الوقت- تشهد الساحة المصرية جملة من التطورات في ظل العديد من التحديات التي تواجه النظام المصري الحالي. داخلياً، تشهد مصر قريبا إنتخابات برلمانية جديدة في ظل إنقسام سياسي حاد بين مختلف الأفرقاء السياسيين، وأما على الصعيد الإقليمي فقد برز في الآونة الاخيرة تقارب مصري–سوري أربك علاقات القاهرة مع الرياض. دولياً، شهدت العلاقات المصرية-الروسية تقارباً ملحوظاً في ظل إبتعاد الرئيس السيسي عن واشنطن. للإطلاع على آخر هذه التطورات على الساحة المصرية، أجرى موقع الوقت التحليلي الإخباري مقابلة خاصة مع الكاتب المصري والباحث المتخصص في الحركات الإسلامية، أحمد بان، حيث تم الحديث بشكل تفصيلي عن تحديات الساحة المصرية بدءاً من الوضع الداخلي مروراً بالعلاقات الإقليمية وصولاً إلى العلاقات الدولية، فيما يلي نص المقابلة:
نرحب بكم ضيفنا الكريم، نبدأ بالحديث عن الوضع الداخلي، ما هي آخر الأخبار حول الإنتخابات البرلمانية والإصطفافات والتحالفات السياسية الموجودة في مصر؟ وما هي الآفاق المرتقبة للبرلمان القبل؟
مصر على المستوى السياسي مقسّمة إلى أربع قوائم بصرف النظر عن الوزن النسبي لكل قسم منها؛ مجموعة الأولی و الثانیة هی قوى النظام السياسي أو القوى الموالية للنظام السياسي، وقوى الشباب التي أشعلت ثورة 25 يناير وأصرت على أن تمضي في المسار الثوري، لولا أن جماعة الإخوان خذلتها وتآمرت على ثورة يناير عندما إرتضت أن تعمل مع المجلس العسكري السابق لعبة التوظيف المتبادل حيث إعتقد كل طرف منهما أنه قادر على توظيف الطرف الآخر لصالحه، وفي النهاية دفعت مصر الثمن. هذه القوى، قوى الشباب، تبدو يائسة إلى حد ما، لكن أتصور أن حالة اليأس هذه لن تطول، وربّما تعبّرعن نفسها في حركة وعي، يعني إستفادت مما حصل في ثورة 25 يناير وراكمت مجموعة من الخبرات. المجموعة الثالثة، تشكل جماعة الإخوان المسلمين، والمجموعات المتحالفة من أحزاب الإسلام السياسي، لكن هذه القوى الآن لم تعد بنفس القوة والصلابة التي كانت عليها قبل فض إعتصام رابعة والنهضة، فقد نجحت قوات الأمن والنظام السياسي في تفكيك والتعامل مع المجموعات الإرهابية والتفكيرية والجماعات السلفية وجماعة الإخوان التي أطلقت خطاباً واحداً عبر منصة واحدة. القوى الرابعة، تمثل المجموعات السياسية الأكثر فاعلية والأكثر حضوراً، من ليبراليين وقوميين ويساريين. وهناك قطاعات أوسع لكن لا يجمعها ناظم وتعبر كل مجموعة عن نفسها بطريقتها.
نستطيع أن نرى برلمان يلعب فيه رأس المال السياسي دور كبير، وتلعب فيه إختيار قوائم المرشحين، لأن هذه المرة تختلف الإنتخابات عن سابق عهدها، فقد تم التحكم بنوعية المرشحين المشاركين، بالشكل الذي يجعلنا أمام تشكيلة تبدو واضحة، ما بين قائمة محسوبة على النظام وقوائم آخرى قد تتنافس ولكنها لن تحصد مقاعد كثيرة داخل البرلمان بالشكل الذي يجعله برلمان فسيفسائي. لكن في النهاية قد تتوحد بعض قواه لتشكل ظهير سياسي غير معلن للنظام السياسي الجديد، بحيث تعطّل أي محاولة لحجب الثقة عن البنيان الوزراي أو تقديم معارضة ذات صوت زاعق في البرلمان.
