من الواضح أن المقترحات الإقتصادية المؤخرة لهذه الحكومات هي في الواقع نفس المنافع الاقتصادية الوهمية التي يدعيها البيت الأبيض للفلسطينيين ، باستثناء أن المقترحات الاقتصادية ، أولاً ، بنودها أقل بكثير من وعود صفقة القرن ، وثانيًا ، بسبب الأزمات الاقتصادية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط، لن يكون بإمكان هذه الحكومات بالتأكيد تنفيذ هذه الوعود نظرًا للظروف الاقتصادية الراهنة.
الوقت-أدى تطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين مع الكيان الصهيوني إلى موجة كبيرة من الإعتراضات بإعتبار التطبيع وصمة عار في التاريخ السياسي المعاصر للعالم العربي. في غضون ذلك ، يمكن اعتبار معارضة الفصائل الفلسطينية ، من أهم ردود الفعل تجاه هذا الموضوع حيث أدانت الفصائل دون أي تردد تطبيع العلاقات بين الدول العربية مع الكيان ووصفتها بأنها خيانة للقيم الفلسطينية. كما قدمت السلطة الفلسطينية في جامعة الدول العربية قرارا يدين دولة الإمارات العربية المتحدة على تطبيعها ، وهو قرار رفضه أعضاء الجامعة وعلى رأسهم البحرين.
وبعد رد الفعل الحازم للفلسطينيين على الاتفاق الإماراتي البحريني مع الكيان الصهيوني ، يبدو الآن أن الدول العربية بقيادة السعودية التي أعطت الضوء الأخضر لعملية التطبيع ، تسعى من خلال تقديم عدد من المقترحات الاقتصادية والسياسية المغرية، إرضاء السلطة الفلسطينية عن تطبيع علاقات الدول العربية مع تل أبيب.
تزعم الدول العربية الآن أن إقامة وتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني يصب في مصلحة الفلسطينيين. بل زعمت الإمارات أن اتفاقهم أوقف ضم نتنياهو للضفة الغربية. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما هي الخطة الاقتصادية التي ترغب الدول العربية تقديمها لفلسطين وما هي المزاعم التي تدّعي الدول العربية أنها تصب في مصالح الفلسطينيين وحقوقهم ، وإلى أي مدى تستطيع إغواء الفلسطينيين؟
بيع صفقة القرن للفلسطينيين
بعد تطبيع العلاقات بين البحرين والإمارات مع الكيان الصهيوني ، أفادت مصادر إخبارية خلال الأيام القليلة الماضية أن الإمارات والسعودية والبحرين ومصر قدمت عرضًا مغريًا في الأشهر الأخيرة للسلطة الفلسطينية بعدم معارضة التسوية. وتشير الدلائل إلى أن الخطة الجديدة قائمة على تقديم وعود للسلطة الفلسطينية بتعليق ضم الضفة الغربية إلى الأراضي المحتلة والبدء في مفاوضات مع إسرائيل مقابل عدم معارضة السلطة على تطبيع العلاقات مع تل أبيب.
كما اقترحت الإمارات والسعودية إقامة مشاريع اقتصادية كبرى على مسؤولي رام الله ، بما في ذلك استثمارات واسعة النطاق في البنية التحتية في فلسطين وفتح قنوات تجارية مباشرة وبيع النفط والغاز بأسعار منخفضة للفلسطينيين. كما اقترحت الرياض وأبو ظبي على الفلسطينيين بناء مدن صناعية كبيرة وتوظيف عشرات الآلاف من المهندسين والأكاديميين الفلسطينيين في الشركات الخليجية والعربية.
جاء هذا العرض المغري من قبل النظامين السعودي والإماراتي للفلسطينيين في أعقاب العرض الاقتصادي الأكبر بكثير للفلسطينيين في يونيو 2019 ، عندما استضافت البحرين ورشة "السلام من أجل الازدهار" التي كان يديرها جاريد كوشنر صهر دونالد ترامب، وهو ما رفضه الذي الفلسطينيون بشدة.
