذه الزيارة، لكن التطورات تشير إلى أن المناخ السياسي الداخلي الفلسطيني تأثَّر مجددًا بنتائج الانتخابات الأمريكية، بعد فترة من التقارب الوطني غير المسبوق ضد صفقة القرن واتفاقيات التطبيع بين الإمارات والبحرين والکيان الصهيوني.
الخلاف بين القطبين السياسيين والأيديولوجيين الرئيسيين في غزة والضفة الغربية، أي حماس وفتح، حول رفض نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية لعام 2006، التي أدت إلى فوز حماس وعدم قبول فتح بها، ظلَّ دون حل على مر السنين، ويحكم كل منهما جزءاً من الأراضي الفلسطينية.
إدانة زيارة بومبيو للمستوطنات المحتلة
ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، أنه خلال زيارة بومبيو للأراضي المحتلة خلال أيامه الأخيرة في وزارة الخارجية، من المقرر أن يزور بشكل رمزي إحدى البلدات المحتلة في الضفة الغربية ومرتفعات الجولان المحتلة، وهي خطوة نحو شرعنة احتلال الصهاينة لهذه المناطق.
في تشرين الثاني 2019، أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة تضع على جدول أعمالها قضية إخراج المستوطنات الإسرائيلية من الوضع غير القانوني. كما وقَّع ترامب على مرسوم رئاسي في 25 مارس 2020، يعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان.
بعد احتلال الکيان الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس عام 1967، تم بناء أكثر من 250 مستوطنة يهودية في هذه المناطق، حيث يعيش نحو 650 ألف مستوطن يهودي. ووفقًا لمبادئ القانون الدولي، فإن إقامتهم في هذه المستوطنات التي أقيمت في الأراضي المحتلة غير قانونية.
ومن الجدير بالذكر أن الفلسطينيين يتظاهرون كل يوم جمعة تقريبًا في مناطق متفرقة من الضفة الغربية، احتجاجًا على استيطان الكيان الصهيوني وبناء جدار الفصل العنصري، ويتعرضون للهجوم من قبل جيش الکيان.
والآن يتزامن إجراء بومبيو الرمزي مع اجتماع ثلاثي بين الکيان الإسرائيلي والبحرين والولايات المتحدة يوم الأربعاء في القدس، وهو ضوء أخضر لحكومة نتنياهو لتوسيع احتلالها وقمعها للفلسطينيين في الضفة الغربية، وقد دفع ذلك الصهاينة إلى الإعلان عن خطة مناقصة لبناء 1257 مستوطنة في القدس الشرقية يوم الأحد، دون أدنی اهتمام بالمعارضة الدولية. وسيتم بناء الوحدات الجديدة في حي "جفعات هماتوس" في القدس الشرقية.
ودفعت هذه الإجراءات الفلسطينيين إلى اتخاذ موقف موحد ضد أجندة زيارة بومبيو والاجتماع الثلاثي.
حيث أصدرت لجنة القوى الوطنية والإسلامية، بما في ذلك حركة فتح وحماس والجهاد الإسلامي، بياناً مشتركاً أمس، جاء فيه أن "اجتماع الغد في القدس اعتداء واضح على حقوق شعبنا".
وذكرت وسائل إعلام صهيونية، الاثنين، أن الاجتماع الثلاثي سيعقد في القدس بمشاركة وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
كما أدانت اللجنة زيارة بومبيو إلى مستوطنة "بساجوت" في مدينة "البيرة" بالضفة الغربية، ودعت إلی معارضة شعبية لـ "رفض هذه الزيارة المشؤومة".
کما نددت الفصائل الفلسطينية في البيان بالإجماع "استمرار التطبيع مع المحتلين".
يشار إلی أنه في 15 سبتمبر، وقعت الإمارات والبحرين اتفاقيتين للتطبيع الكامل للعلاقات مع الکيان الإسرائيلي، فيما وصفه الفلسطينيون بإجماع جميع الفصائل والقيادات، بـ "خنجر في الظهر وخيانة للقضية الفلسطينية".
ولكن بينما ترفض الإمارات انتقادات الفلسطينيين، ووصفت اتفاق التطبيع بأنه "خطوة إيجابية في دعم الموقف الفلسطيني"، فإن توسيع المستوطنات وشرعنة الولايات المتحدة لهذه الخطوة، يؤيدان صوابية الموقف الانتقادي للفلسطينيين.
ضبابية المصالحة والخلاف
مرت أشهر على المفاوضات بين الفصائل الفلسطينية لإنهاء الخلاف والتوصل إلى حل مشترك للانتخابات البرلمانية والرئاسية، وبعد عدة جولات من المحادثات في القاهرة وبيروت واسطنبول ومسقط، هناك الآن همسات بأن الاتفاق بات وشيكاً.
وأفادت قناة "العربية"، مساء الاثنين، أن وفدي حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية(حماس) وحركة فتح الفلسطينية، اللذين وصلا إلى مصر يوم الأحد، توصلا إلى اتفاق مبدئي حول مسألة تسوية الخلافات.
وبحسب التقرير، فقد تم التوصل إلى اتفاق مبدئي بين الطرفين على مصالحة وطنية شاملة، وبعد إعلان هذه المصالحة سيتم تحديد موعد الانتخابات.