حزب الحرية والعدالة الذي تم حلّه سيقاطع الإنتخابات و قد يشارك في بعض المقاعد الصغيرة من أجل تأمين أشخاص يضعون قضيته تحت القبّة، أبو المنعم أبو الفتوح لم يحدّد موقفه حتى الآن وهناك صراع داخل حزبه، لكن الصوت الأعلى الآن في المشاركة حزب النور سيشارك وقد يحصد حوالي الـ5 بالمئة من الاصوات، وبما هوالأقوى مقارنة بباقي الأحزاب المدنية، لكن سيكون أيضاً للمستقلين دور كبير في هذا البرلمان، وهم الحاضرون في دوائرهم، وكثير منهم قد يترشحون مستقلين، لكن بالتنسيق مع القوائمم الحزبية. قائمة "تحيا مصر" أو "في حب مصر"، بدت هي الاكثر تعبيراً عن مجموعات المصالح القديمة التي مثّلت البنيان السياسي للنظام السابق، وهي الأقوى حالياً بين مختلف القوائم الإنتخابية الآخرى، فقد نشهد في المرحلة المقبلة برلمان "الثورة المضادة" عبر عودة نفس الوجوه القديمة إلى البرلمان.
بالإنتقال إلى الوضع الإقليمي، وتحديداً العلاقة مع سوريا، فقد شهدت الساحتین المصرية والسورية تقارباً ملموساً في الفترة الأخيرة، حيث يمكن الإشارة إلى زيارة رئيس جهاز الامن القومي السوري اللواء علي مملوك إلى القاهرة، وكذلك مقابلة وزير الخارجية السوري وليد المعلم مع قناة النهار المصرية، التي تعتبر الاولى من نوعها منذ بداية الأزمة عام 2011، فما هي الأسباب الكامنة وراء هذا التقارب ؟
إن المشهد السوري أبرز خطورة الإرهاب على بنية الدولة الوطنية، وأظهر خطط أمريكا والكيان الصهيوني تجاه المنطقة حيث إتضح دور أمريكا مع بعض الدول الإقليمية، التي تقوم بدور وظيفي في مواجهة تطلعات الشعوب والأنظمة الوطنية التي تريد إستقلال الوطن الحقيقي، عندها أدرك النظام السياسي المصري أن بنية الدولة التي تعتمد على وجود جيش موحد وقوي، هي المستهدفة في سوريا كما هي المستهدفة في مصر، وأن السماح بإنهاء الدولة السورية في صيغتها المعروفة، وإنهاء الجيش العربي السوري، هو مقدمة للقضاء على كل الجيوش التي حارب إسرائيل. شاهدنا ما جرى للجيش العراقي، ثم محاولة القضاء على الجيش السوري عبر إنهاكه في مواجهة الجماعات المسلحة والتكفيرية في سوريا، ومحاولة إستنساخ هذا النموذج في كل الدول العربية. شاهدنا ما جرى في ليبيا، وفي شبه جزيرة سيناء المصرية، وبالأمس كان الجيش المصري يخوض معركة كبيرة في الواحات مع مجموعات مدعومة من تنظيم داعش الإرهابي في ليبيا، وبالتالي بدا أن هناك مصيراً مشتركاً وقناعات موحّدة لدى النظامين، سواء النظام السياسي المصري الجديد، أو النظام السياسي في سوريا، لذلك كانت صيغة الدولة الوطنية هدفاً مشتركاً.