وفي هذا المشروع الإقتصادي الكبير ، إقترح كوشنر على الفلسطينيين منحهم 50 مليار دولار على مدى 10 سنوات ، بالاعتماد على ثلاثة محاور هي "الشعب والاقتصاد والحكومة" مقابل التنازل عن السيادة على القدس وقبول صفقة القرن. وحتى كان جزء من الخطة الجديدة يتضمن بناء رابط جديد (طريق سريع أو سكة حديد) بين الضفة الغربية وقطاع غزة ، بتكلفة 5 مليارات دولار.
من الواضح إذن أن المقترحات الأخيرة لهذه الحكومات هي في الواقع نفس المنافع الاقتصادية الوهمية التي يدعيها البيت الأبيض للفلسطينيين ، باستثناء أن المقترحات الاقتصادية ، أولاً ، بنودها أقل بكثير من وعود صفقة القرن ، وثانيًا ، بسبب الأزمات الاقتصادية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط، لن يكون بإمكان هذه الحكومات بالتأكيد تنفيذ هذه الوعود نظرًا للظروف الاقتصادية الراهنة.
في أعقاب تفشي فيروس كورونا في البحرين ، أصبحت الإمارات والسعودية من بين الدول التي لجأت إلى الاقتراض أو إصدار سندات لجمع الأموال. وبحسب موقع الخليج أونلاين في أبريل 2020 ، فقد اقترضت أبوظبي ما مجموعه 7 مليارات دولار على شكل سندات حكومية ذات آجال متباينة، لتعويض نقص السيولة الناجم عن انخفاض أسعار النفط. والوضع أسوأ بالنسبة للسعوديين منه في الإمارات العربية المتحدة ، حيث سحبت الرياض أموالاً من صندوق مشروع مشترك مع باكستان في الأشهر الأخيرة.
من ناحية أخرى ، يشير هذا التشابه إلى سخافة ادعاء أن إقامة العلاقات والتطبيع من الكيان المحتل هو دعمٌ لفلسطين وشعب فلسطين. لا شك أن الولايات المتحدة والصهاينة سيلجؤون الى تنفيذ بنود خطيرة أخرى من صفقة القرن ، بما في ذلك الاحتلال الكامل للقدس ، والاعتراف الدولي بالمستوطنات الصهيونية غير الشرعية في الضفة الغربية ، وإغلاق ملف عدة ملايين من اللاجئين الفلسطينيين في الدول المجاورة.
العرب وتنفيذ الإرادة الأمريكية
لطالما تعاونت الدول العربية سرا مع الكيان الصهيوني في السنوات الأخيرة ، خاصة بعد اتفاقية أوسلو عام 1993. لكن خلال هذه الفترة تشير الأدلة أن هذه الدول العربية لم تتمكن من وضع أدنى عقبة في طريق مشروع تل أبيب القاضي باحتلال المناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية على شكل مستوطنات جديدة وكذلك شن ضربات عسكرية ، لكن في ظل الظروف الحالية، ليس من الواضح معرفة كيف تنوي الدول العربية الدفاع عن حقوق الفلسطينيين من خلال الإعلان عن إقامة العلاقات علنًا وإقتراح بعض الوعود الاقتصادية ؟
حقيقة الأمر هي أن المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات وبعض الدول العربية الأخرى أصبحت رسميًا دمى في أيدي دونالد ترامب ، وأن الخدمة الوحيدة التي ستقدمها هذه الدول من خلال التطبيع، هي مساعدة دونالد ترامب على الفوز في انتخابات 3 نوفمبر المقبلة. وفي الوقت الحالي ، أصبحت هذه الدول ، دون أي إرادة وقرار حقيقي ذاتي ، أداة مطلقة بيد ترامب من أجل تقديم المساعدة للرئيس الأمريكي الحالي للفوز على جو بايدن في الإنتخابات المقبلة من خلال تنفيذ عملية تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. وفي المقابل ، الرئيس الأمريكي بحاجة ماسة الى تنفيذ مشروع التطبيع لتكون له بمثابة إنجاز عظيم على مستوى سياساته الخارجية.