الوقت- في الأيام الأخيرة الماضية ، انتشرت أنباء على نطاق واسع على المستوى السياسي والإعلامي الفرنسي عن مقتل مُدرس فرنسي من قبل أحد المسلمين بسبب رسم كاريكاتوري مهين رسمه المدرس عن نبي الإسلام "صلوات الله علیه".
في غضون ذلك ، أعلنت الحكومة الفرنسية ، التي وجدت مرة أخرى ذريعة لتأجيج نيران الإسلاموفوبيا ، أنها حلّت جماعة مؤيدة للفلسطينيين ومعادية للصهيونية ويقال إنها مقربة من حماس ، بحجة مواجهة ما سماه ماكرون "التطرف الإسلامي".
وقال إيمانويل ماكرون ، يوم الثلاثاء ، إنه سيتم حل جماعة موالية لحركة حماس في فرنسا "لتورطها المباشر" في قطع رأس مدرس تاريخ خارج باريس.
وقال إن قرار حل "جماعة الشيخ أحمد ياسين" المسماة على اسم مؤسس حركة حماس التي تتخذ من غزة مقراً لها والمؤيدة للقضية الفلسطينية، سيتخذ في اجتماع لمجلس الوزراء يوم الأربعاء.
على الرغم من أن هذا الادعاء لم يتم إثباته في أي محكمة ، وأن جميع الأعمال الإرهابية في السنوات الأخيرة في فرنسا وأوروبا ، نُفذت من قبل أعضاء الجماعات التكفيرية ، وخاصة تنظيم داعش الإرهابي - الذي يرفض أغلب الجالية المسلمة في العالم معتقداتهم وآرائهم الدينية – تسعى الحكومة الفرنسية إلى تشويه صورة المسلمين ، وخاصة فصائل المقاومة.
عبد الحكيم الصفريوي ، مؤسس جماعة الشيخ أحمد ياسين، هو رهن الاحتجاز حالياً لنشره مقطع فيديو على موقع يوتيوب يدين الفعل المهين لمدرس التاريخ الفرنسي صموئيل بيتي ضد نبي الإسلام، وطالب عبد الحكيم بطرد بيتي بعد أن أخبرته ابنته كيف عرض معلمها الرسوم الكاريكاتورية المهينة للنبي محمد(ص).
لكن في حين أن إهانة المقدسات الإسلامية، وممارسة الإسلامو فوبيا، والتمييز والفقر بين الجالية المسلمة الفرنسية كانت إحدى الأدوات الرئيسة التي تستخدمها الجماعات التكفيرية الإرهابية للتجنيد ، سعت الحكومة الفرنسية إلى معالجة الأسباب الجذرية لتنامي التطرف، الذي هو نفس التمييز البنيوي وفرض قيود على المعتقدات الإسلامية ، من خلال اللجوء إلى أسلوبها السابق.
وفي هذا الصدد قال ماكرون ، الذي استطاع بمساعدة كورونا ، الهروب من أزمة احتجاجات أصحاب السترة الخضراء ، "مواطنونا ينتظرون اتخاذ موقف، هذه الإجراءات ستزداد" وذلك خلال زيارته الى نواحي باريس ، مستفيداً من ذلك لتحسين سمعته عند الرأي العام الفرنسي.
وفي يوم الثلاثاء أيضاً، قال رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس للنواب الفرنسيين إن الحكومة تستهدف الآن "جميع الجمعيات التي تم إنشاؤها بالتعاون مع الأصولية الإسلامية". كما وعد وزير الداخلية جيرالد دارمانين بأن الوزراة "لن تعطي أعداء فرنسا حتى دقيقة واحدة"، وقال وزير التربية والتعليم جان ميشيل بلانكور يوم الثلاثاء إن بِيتي سيحصل على أعلى وسام شرف في فرنسا بعد وفاته وهو وسام جوقة الشرف.