إن إضعاف كل دول المنطقة وتقسيمها إلى كنتونات صغيرة، بحيث تتحول العراق إلى 3دول، وسوريا إلى 3 دول، ومصر إلى دولتين أو 3 دول، وليبيا إلى 3 دول، ويبقى الكيان الصهيوني هو الكيان الوحيد الأكثر تماسكاً والأكثر قوةً في مواجهة هذه الكيانات، وهذا في مقدمة لإنسحاب أمريكا الجزئي من المنطقة بسبب تكلفة التواجد الطويل على إقتصاده ومقدراتها، وبالتالي إتهجت مخططاتها لتبقي هذه القضية مشغولة بنفسها في صراعات ممتدة بين الفرقاء من القوى الوطنية، لعبت على فكرة المجموعات التكفيرية التي تحولت إلى سبب الفوضى الجديد في المنطقة، يتم إشعال الفوضى في سوريا فتتشظى وتنشطر سوريا، يتم إشعال الفوضى في العراق فيتشظى العراق، وهناك مخطط يستهدف مصرعبر إتجاه مجموعات مدعومة من تنظيم داعش الإرهابي في ليبيا، ويتم تسخين الجبهة الجنوبية، مع الجبهة الشرقة ممثلة بـ"أنصار بيت المقدس"، ثم تفجير الأوضاع من الداخل عبر مجموعات صغيرة. هذا هو المخطط، لذلك كان الرئيس السيسي حريصاً على تسكيل ما يسمى بـ"قوة التدخل السريع"، وهي التي تدخلت بالأمس في الواحات مع قوات الكومندوس التي تعمل الآن في سيناء. وبشکل ملخص، يمكننا القول أن وحدة المعركة مع الإرهاب تجعل مصير النظامين مشتركاً و تعزز عوامل التعاون بينهم.
التوجه المصري نحو سوريا، سوف يؤثر على العلاقات المصرية في الساحتين الإقليمية والدولية، إقليميا بين مصر وكل من السعودية والكيان الإسرائيلي، وودولياً على العلاقة مع أمريكا، كيف ترون هذا التأثير؟
لا شك في أن الضغوط السعودية تحجّم كثيراً من قدرة مصر على التقدم بوتيرة أسرع في العلاقات مع سوريا، لكن ما هو مستقر في وعي القيادة المصرية، أنها لن تقبل بأن تملي السعودية أو حتى باقي دول الخليج (الفارسي) إرادتها على مصر. ربما، إنحنت مصر في مرحلة معينة نتيجة الضغوط الإقتصادية، لكن مع الوقت ستتحسن قدرتها على مواجهة هذه الضغوط، خصوصاً مع بروز الدور الروسي الداعم لهذا التوجه الذي يوزان الضغط من قبل أمريكا والمعسكر الغربي. توجه الرئيس المصري نحو المحور الشرقي؛ روسيا والصين كانت إشارة واضحة إلى أنه لن يمضي في إتجاه سلفه مبارك الذي كان كنزاً إستراتيجياً لإسرائيل. وبالتالي، المرجح حالياً أن تتحسن شروط مصر في علاقات أفضل مع سوريا، ومع إيران لاحقاً.
يرى البعض أن التقارب المصري السوري حالياً هو تقارب تكتيكي وليس إستراتيجي، للضغط على بعض من حلفاء القاهرة في المنطقة، وبهدف الحصول على إمتيازات أكبر،فهل هناك تعاون بين الجيشين المصري والسوري من الناحية العملية؟
إن التعاون حتى الآن على المستوى الإستخباراتي، لكن الدخول في المستنقع السوري حالياً، ليس في خيارات القيادة السياسية المصرية، ويبدو خياراً مستبعداً، لأن النظام معني بتحقيق الإستقرار الأمني في الداخل، وبالتالي ليس من الحصافة أن يتحرك الجيش المصري في الخارج، ولذلك هو رفض حتى الموضوع اليمني. وأما بالنسبة للتقارب الحاصل فليس تكتيكياً، هي إستراتيجية تمضي بنفس طويل، ومرحلة تدريجية وحسابات معقّدة. وهنا يمكن الإشارة إلى أن قناة النهار ليست قناة حكومية، لكنها موالية للنظام، وفكرة أن تحرك قناة خاصة حتى تتخلص من أي تبعات، وتقول أن هذه قناة خاصة. كذلك، زيارة اللواء مملوك كانت في هذا السياق (الإستراتيجي)، هناك تنسيق مخابراتي وهناك إدراك أننا نتعامل مع عدو واحد.
