الوقت- منذ استقلال عُمان قبل نحو خمسين عاماً، اختارت لنفسها أن تلعب دور الحياد الإيجابي في المنطقة التي شهدت ولا تزال حروباً مُستمرة منذ ذلك الوقت، وعلى هذا الأساس كان الدور العُماني في أزمات المنطقة تصالحي للغاية واختار سُلطان عُمان الراحل قابوس أن يكون صديقاً للجميع وأن تجتمع على طاولته كل الأطراف التي شهدت نزاعات فيما بينها أو حتى أزماتٍ دبلوماسية، ورُبّما كانت مُحادثات البرنامج النووي الإيراني والتي أفضت إلى اتفاق بين الجمهورية الإسلامية ومجموعة (5+1) آخر الأزمات التي حُلّت على الطاولة العُمانيّة، غير أنّ هذا الدور التصالحي وابتعاد مسقط عن سياسة المحاور أثار حفيظة دولة الإمارات العربيّة ومن خلفها مملكة آل سعود التي وجدت في الحياد العُماني حاجزاً يقف بوجه أطماعهما ليبدأان معاً بحياكة المؤامرات ضد السلطنة التي لم تؤازرهما في أيٍّ من مشاريعهما لا سيما العدوان على اليمن وحصار قطر.
التوتر الذي تشهده منطقة الخليج الفارسي بسبب الحرب المشتركة بين الإمارات ومملكة آل سعود ضد اليمن، بالإضافة للحصار الذي تفرضه السعودية وحلفاؤها على قطر، وعلاقة عُمان المُميّزة مع إيران أدت هذه الأسباب مُجتمعة لمحاولة تدخل الإمارات والسعودية ومن خلفهما أمريكا في الشؤون الداخلية لسلطنة عُمان وهو الأمر الذي زاد من حدّة التوتر بين تلك الدول وسلطنة عُمان، لتلجأ الأخيرة إلى عقد مفاوضات مُعلنة مع أعداء ذلك المحور لا سيما قطر وتركيا، ودارت مؤخراً أخبار تتحدث عن نيّة عُمان استضافة قاعدة عسكرية تركية على أراضيها.
التطبيع أولاً
بعد صفقة التطبيع المُذلة التي وقّعتها دولة الإمارات مع الكيان الإسرائيلي؛ رأى عيال زايد أنّ أفضل طريقة للخروج من هذا الحرج هو جلب جميع الدّول إلى مستنقع التطبيع، وبما أنّ موقف الكويت كان ثابتاً تجاه هذا الموضوع؛ ارتأى عيال زايد أنّ أفضل دولة يمكن مُمارسة الضغوط عليها وجرّها للتطبيع هي سلطنة عُمان، كون الإمارات تُعتبر من أكبر المُستثمرين داخل عُمان، كما أنّ استلام السلطان هيثم بن طارق دفّة الحكم يُعتبر فرصة ملائمة للغاية من خلال إغرائه بالكثير من الاستثمارات من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى وعده بتثبيت أركان حكمه الذي لم يمضِ عليه أكثر من أشهر قليلة.
أكثر من ذلك؛ وجدت الإمارات أنّ تطبيع عُمان علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي من شأنه تنفيذ عدّة سياسات إماراتية سعت إليها بشكلٍ حثيث منذ أيام السلطان الرّاحل قابوس بن سعيد، وأوّل تلك السياسات زيادة عزلة قطر أكثر في محيطها الخليجي وتقليص عدد حلفائها، ومن جهة أخرى فإنّ تطبيع عُمان من شأنه قطع العلاقات العُمانية الإيرانية، وهي العلاقات التي تُعتبر تاريخية.
وبالإضافة لما سبق، يأتي موضوع الضغط على عُمان للتطبيع من أجل الوقوف بوجه تركيا في منطقة الخليج الفارسي، خصوصاً بعد أن وصلت العلاقات التركيّة العُمانية إلى مرحلة مُتقدمة التفاهم حول مُجمل الأمر، بالإضافة إلى أن العلاقات العُمانيّة القطرية هي الأخرى شهدت قفزات نوعيّة على مُختلف الصعد، كان آخرها لقاء السلطان هيثم بن طارق بوزيري الخارجية والمالية القطريين، وجاءت محادثاتهم بعد سلسلة اجتماعات ومكالمات هاتفية بين عُمان والكويت وقطر.
على حد السّكين
في خطاب القسم للسلطان هيثم تعهد باستمرار نهج السلطان الراحل قابوس فيما يتعلق بالأمور الخارجيّة، وهذا يعني استمرار لعب عُمان دور الوسيط في مُختلف القضايا؛ ولا سيما الإقليمية منها.
السياسة العُمانيّة هذه لم تكن تُعجب الإمارات ولا أمريكا، كونها تقف بوجه مُخططاتهم في المنطقة، حيث إنّ السياسة العُمانية دائماً ما فضّلت التواصل مع إيران، بالإضافة للعب دور الوسيط بين مختلف الدول، حيث من المُتوقّع أن تبقى السياسة العُمانية توازن بين جميع الأطراف بالإضافة للعبها دور الوسيط لجمع الولايات المتحدة وإيران على طاولة المفاوضات، وذلك بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية المُقبلة، كما أنّ السلطان هيثم بن طارق لم يُلمح أبداً ولو من بعيد إلى احتمال تغيير سياسة بلاده تجاه إيران.
أكثر من ذلك؛ ليس هناك من شكٍ في أن الضغوط من الأمريكية والإماراتية ستضع مسقط أمام مجموعة من التحديات السياسة الخارجية، غير أنّ عُمان ستُصمم على عدم السماح لهذا الضغط بالمساس بسيادتها وعلاقاتها الخارجيّة خصوصاً مع الدوحة وطهران، كما أنّ تأييدها لاتفاق التطبيع مع الكيان الإسرائيلي كان مُتوقعاً، حيث إنّ هذا التأييد يأتي مُنسجماً مع كل المواقف العُمانيّة السابقة المبنيّة على حل المشكلات عن طريق الحوار، غير أنّ موقفها سيبقى في حدود التأييد، ولن يكون هناك تطبيع للعلاقات العُمانية مع الكيان الإسرائيلي.
وفي النهاية، من غير المُتوقع أن تُغيّر مسقط من سياساتها على الرّغم من ترحيبها باتفاق التطبيع بين الإمارات والكيان، كما أنه وبالنظر إلى تاريخ العلاقات السياسية لعُمان من غير المُرجح أن تنحاز مسقط مع أي تكتل ضد أي من جيرانها، حيث ترى مسقط أن السلام والاستقرار على المدى الطويل في الخليج الفارسي والشرق الأوسط ممكن فقط عندما يتم استيعاب جميع الجهات الفاعلة والمشاركة بالعمليات السياسة بشكلٍ يحفظ حقوق الجميع.
غير أنّ هذا الحياد الذي يعتبره البعض إيجابياً، لن يُعجب قوىً إقليمية ودوليّة، ومن المرجح أن تتعرض عُمان لمزيد من الضغوط في شرق أوسط تزداد فيه عملية الاستقطاب السياسي بشكلٍ مُتسارع.