كما أعلنت السلطات الفرنسية إغلاق مسجد في باريس واعتقال أكثر من عشرة أشخاص ، لكنها لم تتخذ أي إجراء مع المدرسة التي أهانت أهم مقدسات المسلمين وعرضت أمام الأطفال محتوى تعليمياً مهيناً.
ونشر المسجد الواقع شمال شرق باريس مقطع فيديو على صفحته على فيسبوك قبل أيام قليلة من مقتل المدرس الفرنسي يوم الجمعة احتجاجاً على تصريحاته المهينة لنبي الإسلام. وقالت وزارة الداخلية الفرنسية إن المسجد ، الذي يضم نحو 1500 مصلي ، اُغلق ليلة الأربعاء لمدة ستة أشهر.
إن المشتبه به في جريمة القتل ، الذي قُتل برصاص الشرطة في مسرح الجريمة ، شاباً شيشانياً يبلغ من العمر 18 عاماً يُدعى عبد الله أنزوروف، وألقت الشرطة القبض على 16 شخصاً على صلة بجريمة القتل، من بينهم أربعة أفراد من عائلة أنزوروف وخمسة طلاب يشتبه في قبولهم أموالاً لإظهار بيتي للقاتل.
فرنسا تجني العاصفة بزراعتها الرياح
إن الموقف الذي اتخذته السلطات الفرنسية لإرضاء الرأي العام ، ضد ما تتخذه الأصولية الإسلامية مأخوذ من وجهين لخداع الرأي العام في فرنسا والعالم.
أولاً : استخدام الإرهاب والتطرف كأداة لدفع الأهداف السياسية والخطط الجيوسياسية ، وخاصة بعد اندلاع الأزمة السورية ، ومساعدة المخابرات الغربية والتركية في نقل الإرهابيين من أوروبا إلى سوريا والعراق ومن ثم تجهيزهم بأسلحة متطورة مختلفة لإنهيار هذه الدول، وهو موضوع حذر منه مراراً وتكراراً المراقبين في المنطقة والمسؤولين السوريين والإيرانيين والروس ووصفوه بأنه عملية خطيرة على أمن الدول الغربية.
الآن وبعد انهيار داعش والقضاء على العديد من التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق بتضحيات شعوب دول المقاومة ، تم القبض على العديد من العناصر الإرهابية وعائلاتهم من جنسيات غربية واحتجازهم في المعسكرات والسجون بينما الحكومات الغربيون ترفض قبولهم.
في عام 2015 ، أعلن المركز الفرنسي لمكافحة الإرهاب أن 800 فرنسي سافروا إلى العراق وسوريا للقتال ، ليصل العدد إلى 1600 ، بمن فيهم أولئك الذين أرادوا السفر إلى العراق وسوريا للانضمام إلى الإرهابيين. ألم تكن فرنسا قادرة على اعتقال هؤلاء قبل مغادرتهم؟ أم كان هناك مشروع سياسي أكبر قيد التنفيذ والآن تحاول الحكومة الفرنسية خداع الرأي العام لعدم فهم الحقيقة ونشر كراهية الإسلام؟
من ناحية أخرى ، تجاهلت الحكومة الفرنسية دائماً الترويج الحاصل للمعتقدات البغيضة تجاه المسلمين ومقدساتهم تحت ستار الدفاع عن حرية التعبير.
إن الرسوم الكاريكاتورية المهينة والمتكررة التي نشرتها صحيفة "تشارلي إبدو" ضد رسول الإسلام ، والتي أغضبت ملايين المسلمين حول العالم ، هي مثال واضح على سوء تصرف الحكومة الفرنسية ، التي ترفض إدانة إجراء هذه المجلة التي تسعى لكسب الشهرة ولم تفكر في طريقة لمنع حدوث ذلك مرة أخرى ، في حين يُعد هذا العمل وجهاً واضحاً للإرهاب الثقافي.