وبحسب قناة "الجزيرة"، قال وزير خارجية السلطة الفلسطينية "رياض المالكي"، إن رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس" أكثر استعدادًا من أي وقت مضى للتوصل إلى اتفاق بشأن إجراء الانتخابات.
وشدد المالكي: أن الوقت قد حان لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في فلسطين، ونأمل أن تنتهي الخلافات".
ثم تطرَّق وزير الخارجية الفلسطيني إلی المحادثات الجارية بين حركتي فتح وحماس في مصر، وقال إن "الحوار بين فتح وحماس في القاهرة يُرجَّح أن يحمل أنباءً طيبةً، ونحن ننتظر مواقف حماس لبدء العمل على إجراء الانتخابات".
وفي هذا الصدد، قال "منير الجاغوب" العضو البارز في فتح، إن المحادثات بين فتح وحماس مستمرة منذ شهرين في القاهرة بعيداً عن وسائل الإعلام، وإن الفصائل الفلسطينية تؤكد على الوحدة الحقيقية.
ولكن مع تنامي الأخبار الإيجابية حول تشكيل اتفاق المصالحة الوطنية، فإن الموقف الأخير لمسؤولي فتح بشأن استعدادهم لبدء مفاوضات مع الصهاينة واستئناف الاتفاقات الأمنية مع الکيان الإسرائيلي، أثار معارضة العديد من الفصائل الفلسطينية.
رياض المالكي وزير خارجية السلطة الفلسطينية وفي مؤتمر صحفي مع نظيره الألماني "هايكو موس" في برلين يوم الاثنين، أعرب عن استعداده للتفاوض مع الإدارة الأمريكية الجديدة، مشدداً على ضرورة حل النزاعات، وقال إن "انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة هو نافذة جديدة للحوار، وتسعى فلسطين للاستفادة من هذه الظروف لفتح صفحة جديدة من المفاوضات".
وأضاف: "نريد إجراء حوار حر مع الإدارة الأمريكية الجديدة، بشأن إعادة فتح عملية التفاوض وإلغاء جميع القرارات الأمريكية السابقة، مثل نقل السفارة إلى القدس".
وقال المالكي إن "فلسطين جاهزة للاتفاق"، وتابع أن الإدارة الأمريكية الجديدة تؤمن بحل الدولتين.
كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية وخلال المحادثات المغلقة مع الأطراف الأوروبية، أشاروا إلى أن السلطة الفلسطينية تعتزم استرداد الإيرادات الضريبية والجمركية التي كانت السلطة قد توقفت عن تلقيها منذ نحو ستة أشهر.
وفي هذا الصدد وبحسب قناة "العالم"، قال "محمد أشتية" العضو البارز في حركة فتح ورئيس وزراء السلطة الفلسطينية "سوف نستأنف التنسيق مع إسرائيل".
والجدير بالذكر أنه بعد خطة الکيان الصهيوني لضم أجزاء من منطقة الضفة الغربية المحتلة، علقت رام الله التنسيق مع تل أبيب.
وعقب هذه المواقف، استنكر مسؤولو حماس والجهاد الإسلامي هذه الخطوة.
حيث دعا "أنور أبو طه" عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني، كافة الفصائل الفلسطينية وخاصةً السلطة الفلسطينية إلى عدم ربط الحوار الوطني بأي سياسة خارجية، ولا سيما تغيير حكومة الولايات المتحدة.
وقال أبو طه: "لقد علمتنا التجربة أن الولايات المتحدة تضع مصالح إسرائيل وأمنها في مقدمة أولويات سياستها الخارجية، بغض النظر عمن يدخل البيت الأبيض".
واعتبر أن السبيل الوحيد للتعامل مع التهديدات، هو المقاومة والوحدة والالتزام بمقدسات الأمة.
كما أصدرت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية(حماس) بيانًا بهذا الصدد، ندَّدت فيه بشدة بقرار السلطة الفلسطينية استئناف التنسيق والتعاون مع الکيان الصهيوني.
وجاء في البيان الصادر عن حماس، أن "السلطة الفلسطينية قد تجاهلت نتائج وقرارات الاجتماع التاريخي للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية(في لبنان)".
ورأت الحركة في قرار السلطة الفلسطينية خنجرًا للجهود الوطنية لبناء المشاركة الوطنية واستراتيجية المقاومة لمواجهة صفقة القرن، وأضافت أن "هذا القرار يأتي في وقت تم فيه الإعلان عن بناء آلاف الوحدات السكنية في مدينة القدس المحتلة".
وشدَّدت حماس على أن "السلطة الفلسطينية بهذا القرار تعطي المبرر(لتطبيع العلاقات مع الکيان الإسرائيلي) لمعسكر التطبيع العربي(مع الکيان) الذي ما فتئت تدينه وترفضه".
ودعت حماس في البيان السلطة الفلسطينية إلى التراجع عن قرارها في أقرب وقت ممكن، وعدم الاعتماد على الرئيس المنتخب جو بايدن وآخرين.
وفي الختام أكدت المقاومة الإسلامية الفلسطينية: "لن يحرر الأرض، ويحمي الحقوق، ويطرد الاحتلال إلا وحدة وطنية حقيقية، مبنية على برنامج وطني شامل ينطلق من استراتيجية المواجهة مع الاحتلال المجرم".