ما هو موقف الشعب المصري ، عامة الناس والشريحة المثقفة والنخب داخل المجتمع المصري، تجاه الحكومة والنظام في سوريا؟
هناك جزء كبير من المثقفين في مصر أدرك أن إستمرار الدولة السورية بصيغتها الحالية، حتى في ظل الرئيس الأسد، أفضل للشعب السوري مما جرى، وأن الحفاظ على ما تبقى لا يمر إلا عبر دعم الرئيس الحالي، فإذا كان هناك فيتو على إستمرار الرئيس بشار، فأين هو البديل؟. دعنا نثبت الدولة السورية وعندما ينتفي خطر الإرهاب، نتحدّث حينها عن تغيير النظام أو تغيير الحكومة أو أي تغيير سياسي كان، لكن أتصور أن إستعادة بنية الدولة، لا يمر إلى عبر القيادة الحالية. وبالتالي هناك إدراك لدى المثقفين أن دعم النظام السوري الحالي هو الضمانة الوحيدة لبقاء الدولة السورية. لكن مع إعطاء النظام السوري ضمانات بتوسعة المشاركة السياسة لقوى جديدة إلى جانب النظام خاصة المعارضة الوطنية المعتدلة التي تريد أن تُبقي سوريا دولة وطنية موحّدة.
السؤال التالي يتعلق بالملف اليمني، منذ بدأ العدوان السعودية على الشعب اليمني، كان الخطاب الإعلامي السائد لدى المجتمع المصري ضد هذا العدوان، بشكل يفرض دائماً، ضغوطاً على الحكومة والمؤسسة العسكرية بعدم المشاركة في هذا التحالف، هل يمكن أن تشرحوا لنا موقف النظام المصري، وكذلك موقف المثقفين داخل المجتمع تجاه الملف اليمني؟ وكيف يؤثر هذا التوجه المصري، إضافة إلى الإنفتاح على سوريا، على العلاقات مع السعودية؟
هناك إدراك شعبي لخطورة التورط في الملف اليمني، بإعتبار أن ما يجري هو صراع بين اليمنيين، تحاول قوى خارجية أن تدعم أحد أطرافه لكي تثبت سلطتها على اليمن. لدينا تجربة قديمة في التستينات، لكن كنا ندعم جمهورية وليس نظام ملكي رجعي، حينها كانت تدعمه السعودية، فخسرنا حوالي 120 ألف جندي في اليمن. بالتالي منطق دعم الحق، يبدو صعباً بالنظر إلى التجربة السابقة، وهذا في الوعي الشعبي لدى الناس، إضافة إلى أن تسويق الأمر (التطورات اليمنية) بإعتباره تهديد للأمن القومي المصري في باب المندب، ثبت أنه غير حقيقي و إصرار النظام السعودي على تثبيت قيادة موالية، وإبتزازه للطرف المصري بدا واضحاً.
الدور المصري حالياً، يتمثل بالدفع نحو حوار سياسي، لكن الطرف السعودي يريد المضي في الصراع حتى النهاية، ويريد إضعاف قوى الممانعة في الداخل اليمني إلى أقصى حد، بما يؤمنه عرشه إلى عقود قادمة على حساب الشعب اليمني.
لا شك في أن الموقف المصري المخالف للإرادة السعودية في الملفين السوري واليمني، عزّز الشرخ بين البلدين، ونسطيع أن نطلق على العلاقات بين البلدين لقب "بارد"، وليست بسخونتها في عهد الملك عبدالله و رغم محاولة الطرفين إخفاء ذلك، لكن الصورة تبدو واضحة، فالأهداف لم تعد واحدة.
بالإنتقال إلى الصعيد الدولي وبالتحديد العلاقات بين مصر وروسيا، هناك 3 زيارات للرئيس المصري إلى روسيا، وهناك زيارات عسكرية متبادلة بين الطرفين، فما هو هدف النظام المصري من هذه العلاقة؟
لقد مضى الزمن الذي تراهن دولة بالعلاقات على حساب دولة آخرى، كان هناك عدم توازن في علاقات مصر مع القوى الكبرى حيث إنكفأت بإتجاه أمريكا وإسرائيل فترة حكم مبارك التي إمتدت على ثلاثة عقود، وماسبقها من عشر سنوات أمضاها السادات، خصوصاً مع إتفاقية "كامب ديفيد" التي وضعت مصر في القاع. النظام المصري الحالی حريص على أن تبدو علاقاته مع روسيا إستراتيجية، لكن رؤيتي أنه غير جاد مئة بالمئة في هذا المسار و ربما يمارس لون من ألوان الضغوط لتحسين شروط العلاقه مع أمريكا.