الوقت- انطلقت يوم الثلاثاء الماضي عملية الاقتراع للمجالس النيابية التاسعة عشر ولقد فتحت مراكز الاقتراع ابوابها أمام الناخبين الأردنيين عند الساعة السابعة صباحا بالتوقيت المحلي للمملكة الهاشمية الاردنية، لاختيار ممثليهم في مجلس النواب. ويتنافس 1674 ضمن 294 قائمة مرشحا على 130 مقعدا بمجلس النواب، منهم 360 من النساء. ووفقاً لتصريحات "جهاد المؤمني" المتحدث باسم الهيئة المستقلة للانتخابات فإن عدد الناخبين في الأردن يبلغ 4 ملايين و640 ألفا و643، وأوضح "المؤمني" أن الناخبين الاردنيين سوف يدلون بأصواتهم في 1.824 مركز اقتراع موزعين على 23 دائرة انتخابية. وتجرى الانتخابات البرلمانية في الأردن ضمن قانون القوائم، الذي تم إقراره عام 2016، عوضا عن قانون "الصوت الواحد" الذي لا يسمح سوى باختيار مرشح واحد، بعكس قانون القوائم الذي يسمح بمنافسة أكثر من قائمة تفوز منها من تحقق أعلى الأصوات.
ولكن ومع بداية عملية الانتخابات، شهدت الكثير من مراكز الاقتراع اقبال ضعيف من قبل أبناء الشعب الاردني لاختيار ممثليهم في مجلس النواب، مقارنة بما كانت عليه الانتخابات في 2016، حيث وصل عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم فيها نحو 1.5 مليون من أصل 4 ملايين و134 ألفًا ممن يحق لهم التصويت بنسبة تصويت بلغت 36%، مقارنة بـ29.8% في الدورة الراهنة. الجدير بالذكر أن الانتخابات الحالية جاءت في ظروف استثنائية وهي تفشي فيروس "كورونا" في المملكة بصورة غير مسبوقة، حيث شهدت الأيام القليلة الماضية معدلات إصابة هي الأعلى منذ انتشار الوباء، فقد سُجلت في البلاد يوم الثلاثاء الماضي، 5996 إصابة جديدة و91 حالة وفاة، ليرتفع إجمالي عدد الإصابات منذ بدء الجائحة إلى 120982 إصابة، بحسب التقارير اليومية الصادرة عن وزارة الصحة الأردنية.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من التقارير الاخبارية أنه لم يكن فيروس "كورونا" وحده وراء تراجع نسب المشاركة، فهناك فقدان ثقة الشارع في البرلمان وقدرته على التعاطي مع الملفات الحياتية التي تهم المواطن، وهو ما وثقته استطلاعات الرأي، وآخرها ما أجراه مركز الدراسات الإستراتيجية التابع للجامعة الأردنية، في 25 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وقد توصل هذا الاستطلاع إلى أن ما يقرب من 80% من الأردنيين لا يثقون في مجلس النواب و20% فقط من لديهم معيار ثقة حيال المجلس، وهو ما ترجمته إرادة الناخبين في هذه الدورة الانتخابية حيال هذا الاستحقاق الذي يأتي في ظروف غاية في التعقيد، سواء على المستوى الداخلي، سياسيًا واقتصاديًا، أم على المستوى الإقليمي والدولي. ولفتت تلك الدراسة إلى أن الكثيرون من أبناء الشعب الأردني لا يعولون على ما يمكن أن تتمخض عنه هذه الجولة الانتخابية من أسماء وقوائم قادرة على تحريك المياه الراكدة، فالنتائج التي من المفترض أن تُعلن، لن تشهد تغيرات جوهرية في خريطة المجلس الذي يعاني في السنوات الأخيرة من هزيمة نكراء أمام أماني وطموحات الشعب الأردني.
وعلى صعيد متصل، قال "وليد الحسني" الصحافي والباحث السياسي الأردني، المختص في العمل البرلماني، إن "هذه النسبة هي نوع من الاحتجاج الشعبي على العمل البرلماني، فهي نسبة ضعيفة جداً، لكنها في نفس الوقت كانت أعلى من التوقعات، التي كانت ترجح أن تكون نسبة الاقتراع تتراوح بين 25 إلى 27%." وأضاف، معرباً: "بالمجمل النسبة تمثل تراجعاً كبيراً عما كانت عليه النسبة في الانتخابات السابقة عام 2016، والتي كانت حوالي 36%." وأوضح الصحافي "الحسني" أن هذه النسبة، إذا ما قورنت بارتفاع عدد المصوتين الجدد الذين تجاوز عددهم نصف مليون، فهذا يعني أن 70% ممن يحق لهم الانتخاب لم يشاركوا في عملية الاقتراع، ومن الملاحظ أيضاً أن الأرقام الأولية غير الرسمية تكشف عن أن عدد الأصوات التي حصل عليها الفائزون قليلة، ما يعني أن هناك عدداً كبيراً جداً من الأصوات التي أدلي بها الناخبون أصوات ضائعة.
ووفقاً للصحافي "الحسني"، فإن نصف من شاركوا بعملية الانتخاب لم يتم تمثيلهم في المجلس 19، وهذه مشكلة كبيرة ستظهر لاحقاً عندما يبدأ المجلس 19 بممارسة أعماله. وتابع "الحسني"، قائلا: أنه "في ظل هذه المعطيات، فإن العديد من النواب السابقين غابوا تماماً عن قبة المجلس كما غابت الأحزاب، ونسبة المقاعد التي سيحصل عليها حزب جبهة العمل الإسلامي ستكون أقل من المجلس السابق، بمعنى أن من كانوا يمثلون الخط السياسي، والصوت السياسي سيغيبون عن المجلس الجديد، وأن الغلبة كانت للمنحى العشائري، والمنحى الاقتصادي المالي، مما سيؤدي إلى تراجع تمثيل المعارضة السياسية في المجلس المقبل".
ومن جانبه، قال "سميح المعايكة" وزير الإعلام الأردني الأسبق، إنه "عبر تاريخ الانتخابات الأردنية تراوحت نسب الاقتراع بين 40 و60 في المئة، وهذا ضمن معدلات المشاركة العالمية، لكن هذه الانتخابات فيها عوامل جديدة دخلت على أولويات الناس ومنها المفاضلة بين المشاركة وبين توخي الحذر في ما يتعلق بوباء كورونا وهذا ينطبق ليس فقط على كبار السن بل حتى على فئات أخرى. ويشير إلى أن هذا الموسم الانتخابي ليست فيه مقاطعة سياسية منظمة من قوى سياسية أو اجتماعية، لكن هناك تزايداً في حالة عدم الاهتمام وعدم المبالاة التي تعود إلى أسباب عدة، منها وجود فئات لم تكن يوماً تشارك وغير معنية بأي أمر سياسي، إضافة إلى تعمّق القناعة بالدور الهامشي لمجلس النواب في التأثير على القضايا الهامة في حياة الناس والدولة، مضيفاً أن أولوية القضايا الاقتصادية والمعيشية سيطرت على فئات شبابية وأرباب أسر من بطالة وفقر وجعلت من فكرة المشاركة ترفاً أمام الحاجة إلى العمل أو متطلبات الحياة".
ومن جهته، يعتقد "أنيس خصاونة" الكاتب السياسي والمحلل الأردني، أن ثقة الناس بالبرلمان الجديد ضئيلة جداً والآمال المعقودة عليه ضعيفة، مضيفاً أن فقدان الثقة ليس مرتبطاً فقط بهذه المؤسسة بل يشمل مؤسسات أخرى، لا سيما في ظل ما تطرحه الحكومة من برامج وقرارات، وهو ما يؤثر على زخم المشاركة في عملية الانتخاب. كما أشار "خصاونة" إلى أن الناس لا ترى أن البرلمان المقبل سيكون أفضل من سابقه، فهو لن يشكل فجراً جديداً، أو تطوراً في الحياة السياسية، وهذا له جذور تاريخية، فالناس ترى أن الحكومة تؤثر وتتدخل أحياناً في الانتخابات. لافتاً إلى الأحاديث المتداولة عن تدخل حكومات في انتخابات سابقة، أحدها منقول عن لسان رئيس وزراء سابق، والأخرى منقولة عن مدير سابق لأحد الأجهزة الأمنية. وأضاف "خصاونة" قائلا: أن "جائحة كورونا تؤثر على إقبال الناس على الانتخابات، كما أن قرار رئيس الوزراء فرض حظر بعد انتهاء عملية الاقتراع يزيد الشكوك حول نزاهة الانتخابات ونوايا الحكومة، خصوصاً في ظل عدم الثقة بالحكومة وقراراتها. وتاريخياً هناك ما يبرر شكوك المواطنين بإجراءات الحكومة، وزاد ذلك مع قرار الحكومة الأخيرة الحظر الشامل".
وعلى صعيد متصل، أعرب المحلل السياسي "منذر الحوارات"، أن هناك قناعة لدى المرشحين والناخبين بضعف دور مجلس النواب في القضايا السياسية الكبرى، وأن دور النواب في هذه القضايا السيادية يأتي لاحقا، وبعد عدة مستويات رسمية تتصرف بالقضايا السياسية، مما يعني أن طرحها يأتي بشكل استعراضي أكثر مما هو برامج حقيقية لتصحيح مسار أو إيجاد بديل، أو رؤية عن مسار سياسي معين. وتابع "الحوارات" قائلا: "لذلك فهناك ضعف في اقبال الناس على اختيار مرشحيهم، وعدم قناعتهم بضرورة التحدث بالشأن السياسي، وذلك لأن منظومة صناعة القرار السياسي الأردني على الصعيد الخارجي منوطة بجهة سيادية وحيدة في البلاد، ممكن تسميتها بالدولة العميقة في المملكة وهي بعيدة عن مجلس النواب".وفي تقدير "الحوارات" أن الناخب يذهب للانتخابات لاعتبارين ليس السياسي منهما، فإما أن يذهب لانتماءاته القبلية أو العشائرية أو المناطقية، أو ناخب منتفع يريد تحصيل مكاسب مالية آنية من خلال ما يعرف بـ"بيع الأصوات"، واستخدام المال في ذلك، أو تحصيل وظيفة أو تلبية خدمات شخصية معينة وتحالفات مصلحية ضيقة ومحدودة تدفع بهؤلاء للاقتراع.
وفي الختام تجدر الاشارة إلى أنه في محاولة لرفع عدد المقترعين، قرر رئيس الوزراء "بشر الخصاونة" تعطيل الوزارات والدوائر الرسمية والمؤسسات والهيئات العامة والخاصة يوم الانتخاب، وذلك لتمكين الموظفين من المشاركة في الاقتراع. كما أصدر بلاغاً، حدد فيه ساعات الحظر الشامل الذي سينفّذ بعد إجراء الانتخابات النيابية، ليبدأ تطبيقه من الساعة العاشرة مساءً بعد الانتهاء من عملية الاقتراع وإغلاق الصناديق ولكن هذا الامر لم ينجح كثيرا ولقد رأينا أن عدد الناخبين كان منخفضاً جداً مقارنة بعمليات الاقتراع السابقة.